حينما اندلعت الاحتجاجات في طول إيران وعرضها في أيلول (سبتمبر) الماضي، رداً على مقتل مهسا أميني، وراحت النساء الإيرانيات يخلعن عنهن أغطية شعورهن، ويضرمن فيها النيران، خشيتُ بصراحة أن يختزل الغرب، بآلاته الإعلامية ومثقفيه ومحلليه ونشطائه، الحراك الشعبي بأسره في الحجاب. ليس لأني أحاول النأي بقطعة القماش تلك، ولكن لأن من السطحية التغاضي عن الركام الناتج من 43 عاماً من القهر والإذلال، والتجهيل والإفقار الممنهجين.
ولم يخيب فطاحل الغرب ظنوني، خصوصاً أولئك المحسوبين على الليبرالية، في قدرتهم على التفكير خارج الصندوق. وليتهم حشروا أنفسهم فيه وماتوا اختناقاً.
فقد تجاهلوا كل ما قاسته المرأة الإيرانية من تمييز وتعسف وتنكيل بذريعة الاحتشام، وتغاضوا عن تأثيرات ما شخّصتها إحدى الباحثات في جامعة آلاباما بـ"متلازمة الصدمة الدينية" على هؤلاء النساء، ليلدوا لنا استنتاجاً مسخاً: إن حرق النساء الإيرانيات أغطية رؤوسهن يندرج ضمن مظاهر الإسلاموفوبيا، أو يغذي ـ على أقل تقدير ـ السرديات الإسلاموفوبية!
وربما ازداد "عقلاء" الغرب وحكماؤه تمسكاً بقناعتهم بسبب الرسومات الكرتونية المسيئة لرجال الدين في إيران، والهتافات المهينة ضدهم، والهتافات الأخرى المترحّمة على رضا شاه بهلوي، الملك الذي حظر الحجاب رسمياً في 1936. ولا ننسى حملة "طيّر عمامة الملالي"، حيث يتسابق الإيرانيون على تصوير أنفسهم وهم يطرحون العمامة من على رأس أي رجل دين عابر قبل أن يلوذوا بالفرار.
الإسلام إذاً، وليس من نصّبوا أنفسهم ممثلين عنه، واتخذوه عصا يعاقبون بها الناس، هو من بات يُحارب في شوارع طهران وشيراز وأصفهان. أو هكذا يؤكد تقدميو الغرب.
ومن الممكن هنا إحسان الظن في هؤلاء المتنطعين، واعتبار تنظيرهم الفارغ على حساب المرأة الإيرانية جزءاً من استماتتهم المعتادة في إثبات مدى وعيهم وإدراكهم، ومدى تطوّر خطابهم الحقوقي.
وربما نجد أيضاً "رشة" من شعورهم بالذنب، وتأنيب الضمير، تجاه كل ما يبدو لهم "إسلامياً"، حتى ولو كان نظام الملالي وفهمه المتعنت للشريعة، فهم أصلاً يدافعون بشراسة عن الأقليات المسلمة في الغرب، ويصنّفون أي انتقاد موضوعي ومبرر لسلوكياتها وأفكارها وطرق معيشتها كإسلاموفوبيا.
ولكني شخصياً أميّز الاستعلاء، والإحساس غير المعلن بالفوقية والأفضلية، ومتلازمة الأستاذية، حين أراهم. وقد أطلوا بوجوههم القبيحة منذ بدء الاحتجاجات في إيران.
مهسا وأخواتها كنساء شرق أوسطيات كن بحاجة إلى أن يحدد لهن أحد، وحبذا لو كان غربياً تقدمياً، كيف يشعرن بالضبط تجاه القمع الإسلاموي، وكيف يرفضنه من دون أن يمارسن الإسلاموفوبيا، رغم أن 99.3% من الإيرانيين مسلمون، وكيف يثرن على الرموز التي وُظفت لاضطهادهن، وكيف يغضبن، وماذا يحرقن في فورة غضبهن، ومن يشتمن، وما إذا كان بإمكانهن إطاحة العمائم كـ"فشة خلق".
رحم الله مالكوم إكس. لم يكذب حينما قال: "ذلك الشخص الأبيض الذي تراه يُلقّب نفسه بالليبرالي هو الكائن الأخطر في النصف الغربي من الكرة الأرضية".