العرب والغرب ميزان الحرية والعدالة ...!

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

 

سيبقى موقف أوروبا المتراخي مما يحدث في فلسطين والمتجاهل للاحتلال الإسرائيلي يشكل مساساً يخدش تلك الصورة التي تريد الديمقراطيات الغربية أن تظهر بها.
ولسوء حظ هذه الدول تنتخب إسرائيل من يعلن عدم التزامه بالاتفاقيات التي موّلتها وعدم الالتزام بحل الدولتين، بل وبضم الضفة دون أن يرفع أحد صوته معارضاً، ولسخريات السياسة تبدو الولايات المتحدة راعية إسرائيل الدولة الوحيدة التي تعبر ولو بخجل عن موقفها من بن غفير وسموتريتش.
في المقال السابق الذي أشار لمقارنة الموقف الذي يتعلق بازدواجية المعايير التي تتبعها النظم السياسية حين يتعلق الأمر بالمصالح تتساوى تلك النظم بديمقراطيتها ودكتاتوريتها، وتنكمش الديمقراطية أمام حساباتها لتطيح بتراث من الحريات أنتجته أوروبا بعد حربين طاحنتين وخسارة ملايين من أبنائها، وتبدو العدالة الإنسانية شعاراً لا ينجح دوماً في اجتياز الاختبار.
كتبت عن الفريق الألماني والوزيرة الألمانية ومدى استعدادهم لدفع ثمن دفاعهم عن حريات المثليين حين بدا الأمر ليس أكثر من مزاودة زائدة وسط ثقافة تتعارض مع تلك القيم، لتأتي التعليقات وكأنها ضبطت ألمانيا متلبسة بانعدام الحريات دون تمييز بأن الأمر يتعلق بنقطة محددة، دون أن تدرك أن تلك الديمقراطيات تمكنت وبجدارة من ترسيخ حريات لمواطنيها وشعوبها تحتاج الدول العربية إلى عقود طويلة للوصول إليها، حيث تقع الدول العربية جميعها خارج أي من تصنيفات الحريات ولا علاقة لها باحترام المواطن، أما مسألة حقوق الإنسان فتلك ثقافة غريبة على العرب.
وحتى لا تأخذنا العزة بالإثم ونضع الجميع في سلة واحدة، صحيح أن استعلاء الحضارة الغربية في تعاملها مع العرب يشكل اهانة كبيرة، لكن الفرق الكبير في التعامل مع شعوبها ومصداقيتها مع تلك الشعوب المرفّهة ومستوى الحريات الداخلية يضع العرب خارج أي تصنيف، بل إن المقارنة غير واردة ولا يصلح القياس على معايير واحدة، وإذا كانت الدول الغربية ترسب في اختبار الاحتلال الإسرائيلي وممارساته لكننا نحن العرب نرسب في كل الاختبارات حين يتعلق الأمر بالحريات وحقوق الإنسان.
مازالت الذاكرة تحتفظ بمقارنات صادمة، فعندما هب الخليج للتدخل في سورية ودعم الحرب الأهلية بعشرات المليارات لم يتحمل تبعية تدخله، فعندما تحوّل الشعب السوري إلى مجموعات من اللاجئين الهائمين على وجوههم بسبب تدخلهم أغلق الخليج بواباته المفتوحة للهنود والباكستانيين في وجوه السوريين، فيما استقبلت ألمانيا مليون لاجئ سوري ووفرت لهم كل الرعاية، وبعد سنوات سيتحولون إلى مواطنين بإمكانهم تقلد أي وظيفة والترشح في أي انتخابات وتقلد أي موقع. هكذا كان الأمر، لم يجد العرب في العرب في لحظة الضائقة من يحنو عليهم، حين أكلت لحومهم أسماك البحر كانت تغلَق في وجوههم كل البوابات العربية ليغيب نشيد "بلاد العرب أوطاني"، فلم تعد تلك البلاد أوطاناً حين كان كل همها تصفية حسابات لا تحرير الشعوب التي تركتها ذليلة على بوابات الغرب.
صحيح أن الاقتصاد الغربي الناهض كان يحتاج الأيدي العاملة ليستثمر اللجوء السوري في عجلة إنتاجه، ولكن أيضاً تبدو الاقتصاديات الخليجية قادرة على استيعاب الملايين من العرب لكنها تفضل عمالة شرق آسيا، كيف ولماذا ؟ لا أحد يملك إجابة قومية تعادل واجب الرد على الهجوم الغربي على قطر وتنظيمها المونديال، تلك العمالة التي بدأت تطرح تساؤلات على الهوية الخليجية نفسها والقلق عليها لطغيان الثقافة الآسيوية، فيما العمالة العربية أكثر حفاظاً على قيمها وثقافتها العربية.
في مسألة القيم الغربية والتي يتنافى بعضها مع الثقافة العربية كمسألة المثليين وغيرها يبدو الغرب أكثر صادقاً مع نفسه. فما يقوله في الداخل هو ما يقوله في الخارج، ولكننا نحن العرب نعيش التناقض الجارح، فما نقوله في الخارج وعلى المنصات والخطابات الدولية وفي الأمم المتحدة من أخلاق ومعايير وحريات وحقوق إنسان وعدالة ومساواة، لا علاقة لها مع واقع يغرق أكثر في التمييز والاستبداد ويمارس أبشع أنواع قهر الإنسان، دول يعيش فيها المواطن في حالة قلق وخوف دائم من أجهزة أمنية وُجدت لتُحصي أنفاسه، وقد ينتهي في زنزانة فيما لو تجرأ منتقداً الزعيم والحزب الحاكم.
في الولايات المتحدة وصل ابن رجل كيني لرئاسة أقوى دولة في العالم، وفي بريطانيا وصل ابن رجل هندي إلى مقعد ونستون تشيرشل ومارغريت تاتشر، وفي السويد فازت فلسطينية لم يمض على رحيلها هناك سنوات بمنصب رئيس بلدية بالانتخاب، وفي الدول العربية يعمل العربي ويقيم فيها ثلاثة عقود وما إن تنتهي وظيفته حتى يتم سحب إقامته ومطالبته بالرحيل. قال عدد من أصدقائي الذين عملوا في الخليج ليجدوا أنفسهم في إسطنبول بمرارة "هكذا طردونا بعد خدمة عقود أعطونا فترة قصيرة للرحيل". هكذا الأمر الذي لا يقارن ومثله الكثير من الوقائع والتفاصيل التي تعيد العرب للعصر الحجري.
المقارنة لا تستوي، قال أحد الأصدقاء نحن نحاكم أوروبا على قيمها في الحرية وحقوق الإنسان، على ما تقوله عن نفسها، على حرصها على الحريات وليس على مقياس العرب المهترئ انسانياً، في موضوع فلسطين ينكشف الموقف الأوروبي كما انكشف في أوكرانيا، أما على مستوى الداخل وشعوبها فعلى العرب أن ينزووا عن طريق المقارنة... هذا هو الواقع.