إسرائيل... تداول الأقنعة!!

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

بقلم : نبيل عمرو

 

 

ظاهرة صحية الاحظها لدى شعبنا الفلسطيني، تتجسد في عدم الهلع من الحكومة الإسرائيلية التي يقوم بنيامين نتنياهو بتشكيلها.
والحديث عن سموتريتش وبن غفير ومن يماثلهم في التشكيلة الحكومية القادمة يأتي من داخل إسرائيل، ومن حلفائها التقليديين الذين يرون ان ما تحمله حكومة نتنياهو المقبلة من دلالات تضر بالصورة الإسرائيلية التي كانت تبدو ولو بفعل الدعاية المكثفة كأنها نوعية مميزة الى الحد الذي شاعت فيه مصطلحات خاصة في وصفها ومنها "واحة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" ، ومن ينسى خطابات نتنياهو امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اعتبر فيها إسرائيل دولة كاملة متكاملة المواصفات الحضارية بدءا من اختراع الطماطم المقزمة حتى التفوق في مجال الهايتك. وغيرها من صناعات العصر.
لا ننكر ونحن نرى إسرائيل بالعين المجردة، ان فيها تفوقا في مجالات عدة وفيها انتخابات وتداول للسلطة، وفيها ارتفاع مضطرد في مستوى دخل الفرد، ولديها قوة عسكرية وتحالفية غاية في التميز عن ما لدى الفلسطينيين وحتى عن ما لدى محيطها العربي.
كل ذلك نراه ونعرفه غير ان اصل الحكاية ليس هنا ولا هكذا فإسرائيل تعاني مما تعرف وتتجاهل.
فهي تعرف وتتجاهل بأن التفوق العسكري والتحالفي وحتى الاقتصادي يتحول الى عبء عليها ما دامت تحتل شعبا آخر وتعادي امة بأكملها، وتؤدي سياساتها على انها مدللة العالم، والاستثناء الدائم من القواعد الاخلاقية الدولية، وما دامت لم تدرك بعد هُزال مردود تطبيعها مع بعض الدول امام اللاتطبيع الشعبي الشامل، الذي تراه منذ عقود في مصر والأردن، وفي أيامنا هذه في المونديال حيث يضطر الإسرائيلي فيه الى إخفاء هويته خوفا من نظرات الاخرين، ليس لاسباب دينية او عنصرية وانما لما تفعل بالفلسطينيين الذين وبفعل الاحتلال يسيرون كل يوم جنازة على الأقل.
وإسرائيل تعرف وتتجاهل ان العرب والعالم بمعظمه اكتشف دون دعاية مضادة ان تداول السلطة ولو بانتخابات حقيقية ينتج تداولا للاقنعة وليس للسياسات، ذلك ان الطبقة الرسمية التي تتنافس على الحكم فيما بينها يجمعها أساس واحد، هو بقاء الاحتلال، ويفرقها اجتهادات مختلفة في كيف يتم ذلك، مع أسباب أخرى تتصل بمزايا الحكم والتسابق على الظفر بحصة منها.
واسرائيل تعرف وتتجاهل بأنها ومن خلال بقاء اشرس احتلال عرفته البشرية، فكل قوتها العسكرية التي تمتلك ما يغطي المناطق المحتلة عدة مرات من الجنود والمعدات، تبدو عديمة الجدوى حين يقرر شاب فلسطيني على عاتقه الخاص القيام بعملية حيثما استطاع ذلك، وحين تقرر فتاة فلسطينية ولو محاولة طعن بسكين او مقص خياطة، هذا ما لا نقوله نحن كي يعتبر دعاية او تحريضا لما تصفه عادة الرسمية الإسرائيلية، بل يقوله اهم الكتاب والمثقفين والاكاديميين والضباط الإسرائيليين، ومنهم كبيرهم الحالي غانتس الذي لا يخفي قلقه على دولته من حكومة بن غفير الذي سلمه نتنياهو نصف إسرائيل، ويسلم نظيره سموتريتش النصف الاخر كي يشكلا له طوق نجاة شخصي من معضلة تهم الفساد التي لم يتخلص منها.
ان العالم يشاهد ما يجري في إسرائيل تحت غلاف ديموقراطي بينما هو انقلابات جوهرية تطال حتى القضاء الذي تجري محاولات "ديموقراطية" لتجريده من صلاحياته تحت عنوان التغلب.
نحن الفلسطينيين تعودنا على كل الأقنعة التي تداول أصحابها على التنكيل بنا، وتعودنا على هضم الصعوبات التي يتفنن محتلونا في اختراعها لتصبح نمط حياة لانساننا ومجتمعنا.
وتعودنا على من تمنى ان يبتلع البحر غزة، وان يغرق الفلسطينيون في البحر الميت، وتعودنا على ان تشرب غزة ماءً ممزوجا بملح البحر، وان تسجن الضفة بين مئات او الاف الحواجز التي تنتشر في مداخل ومخارج مدننا وقرانا وحتى احيائنا، تعودنا على ان نؤرخ لمعتقلينا بعشرات السنين واعداد المؤبدات، لهذا ولغيره ما يماثله الكثير الكثير، صارت لدينا كشعب مناعة من بن غفير وسموتريتش ونتنياهو، الذين يختلفون عن غيرهم في شأننا بأنهم فقط ازالوا الأقنعة.