نفاق أوروبي أمريكي لكل ما هو إسرائيلي!

المحامي شعبان.PNG
حجم الخط

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان

 

 

يبدو أن النفاق الأوروبي الأمريكي لكل ما هو إسرائيلي جلّي واضح وضوح الشمس، ولا يستثنى من هذا النفاق أي إسرائيلي أيا كان، يمين أو يسار. بل يبرز هذا النفاق هذه الأيام، مع فوز اليمين المتطرف الإرهابي في الإنتخابات الإسرائيلية، وبخاصة حينما تنصت لردود الأفعال الأوروبية والأمريكية في مواجهة هذه الموجة الإرهابية، وكأن الأمر شيئا روتينيا وعاديا ولا يذكر ما دام هو قادم من الإسرائيليين.
فقد جاء في الأنباء أن الإتحاد الأوروبي أبلغ سفير إسرائيل قد جمد مسودة إتفاق التعاون الإستخباري بين الشرطة الإسرائيلية واليوروبول ( الشرطة الأوروبية )، وأنه لن يتقدم بها مزيدا من الخطوات لتصبح إتفاقية نافذة المفعول. ودققوا معي أن ردة العل الأوروبية الوحيدة والمعلن عنها هي تجميد " مسودة " إتفاق على الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الجديدة. خطوة أوروبية يكتنفها أدب جم لا تؤثر في أحد ولا قيمة لها على الصعيد الثنائي والدولي، بل هي ضحك على الذقون بأجلى صوره، وبخاصة أن الإتحاد الأوروبي قدم في الأيام الأخيرة حوالي ثمانين مليون يورو لموازنة السلطة الفلسطينية. فمن يجرؤ بعد هذه التقدمة أن يشهر احتجاجا في وجه الأوروبيين. المسودة ورقة عديمة الأثر القانوني ايها الإتحاد الأوروبي، فهي ليست بذات مفعول أصلا، فجمدت أم لم تجمد فالأمر سيان، وبالتالي فهي خطوة عقيمة. ليتكم تقومون بخطوة ذات جدوى عملية.
ولو عبرنا المحيط الأطلسي لوجدنا البيت الأبيض في واشنطن عبرالرئيس جو بايدن الديموقراطي القابع فيه، يصرح بعدم التسرع تجاه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة القادمة. ويطلب السفير الأمريكي في تل أبيب وهو يهودي، من الإدارة الأمريكية بحضور كل خيوط الطيف السياسي في واشنطن وبعد مناقشات مستفيضة، باتباع سياسة أمريكية دقيقة مركبة وحذرة ، وعدم التسرع في اتخاذ قرارات ضد الحكومة الحالية أو انتقادها علانية. اي أنه يدعو لسياسة المهادنة مع المتطرفين اليمينيين وغض النظر عن أفعالهم وحركاتهم. ودعا المجتمعون إلى تبني مبادىء توجيهية في التعامل مع الحكومة الجديدة طبقا لسياسة إدارة الصراع الذي تبنته الإدارة الأمريكية من عام 1948 ليومنا هذا ولم تغيره. ونسي المجتمعون أن الكهانية مصنفة كحركة إرهابية مجرّمة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنهم الآن سيغضون النظر عنها من أجل العيون الإسرائيلية الصهيونية ويحاذرون في خطواتهم في التعامل معها.
تناسى الأوروبيون والأمريكيون ما سبق وما كان يسمى بشبيبة التلال الإرهابية وشخوصها والتي كانت محل إدانتهما، تناسوا حركة تدفيع الثمن وسلوكها الإرهابي في حرق عائلة دوابشة والطفل أبو خضير، تناسوا معلمهم الفاشي مئير كاهانا وقدوتهم باروخ غولدشتاين منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي بالخليل، تناسوا خطواتهم ومعتقداتهم الداعية لطرد المواطنين العرب بكل الوسائل إلى المجهول والمنافي، تناسوا دعواتهم إلى صيحتهم بتنفيذ حكم الإعدام برجال المقاومة الفلسطينية، تناسوا تاريخهم السابق ومحاكماتهم والأصفاد في أرجلهم قبل وقت ليس ببعيد، تناسوا مواقفهم من الإستيطان وكونه جريمة حرب، تناسيتم مواقفهم من الدولة الفلسطينية، وتجاهلتم مواقفهم من إي ون E1 الفاصلة بين مستعمرة معالي أدوميم، وتناسيتم مواقفهم المتطرفة من منطقة سي C وضمها، وتعاميتم عن منطقة النبي موسى وعرب الجهالين وإخلائها . هل الذاكرة الأوروبية والأمريكية بهذه الهشاشة والنسيان، هل المواقف الأوروبية والأمريكية متغيرة وفق من يتولى السلطة في إسرائيل، وهل لقواعد القانون الدولي ولحقوق الإنسان قيمة قانونية وإنسانية، أم أن هذه الأمور غدت من الماضي الذي يجب نسيانه، أم أن الأمر إذا كان يخص الفلسطينيين، وهم شعب برأيهم وتقديرهم لا في العير ولا في النفير، فيكفي المتطرفين الإسرائيليين كلمات العتاب الرقيقة ليس إلا ولو ناقضوا ما يؤمنون به وما يدعون إليه. وكأن الأوروبيين والأمريكيين صدقا ظاهر كلام بن جفير وسموتريتش ونسيا جوهره ومضمونه وكنهه.
ماذا تنتظر أمريكا والإتحاد الأوروبي إن كانا صادقين في مواقفهما ضد الإستيطان وخرق حقوق الإنسان، أن يبادرا بإعلان مواقفهما ويؤكدا عليها في هذه المرحلة الحاسمة أم أن الكلام المعسول كاف، رغم أنه جرب لعشرات المرات وأثبت عدم جدواه. لماذا لا يساويان بين الفلسطينيين والأوكرانيين أم أن هناك فارقا في اللون. أمر محير ومربك ومحزن مخل بمبدأ المساواة، وكأن ما يوجد في جعبة الحاويين الأروروبي والأمريكي ليس إلا الثرثرة والمفردات والألفاظ للفلسطينيين أما الأوكران فلهم السياسة والإقتصاد والمال والسلاح. وكأنهما لم يريا ميثاق الأمم المتحدة الذي صاغاه عام 1945 وبخاصة الفصل السابع منه، والخاص بالجزاءات الدولية لتحقيق الأمن والسلم الدوليين بل هما إنتقائيان في سياستهما ومواقفهما.
هل يود الأوروبيون والأمريكيون أن تقع الفأس في الرأس الفلسطينية، حتى يبادرا باتخاذ موقف تجاه التهديدات اليمينية الإسرائيلية المتطرفة، وحينها تكون الخطوة متأخرة ولا فائدة منها ونصبح أمام نكبة ثانية. الأمر في غاية الوضوح وهو مرسوم على الحائط، فاليمين المتطرف الإسرائيلي معروف بمواقفه الواضحة التي لا يخفيها، فهو سيسعى جاهدا إلى ضم منطقة سي إلى كيانه الغاصب، وسيبني المزيد من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، ويرحل الفلسطينيين ويطردهم خارج وطنهم ما وسعه الموقف الأمريكي والأوروبي، وسيضيق عليهم بنائهم وستزيد وتيرة هدمه للمنازل الفلسطينية، وسيعدم مقاوميهم، فماذا تنتظران لرد فعل واضح وتصرحان به فورا.
مبادرة أوروبية أمريكية لفرض جزاءات أممية على الكيان الإسرائيلي وبموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وعبر قرار من مجلس الأمن الدولي، كفيلة بردع اليمين الإسرائيلي المتطرف عن خطواته المتوقعة تجاه الفلسطينيين، أم أن الموضوع نظري وجدلي لا يعدو الصيغ البلاغية المجردة، فأنتما تكيلان بمكيالين مختلفين تماما، كما حدث في غزو العراق للكويت وبالمقابل في القضية الفلسطينية، فليس أحد اشد عمى من أولئك الذين لا يريدون أن يبصروا، وليس أحد أشد صمما من أولئك الذين لا يريدون أن يسمعوا!!!