إسرائيل: دعم أوكرانيا سرّاً وأكذوبة الحياد

thumb (1).jpg
حجم الخط

أشرف العجرمي

 

 

 

واجهت إسرائيل معضلة جدية في التعامل مع الحرب الروسية - الأوكرانية، فهي من جهة حليف إستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية ومحسوبة على المعسكر الغربي في كل التفاصيل ولا تستطيع أن تقف على الحياد، ومن جهة أخرى لا تستطيع أن تدعم أوكرانيا بشكل علني وفاقع من خلال تزويدها بمنظومات أسلحة متطورة تحتاجها أوكرانيا وتطالب إسرائيل بها باستمرار، فمثل هذا الوضع سيقود لعقوبات شديدة من موسكو.
وأكثر شيء تخشاه هو قيام روسيا بتقييد حرية عمل القوات الإسرائيلية في سورية من خلال تزويد الأخيرة بمنظومات دفاع جوي حديثة، تقلل قدرة الطيران والصواريخ الإسرائيلية على الوصول إلى أهدافها بشكل حر ودقيق. وهذا يعني تموضع إيران في سورية على مقربة من الحدود مع إسرائيل، ونقل أسلحة متطورة جداً لسورية و»حزب الله» بما فيها صواريخ دقيقة وبعيدة المدى وطائرات مسيّرة، بل وفتح مصانع لهذه الأسلحة في سورية، وإنشاء بنية تحتية عسكرية تخلّ بموازين القوى في المنطقة. وهذا ضرر إستراتيجي كبير بالطبع، دون استبعاد المواجهة المباشرة مع القوات الروسية في سورية.
في السابق، تحدث يائير لابيد رئيس الحكومة المؤقتة، عندما كان وزير الخارجية وقبل استلامه لمنصب رئيس الحكومة، عن موقف إسرائيل الداعم لأوكرانيا والمندد «بالاحتلال» الروسي. وقد تمت ترجمة هذا الموقف بتقديم مساعدات إسرائيلية قيل عنها: إنها إنسانية ومنها دروع مضادة للرصاص وخوذ عسكرية، وأشياء أخرى لا تعتبر تقنيات عسكرية متطورة، وهذا ما تم في العلن.
ولكن في السر هناك أمور كثيرة تجري، فعلى سبيل المثال، تم رصد سيارة جيب إسرائيلية في أوكرانيا، وادعت إسرائيل أنها ربما قد تم تصديرها إلى دولة أوروبية ومن هناك انتقلت إلى أوكرانيا. ولكن القناة (13) الإسرائيلية كشفت، أول من أمس، عن زيارة سرية لوفد عسكري أوكراني لإسرائيل يضم شخصيات رفيعة المستوى، منهم نائب رئيس هيئة الأركان في الجيش الأوكراني تمّت الأسبوع الماضي، والتقى المسؤولون العسكريون الأوكرانيون الكبار مع نظرائهم الإسرائيليين. ولكن مجرد التكتم على هذه الزيارة يشي بوجود تعاون عسكري سري بضغط من الولايات المتحدة بين إسرائيل وأوكرانيا.
مصدر عسكري إسرائيلي عقّب على نشر هذا النبأ بالقول: «لا تغيير في سياسة إسرائيل، ونحن لا ننوي إعطاء سلاح، ونحن نتحدث معهم عن منظومات للإنذار ضد الصواريخ».
ولكن هذا لا يتماشى مع الموقف الحقيقي لإسرائيل. وهي تخشى فقط من رد فعل روسيا. فقد حذرت الأخيرة إسرائيل من مغبة «تصدير صواريخ دفاع جوي إسرائيلية الصنع أو صواريخ اعتراضية أخرى إلى أوكرانيا سواء بشكل مباشر أو عبر دولة ثالثة، وأنها سترد على ذلك»، حسب ما ورد في وكالة «بلومبيرغ» في يوم 4 تشرين الثاني الحالي.
وقد اعترفت بعض الأوساط الإسرائيلية، حسب ما ذكر في وسائل الإعلام، بأن إسرائيل باعت الجيش الأوكراني منظومات مضادة للطائرات المسيّرة عن طريق بولندا، للالتفاف على الموقف الإسرائيلي المعلن بعدم تزويد أوكرانيا بمنظومات سلاح متطورة. وفي الواقع، تحاول إسرائيل الاستفادة من عملية تسويق السلاح الذي تجري تجربته في أوكرانيا، وهي تريد الاستحواذ على حصة من مبيعات السلاح على مستوى العالم، حيث تشكل أوكرانيا أهم حقل لتجربة مختلف أنواع الأسلحة الحديثة، هذا بالطبع عدا الموقف الإسرائيلي الثابت في دعمها لحروب الغرب الاستعمارية في مختلف أرجاء العالم، وأنها تشكل ذراعاً استعمارية وأكبر قاعدة سلاح أميركية وغربية في منطقتنا.
من الواضح أن روسيا تعلم الكثير عن المبيعات الإسرائيلية التي تستهدف تزويد أوكرانيا بالسلاح، وهي دون شك سترد على ذلك باعتبار أن إسرائيل اختارت المعسكر المعادي لروسيا. ولكن على ما يبدو لن تسارع روسيا في الرد على إسرائيل بصورة حادة، ربما لإبقاء التدخل الإسرائيلي محدوداً وتحت السيطرة، وربما أيضاً لأنها لا تريد الدخول في مواجهة مع إسرائيل.
ولكن هناك خطوات محددة تقوم بها روسيا تزعج إسرائيل كثيراً، منها تصعيد وتيرة التصريحات التي تنتقد إسرائيل على سياستها الاحتلالية الدموية ضد الفلسطينيين، حيث لوحظ في الفترة الأخيرة ازدياد في حدة وتواتر التصريحات الروسية.
والشيء الأكثر خطورة، من وجهة النظر الإسرائيلية، زيادة التعاون العسكري والاقتصادي مع إيران، خاصة ما تدعيه إسرائيل حول تزويد إيران لروسيا بعدد كبير من المسيّرات استخدمت في الحرب الأوكرانية، والتعاون النووي بين روسيا وإيران، وكذلك تطوير منظومات أسلحة مختلفة، ومساعدة إيران على تجاوز العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية ضدها. وأخيراً تشجيع روسيا لإيران للانضمام لمعاهدة «بريكس»، التحالف الاقتصادي المهم لمواجهة احتكار وهيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي. وقد اتخذ البرلمان الإيراني قراراً بالإجماع، أول من أمس، بالانضمام للمعاهدة.