تؤكد مصادر صحافية إسرائيلية أن ممثلين عن الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تحجّ إلى زنازين الشبان الفلسطينيين الذين اعتقلوا خلال تنفيذ عمليات طعن أو دهس في شوارع ومفترقات طرق في الضفة الغربية لمعرفة دوافعهم، خاصةً أنهم غير منتمين حزبياً وليس لهم سوابقُ أمنية (كما تدّعي المصادر الإسرائيلية).
هذا الحجُّ الإسرائيلي يشارك فيه مسؤولون من «الشاباك» وإدارة الاحتلال المدنية، والقيادة الوسطى في الجيش الإسرائيلي... لفهم الأسباب الحقيقية وراء موجة العمليات والهبّة المتواصلة في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة منذ عدة أشهر دون أن تلوح بوادر حقيقية لوقفها، وإن خفّ وميضُها في بعض الأحيان.
يحاول قادةُ الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية الوصول إلى استنتاج بأنه لا يوجد عاملٌ بذاته وإنما مجموعة عوامل... بدايةُ الأحداث حسب تقديراتهم جاءت بسبب اعتقاد الفلسطينيين بالمسّ بالمسجد الأقصى وتهويد الأماكن المقدسة، وهي الشرارة التي انطلقت منها الأحداث، ويفترضون تطورَ الفهم لدى الأفراد المنفذين للعمليات بأن الشعور الوطني، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اعتداءات متعددة هو سبب إضافي... أما العاملُ الثالث حسب وجهة نظرهم فهو الانتقام أو ما يُفهم بالثأر، خاصة في الأسابيع الأخيرة... مدلّلين على ما يحدث في شمال الخليل، وخاصةً بلدة سعير وجوارها، حيث كان الهدفُ هو الانتقام من قتل أحد الأقارب والأعزّاء.
سلطات الاحتلال وفي ضوء هذه النتائج حاولت التغيير من عمليات انتشارها في الأماكن الأكثر خطورةً، وهي الأماكن التي تعددت فيها العمليات المسلحة، وخاصة في مفترق بيت عينون شمال الخليل، ومفترق كفار عتصيون، البلدة القديمة من القدس، حاجزي حوارة وزعترة وبعض المفترقات الإستراتيجية، علماً بأن إعادة الانتشار طالت وحدات خاصة إسرائيلية وبشكل أساسي في مفترق عتصيون وبيت عينون.
الرواية الإسرائيلية في بعض جزئياتها قد تبدو صحيحة، ما عدا مفهوم الثأر، ولكن لم يتطرق أحدٌ من قادة الاحتلال إلى السبب الرئيس والمحوري فيما يحدث... ويحاولون قدر الإمكان الابتعاد عنه، بل وأكثر من ذلك يحاولون في بعض الأحيان إعادة الأحداث إلى الإحباط أو الوضع الاقتصادي الصعب، وهو الذي يعطي واقعاً قوياً للأفراد للقيام بالعمليات... السبب الرئيس هو الاحتلال بكل مكوّناته وإفرازاته... الاحتلال المستمر منذ العام 1948 منذ النكبة الفلسطينية والذي لم يترك مجالاً للفلسطينيين، إلاّ الدفاع عن وجودهم ومكونات وجودهم، وعن أرضهم التي يشاهدونها كل يوم وهي تُصادَر شبراً شبراً لصالح المستوطنات التي تجثم على صدورهم. الاحتلال الذي حاول نفي فكرة وجود الفلسطيني، وتعامل معه كحدث طارئ وجوده لا يتعدى مفهوم الإقامة على أرض لا يستحقها... أو ربما محاولة نفي هذا الوجود كما فعلت غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية في سبعينيات القرن الماضي. الاحتلال الذي خنق المكوّنات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى النفسية لدى الشعب الفلسطيني.... كان على قيادات الاحتلال الأمنية والعسكرية والسياسية أن تتأكد أنه لا يمكن محو شعب عن خارطة أرضه بهذه السهولة، وأن السلام لا يعني بالمطلق استسلاماً دون شروط، بل فرض شروط الاستسلام من قبل المحتل، الذي يبني وجوده على سياسة الأمر الواقع بالقوة العسكرية المطلقة. النقطة الأهم أن الانتفاضة الأولى أو الثانية أو الهبّة الثالثة دائماً كان لها شرارة الانطلاق، ولكن تبعات ذلك كان الهدف منها إنهاء الاحتلال، ومحاولة الوصول إلى الحد الأدنى من مطالبنا الوطنية وهي الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة العاصمة، إضافة إلى حق العودة للاجئين الذين هُجِّروا من أراضيهم وأملاكهم قسراً... والتحكم بشكل مطلق بمقدراتهم الاقتصادية وغيرها.
أما محاولة تجزئة الأسباب أو تقسيم الهبّة إلى مراحل افتراضية فهو استنتاج ناقص غير مكتمل الجواب، فلولا الاحتلال لما كانت قضية القدس والمقدسات مشكلة، ولولا الاحتلال لما كان مفهوم التحرير الوطني يشغل الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، ولولا الدم المسفوح برصاص القنص الإسرائيلي وتعمّد القتل لما كان هناك أحد يفكر بالثأر... إذن الأسباب ليست جزئية متمثلة بالمقدسات والوطن والانتقام... ولكن هو الاحتلال الذي بإزالته ستزول كل مسبّبات المواجهة.!!