لماذا ماكرون في البيت الأبيض؟

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

ليست زيارة عادية التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الولايات المتحدة برفقة زوجته، بعد توتر بين البلدين على خلفية صفقة «أوكوس» الأمنية التي تخلت بموجبها أستراليا عن شراء 12 غواصة فرنسية تعمل بالطاقة النووية، بمبلغ 37 مليار دولار.
فرنسا التي سعت خلال فترة ماكرون لاختراع أجندة أوروبية مستقلة إلى حد ما عن الأجندة الأميركية، ذهب رئيسها إلى واشنطن وبدا أنه مسرور بعمق التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، إلا في بعض الخلافات التي اعتبرها الرئيس الأميركي جو بايدن «غير جوهرية».
بايدن خصّ نظيره ماكرون بهذه الزيارة عن باقي الزعماء الأوروبيين، وميّزه في حفاوة الاستقبال والعشاء والحوارات الجانبية والضحكات الكثيرة، وهي رسالة أميركية واضحة بأنها لا تريد خسارة فرنسا بسبب صفقة الغواصات «أوكوس» التي جعلت الولايات المتحدة تحل محل باريس في هذه الشراكة الأمنية والدفاعية مع أستراليا.
بالنسبة للرئيس الأميركي، يرى في زيارة ماكرون تأكيداً على عودة دفء العلاقات بين ضفتَي الأطلسي، وتوحيد وجهات النظر الأميركية والأوروبية بشأن دعم أوكرانيا في حربها المتواصلة مع روسيا، وكذلك انسجام غربي بشأن مواجهة النفوذ الصيني في المحيطين الهندي والهادي.
ماكرون الأربعيني خير من مثّل أوروبا في هذه الزيارة، إذ حمل معه ملفات لم تقتصر على مصلحة فرنسا وحدها، وإنما مصالح أوروبا الحيوية، من بينها الاختلاف مع الولايات المتحدة بشأن معالجة موضوع الحرب في أوكرانيا، وبحث أسعار الغاز الأميركي باهظ الثمن.
فيما يتعلق بالملف الأوكراني، تعتقد أوروبا أن واشنطن ورّطتها في هذه الحرب ولا تريد إنهاءها بسرعة، إذ في حين دعا ماكرون مراراً إلى أهمية إجراء مفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني لإنهاء الحرب، يرى الرئيس بايدن أنه لا يمكن التحدث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل أن توقف موسكو حربها على أوكرانيا.
بوتين لن يجلس على طاولة المفاوضات مع أوكرانيا طالما لم تحقق بلاده متطلباتها الأمنية، وأوروبا متوترة كثيراً من تهديدات الرئيس الروسي بشأن احتمال استخدام السلاح النووي، وأما واشنطن التي تقع في الضفة الأخرى من الأطلسي فهي معنية بمواصلة الحرب لاستنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً.
هذا الملف يجده الرئيس الأميركي خلافياً مع نظيره الفرنسي لكنه غير جوهري، والأهم بالنسبة للأميركان أن يقدم الأوروبيون الدعم المادي والعسكري لأوكرانيا ويتحملوا المسؤولية الأكبر في هذا الجانب طالما أن روسيا تقف على أبوابهم.
ملف الغاز الأميركي المُصدّر إلى أوروبا طرحه ماكرون على طاولة النقاش، خاصةً أن الدول الأوروبية متضررة من مقاطعة الغاز الروسي وشراء نظيره الأميركي بأسعار فلكية، وهي أسعار تؤثر على المستهلكين الأوروبيين غير الراضين عن سياسات دولهم بخصوص أسعار الطاقة والغلاء المعيشي.
غير أن أكثر ما أزعجه وجعله أهم عنوان في أجندة زيارته هو قانون خفض التضخم الأميركي الذي أقره الكونغرس ووافق عليه بايدن، حيث يمثل هذا القانون بالنسبة لفرنسا والدول الأوروبية كارثة على صناعاتها، خصوصاً قطاع السيارات.
لأن السوق الأميركية مهمة بالنسبة لأوروبا، حرص ماكرون على التحدث عن هذا القانون الذي يوفر ما يزيد على 400 مليار دولار لدعم الاقتصاد الأميركي للحد من التضخم، عبر تخفيض الضرائب على المنتجات التي تصنع في الولايات المتحدة الأميركية.
الرئيس الفرنسي يرى في هذا القانون الأميركي حماية لمصالح الأولى واستبعاد أوروبا تدريجياً من الشراكة الثنائية وفلسفة «خذ وأعطِ»، ويعتقد ماكرون أن القانون إذا دخل حيز التنفيذ بداية العام المقبل، فسيعني ذلك دعم المنتج الأميركي على حساب الأوروبي، وأزمة اقتصادية في العديد من القطاعات الصناعية، وعلى رأسها السيارات الهجينة وتلك التي تعتمد على البترول والطاقة الكهربائية.
في النهاية، ماكرون حينما يزور الدولة الأقوى في العالم، يدرك موقعه وحجمه وحدود تأثيره، ويعلم أن الولايات المتحدة حينما تتخذ أي قرار في السياسة أو الاقتصاد، تضع اعتباراتها ومصالحها الإستراتيجية أولاً، ومن ثم مصلحة أوروبا وحلفائها وأصدقائها.
المشكلة أن أوروبا ومعها الرئيس الفرنسي بحاجة إلى الولايات المتحدة أكثر من حاجة الأخيرة لهم، خصوصاً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا أواخر شهر شباط 2022، وهذه الحرب دون السند الأميركي مقلقة لفرنسا والدول الأوروبية التي تخاف روسيا.
في المحصلة يمكن القول: إن بايدن استطاع أن يذيب حاجز الثلج بينه وبين ماكرون، وعلى الرغم من حفاوة الاستقبال وتبادل الصور الفوتوغرافية السعيدة، إلا أن الرئيس الفرنسي لم يحصل على مبتغاه، باستثناء أنه اندمج مع سياسة التبعية للولايات المتحدة.