لا أنكر بأنني خائف من نكبة آتية.. فهل هناك من يبدد خوفي!

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أ زياد

 

لا أبالغ اذا قلت بأننا نتعرض لحرب إبادة. ولكيلا يذهب البعض بعيدا ً فإنني أضيف بالقول بأن الإبادة التي نتعرض لها هي محاولة إبادة الروح المعنوية وكسرها وإخضاعها وارغامها على القبول بديمومة الذل والاحتلال بدلاً من ديمومة الثورة حتى الاستقلال.


رفض الاحتلال الذي يعبر عنه الشباب الذين يُقتلون كل يوم هو التعبير العملي عن إرادة هذا الشعب في التحرر. وأعمال القتل اليومي لهؤلاء الشباب هي التعبير العملي عن إرادة الاحتلال في قتل الروح المعنوية للشعب الفلسطيني والقضاء على تطلعاته الوطنية للاستقلال والتحرر وارغامه على القبول مرحليا ً بحياة الهوان والرضوخ.


وأقول مرحليا ً لأنه ليس هذا فحسب بل إن التحولات التي تجري داخل المجتمع الإسرائيلي وعلى الخارطة السياسية الداخلية بإسرائيل تؤكد بأن هذه السياسة الاحتلالية ليست سوى سياسة مرحلية وأنها ستتحول في قادم الأيام الى سياسة تهجير واقتلاع في اطار تطهير عرقي مبيت ضد شعبنا. وكل من يقلل من قيمة الخطر القادم ويستهين بالتطورات الدينية والأيديولوجية الفاشية التي تتسارع داخل إسرائيل هو إما متواطئ معها أو غبي لا يدرك ماذا يجري من حوله.


واذا أجرينا مقارنة بسيطة بين ما يجري على ساحتنا وما يجري على ساحة الطرف الآخر نجد أن هناك تزاحم في إسرائيل في العمل على بناء الشخصية الدينية القومية المتطرفة وأنه تم في التشكيل الائتلافي الجديد تكليف آفي معوز رئيس حزب "نوعم" وهو الحزب/الجناح الأكثر تطرفا ً في الصهيونية اليهودية ليكون مسؤولا عن برامج التعليم الخاصة ببناء الشخصية اليهودية في التعليم بالمدارس والذي سيمارس عمله بصفته نائب وزير في مكتب رئيس الوزراء نتنياهو، والذي أثار تعيينه مخاوف العلمانيين اليهود الذين يريدون تعليما ً علمانيا لأطفالهم وليس تعليما ً دينيا ً كما أثار حتى مخاوف بعض الليكوديين الأقل تطرفا ً.كما أن الحكومة الجديدة تسيطر على الكنيست وعلى عملية سن القوانين وستقوم بتغييرات في منظومة القضاء والقانون لتكريس هيمنة الدين على الدولة.
وأما على الجانب الفلسطيني فإن ما يجري هو اضعاف الروح القومية والوطنية والدينية الى حد محاولة تطويعها لمتطلبات المرحلة، من خلال العبث بالمناهج المدرسية تحت طائلة التحديث وأوثر أن لا أتوسع في هذا الأمر.


وأما على الصعيد السياسي فإن المفزع في الأمر هو أن السياسة التقليدية المعتمدة على ما يسمى بالشرعية الدولية ما زالت هي المتحكمة بعملنا السياسي للتخلص من الاحتلال وهي سياسة قد ثبت عقمها بالوجه الشرعي والذي يلهث وراءها هو كمن يلهث وراء السراب يظنه ماء.


وأما على الصعيد الداخلي فإنه تم ويتم هدم المنظومة المؤسساتية وأصبح الاحتكارات والمصالح التجارية تتغلغل في "السلطة العميقة"، في حين أن السلطة الرسمية تعمل دون مساءلة أو رقابة برلمانية. ولا أبالغ اذا قلت بأن التاريخ سيسجل علينا بأن هذه المرحلة التي نعيشها هي مرحلة احتراق البيت من الداخل والأطفال يعبثون بمحتويات المنزل لا يدركون بأن النيران سوف تلتهمهم هم وما يعبثون به.


نحن نعيش اليوم في العصر الرقمي وفي عهد وسائل التواصل العابرة لكل الحدود والتي تدخل كل البيوت بما في ذلك غرف النوم والحمام دون استئذان وهذه الوسائل تحمل على صفحاتها الغث والسمين من الأخبار والاشاعات ولا تترك شاردة ولا واردة الا حملتها وطيرتها في كل اتجاه. ولكننا في هذا العهد عطلنا أهم آلية للفرز والتحقق ومساعدة الناس على معرفة الحقيقة، وهذه الآلية هي الرقابة البرلمانية.


ويخطئ كل من يعتقد بأنه في تغييب البرلمان سيكون بوسعه التغطية على أمور لا يريد للعامة أن تعرفها، وأنه في غياب البرلمان يستطيع عمل ما يشاء دون أن يُسأل عما يعمل لأن مهمة البرلمان تحولت الى وسائل التواصل التي لا توجد جميعها في أيد أمينة ولا تعمل جميعها بمهنية صحفية وبالتالي فإن ما أنتجته هو الأجواء الخصبة لبث الاشاعات وبالتالي المساهمة في إشاعة عدم الثقة بين الحاكم والمحكوم واضعاف الروح المعنوية للناس، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك بعضا ً من قصص الفساد وسوء الأداء والإثراء الفاحش غير المشروع التي لها أساس، ومع ذلك لا يوجد من يتحقق منها أو يحقق فيها بسبب غياب الشفافية والمساءلة.


وهكذا يضيع الحلم وينهار البناء.


قد يكون في هذا الكلام ما يثير الخوف، ولكنني لا أنكر بأنني خائف من مستقبل مظلم مرعب قادم ولن يتبدد خوفي إلا اذا رأيت بأم عيني صحوة تنفض الغبار وتوقظ النيام وتبدأ بالبناء، ببناء المؤسسات التي هدمت وتلم الشمل الذي تمزق وتعيد للشعب الشعور بأن شيئا ً إيجابيا سيحدث. ولعل من واجب حملة الأقلام في هذه المرحلة أن يدقوا الطبول ويقرعوا الأجراس على أمل أن يكون هناك من يسمع فيصحو وهذه أمانة ليس من السهل التفريط بها.


إن افتراض أن يأتي الخلاص من الغرب هو وهم كاذب ونحن نرى كل يوم الدليل القاطع على صحة قول عجائزنا بأنه "لا يأتي من الغرب ما يسر القلب."


الذين راهنوا على جانتس ولبيد ربما أدركوا الآن بأن البيوت التي هدمت والأراضي التي صودرت والمستوطنات التي توسعت والشيوخ والشباب والأطفال الذين استشهدوا في عهد جانتس لبيد - تجاوز أضعاف ما كان في عهد نتنياهو السابق، وأن ما تجرأ بينيت – لبيد - جانتس عمله بالقدس والأقصى لم يسبق أن تجرأ عليه نتنياهو. ونفس الكلام يمكن أن يُقال وباختصار في سياق آخر عن المراهنة على بايدن.


وللمرة المليون بعد المئة أقول بأننا بحاجة لوضع حد لهذه الفوضى الداخلية المتمثلة في غياب سيادة حكم القانون وغياب السلطة التشريعية لأن غيابهما خلق تربة خصبة للفساد ولخلق أفضل الأجواء وأخصبها ليقوم الاحتلال بتنفيذ مخططاته وتهيئة الظروف لتنفيذ ما يعده لنا من نكبة ثانية. فهل من مجيب!