اسرائيل اليوم: لا تستمعوا لمدّعي الديمقراطية… فاليسار هو الأخطر على إسرائيل

حجم الخط

بقلم: أشير كوهن

الديمقراطية بالفعل في خطر، كما نفهم من العناوين الهستيرية، لكن الخطر ليس من حكم اليمين والمتدينين “الفاشيين”، و”الظلاميين”، و”الأصوليين”. يدور الحديث هذه المرة عن خطر حقيقي على الديمقراطية، يأتي من جانب أولئك الذين جعلوا التحذير من التدهور والخطر على الديمقراطية شعارهم الدائم، ولكن اليمين والمتدينون يصلون إلى الحكم في كل مرة. فقد اعتدنا على هذه التحذيرات على مدى السنين. غير أنها أصبحت في الأيام الأخيرة أخطر، ودعوات تسير على الحدود الدقيقة التي بين الاحتجاج المشروع والتحريض والدفع نحو التمرد.

تذكير تاريخي قصير قبل أن نصل إلى الهستيريا الحالية. فجوقة اليسار القديمة “الديمقراطية في خطر/تتدهور” ترافقنا منذ سنوات طويلة، حتى قبل قيام الدولة. فالتحريض ضد الإصلاحيين كان واضحاً منذ الثلاثينيات. فقد كان جابوتنسكي يدعى فلاديمير هتلر، وفي الخمسينيات عندما كان حزب “حيروت” برئاسة مناحم بيغن متوسطاً وغير مهدد، لم يكف اليسار السائد عن التحذير من الخطر الكامن في اليمين “الفاشي”. وتواصلت التحذيرات من “الفاشية” حتى بعد أن امتنع الليكود الذي وصل إلى الحكم عن لمس الإدارة العامة للحكم السابق ونفذ سياسة تسليم “المناطق” مقابل السلام، بما في ذلك إخلاء مستوطنات.

لقد مللنا تكرار ذلك، ولكن الحقائق أن 45 سنة مرت منذ التحول وحكومات الليكود والمتدينين موجودة هنا، ولم يحصل شيء، بل العكس؛ في الأغلبية الحاسمة وقعت سياقات معاكسة تماماً لخطاب اليسار الحماسي الذي أصبحت التحذيرات الهستيرية خبز عيشه. خطاب التحريض ضد اليمين والمتدينين جرى بخلاف تام مع الواقع المعاكس.

خطاب “التدين” نشأ على موجات متنوعة، منها أكاديمية كما وضح البروفيسور غي بن فورات الذي يشير في كتابه إلى تعقيدات التطورات، وانطلقت صراخات “التدين في التعليم” مرات، فيما جرت عملياً مسيرة علمنة هائلة قلت في إطارها بشكل دراماتيكي الساعات المكرسة لتعليم التراث واليهودية. “الخوف من الإنسان” هكذا واصلوا الصراخ وفضلوا النسيان تحت أي حكم بدأت تنشأ وتسير مسيرات الفخار، بما في ذلك داخل المدن الليكودية الصرفة. “الديمقراطية في خطر” صرخوا مرات ومرات، بينما تشير المقاييس الدولية في الغالب إلى استقرار بل وتحسن الديمقراطية في إسرائيل.

لم تكن حاجة لهذه الهستيريا الموسمية لو لم نر تدهورها في الاتجاه الخطير لنزع الشرعية عن الحكم الذي سيقوم على ألسنة أعلى المسؤولين. “سنقف صامدين أمام الرعد والبرق”، تقول رئيسة العليا، وكأن هذا ليس جدالاً ديمقراطياً داخلياً شرعياً في مسألة العلاقات بين سلطات الحكم.

وإذا كان لا بد منها، وهي التي يفترض أن تفهم الديمقراطية، فإن مواقف قرابة 2.4 مليون مقترع بمثابة “برق ورعد”. واضح لماذا يسأل مندوب كبير آخر لمناهضة الديمقراطية رام بن باراك: “ماذا إذا كانت انتخابات؟ فهل الشارع هو الذي يقرر؟”. رئيس الأركان السابق الذي دخل لتوه إلى السياسة، يهدد بإخراج مليون شخص إلى الشوارع، وهو قول وإن بقي في مجال الاحتجاج لكنه بحجم واضح من نزع الشرعية عن الحكم المتشكل.

لرئيس الوزراء البديل تاريخ قصير ولكنه غني بسوء فهم أساس للديمقراطية التي يتحدث باسمها. الآن أضيف إلى السجل كتاب رسمي فيه دعوة “لمنع هدم قيم جهاز التعليم” والتشديد على أن “نحن هنا ويسرنا أن نساعد” في الامتناع عن التعاون مع الحكومة. لا غرو أنه يسمي رؤساء السلطات “حماة الحمى” إذ إنه يـأتي من المدرسة المناهضة للديمقراطية إياها، التي يكون فيها “حماة حمى” خارجيون مسؤولين عن الديمقراطية في كل مرة يتسلم فيها اليمين الحكم. رئيس المدينة التي لا تتوقف سبق أن قرر بأن نتنياهو يقودنا إلى دولة شريعة، وبالتالي لا يجب التعاون مع الحكم الجديد. إذا ما اضطروا – “فلا مفر من العصيان المدني”. في هذا الصراع الذي بين اليمين الديمقراطي الذي من حقه أن ينفذ سياسته، وبين اليسار المناهض للديمقراطية والمحرض والذي يقترب من حافة التمرد، محظور على اليمين أن يتراجع.

 

 إسرائيل اليوم