زيلينسكي.. " مثال سيئ"!!

تنزيل (21).jpg
حجم الخط

بقلم سليم يونس الزريعي

 

 

 واجه حتى اللحظة سيناريو الرئيس الأوكراني زيلينسكي جر حلف الناتو للتدخل بصفة أصيلة، وليس بالوكالة في الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا لمواجهة روسيا بزعم أن الجيش الروسي قصف مناطق بولندية أسفرت عن مقتل شخصين، بتشكيك ونفي من دول حلف الناتو نفسها، لقطع الطريق على سعي الرئيس الأوكراني توسيع مجال الاشتباك ليشمل دول الناتو بما فيها واشنطن ولندن، ويعود ذلك كما نقدر لأن بعض تلك الدول تدرك عواقب مثل تلك الحرب، بعيدا عن رغبات الرئيس الأوكراني، وإن اتفق الجميع معه في الموقف من روسيا.
ويبدو أن الرئيس الأوكراني لم يفكر فيما بعد دخول الناتو بشكل مباشر، وليس "كمقاول" حرب عبر كييف في مواجهة مباشرة مع روسيا، التي هي وصفة تعني أن الجميع يتجه نحو حرب كونية ثالثة ستكون روسيا فيها مستهدفة، وبالقدر نفسه ستكون كل أوروبا والولايات المتحدة كذلك، أي أن الرئيس الأوكراني لا يري إلا ما هو آني، أي كيف يؤلم روسيا الآن؟ دون التفكير في أن معادلة تلك الحرب وأطرافها وهدفها سيكون مختلفا، جراء الترسانة النووية للدول الرئيسية التي ستشترك فيهاـ سواء روسيا أو دول الناتو.
ومن ثم فإن الانزلاق نحو تلك الحرب بقدر ما هي أكثر القرارات غباء وحماقة، فهي تعني الذهاب نحو الانتحار الجماعي مع سبق الإصرار والترصد، وأنه لمخطئ من يعتقد أو يراهن على أنه سيكون فيها منتصرا، وإن تفاوتت قدرة هذه الدولة عن تلك على تحمل نتائجها المدمرةـ التي ستختلف من دولة إلى أخرى ارتباطا بقدراتها الذاتية، مما يعني أن هناك بعض الدول المشاركة ربما تختفي عن خريطة العالم إذا ما يقي"عالم". بل إن تلك الحرب لن تقف عند حدود الدول التي ستنخرط فيها فعليا أو نظرياـ لكنها ستشكل تهديدا لمجموع البشرية، لأن الاتحاد الروسي سبق أن حذر بأنه إذا ما تعرضت روسيا لتهديد جدي يمس وجودها، فإنه سيستخدم ترسانته النوويةـ بكل الآثار المترتبة على ذلك بالنسبة للدول المشاركة فيها والعالم، لأن الدول النووية ستعتبر أن المسألة تتعدي أوكرانيا( الذريعة) الآن، إلى الذهاب نحو القول أن تكون نلك الدول أو لا تكون، وهذا سؤال الجميع روسيا ودول الناتو ومن يدور في فلك الناتو، كاليابان، وكوريا الجنوبية، وكندا، وأستراليا وبنفس القدر.
ويمكن القول هنا، إن استشعار خطر الانزلاق نحو حرب عالمية، جعل البعض يكبح جماح المتسرعين وذوي التفكير الحلقي من مسؤولي بعض الدول، ولذلك يلاحظ أن أن هناك رواية أمريكية وأوروبية مناقضة( تكذب) ادعاءات بولندا المتسرعة باتهام روسيا، فيما أصر زيلينسكي على روايته (عنزة حتى لو طارت)، لأنه يريد ذلك، فكان أن اضطرت بولندا للنزول عن الشجرة، وإن استمرت حفاظا على ماء وجهها من اعتبار أن روسيا هي السبب في سقوط الصاروخ على أراضيها.
لذلك أثار استمرار الرئيس الأوكراني في ادعائه أن الصاروخ أطلقه الجيش الروسي، الذي يناقض فيه المواقف الصادرة عن بولندا وحلف شمال الأطلسي بأن الانفجار كان على الأرجح نتيجة إطلاق الدفاعات الجوية الأوكرانية صاروخاً لاعتراض وابل الصواريخ الروسية. مع أن "الرئيس الأميركي جو بايدن المقاول الأول الذي يعمل لديه زيلينسكي، قد أبلغ حلف شمال الأطلسي وشركاء مجموعة السبع أن الانفجار في بولندا نجم عن صاروخ دفاع جوي أوكراني". أثار غضب رئيس الحكومة الهنغارية الذي قال إن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي أعطى “مثالا سيئا” بقوله إن الصاروخ الذي قتل شخصين في قرية بولندية قرب الحدود مع أوكرانيا كان روسيا.
ونقل غيرجيلي غولياس، رئيس مكتب رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان للصحافيين قوله: “في مثل هذا الموقف يتحدث زعماء العالم بمسؤولية” لكن “الرئيس الأوكراني، باتهامه الروس فورا، كان مخطئا”. ووصف زيلينسكي بـ “أنه مثال سيئ، مرحبا بالموقف الحذر لبولندا والولايات المتحدة”.
التصريح الهنغاري المستاء والغاضب من سلوك الرئيس الأوكراني المتعمد، الذي يمكن أن يتكرر بأشكال وذرائع أخرى، كون أوكرانيا كانت تراهن على جعل مثل تلك الواقعة، سبيلا لحشد المزيد من الدول ضد روسيا، عبر “التضليل”، مع كل التداعيات التي ستتعدى أوكرانيا التي ربما لن تكون موجودة بعدها.
في حين أن رئيس الوزراء، البولندي نزل تدريجيا عن الشجرة فأعلن عدم تأكده من واقعة الصاروخ مع أن وزارة خارجيته في الوقت الذي سارعت إلى الصعود لأعلى الشجرة، استدعت السفير الروسي في وارسو للاحتجاج، على واقعة الصاروخ، لكن الموقف الأمريكي وحلف الناتو الذي بادر لنفى روايتي كييف ووارسو جعله يبتلع مواقفه اليقينية السابقة، واستبدالها بالتحقق من الواقعة عِوض الاتهام المتسرع، الذي يعني اتساع الحرب، وربما وصولا لحرب عالمية ثالثة.
لذلك قال رئيس الوزراء البولندي قررنا أن نتحقق من الشروط المسبقة لاستخدام المادة 4 من ميثاق الناتو. وإذا كانت واقعة سقوط الصاروخ، هجوما مباشرا مقصودا على أراضينا. من عدمه.
والسؤال هل انتهى هذا الاشتباك السياسي والدبلوماسي الذي وضع العالم على حافة حرب عالمية جديدة؟ إننا نقدر أن خطر الانزلاق سيبقى قائما، عبر عمل متعمد يقدم عليه بعضهم من شأنه جر الأطراف المشاركة في الحرب، أو نتيجة خطأ بشري غير مقصود ، من شأنه أن يشعل فتيل تلك الحرب التي قد لا تبقي ولا تذر..
هنا يحضر سؤال المسؤولية والعقل العاقل القادر على تجنيب العالم ذلك المصير المظلم جراء سلوك بعض الأغبياء والحمقى من الزعماء، وهو ما نأمله..