هل ستطبّع السعودية؟

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

 

هذا السؤال الذي يمكن أن يطرح بعد التقرير الذي نشرته صحيفة معاريف على صدر صفحتها الأولى الأربعاء الماضي وهي تنقل على لسان وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير في لقائه مع عدد من المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة لتنقل عن مصدر مجهول ينقل للخارجية الإسرائيلية بأن الجبير قال: «التطبيع مع إسرائيل سيتم – هذه مسألة توقيت وليس مسألة هل»، وتنقل الصحيفة عن خبير مجهول طبعا بأن عادل الجبير برر تأخر التطبيع حاليا بانتظار انتصار التيار المعتدل في بلاده على التيار المعارض للتطبيع ...!
وفي سياق التقرير تنشر يديعوت عن لقاء حدث الشهر الماضي في السعودية وتواجد فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وسأله مسؤول كبير حضر اللقاء: ما الذي سيحمل السعودية للانضمام لاتفاقيات أبراهام ؟ فطرح الأمير ثلاثة مطالب مبدئية موجهة كلها للإدارة الأميركية لم تكن المسألة الفلسطينية حاضرة في تلك المطالب على الإطلاق.
تصعب المراهنات في السياسة لأن سمتها الرئيسة هي الديناميكا الدائمة والتغيير ولكن في الموضوع السعودي والتطبيع يمكن المراهنة على أن السعودية وبعد تطورات نصف العام الأخير وضعت نفسها في موضع أكبر كثيرا من أن تذهب باتجاه إسرائيل التي سيمس التطبيع بتلك المكانة التي تبنيها، وطبعا بالنظر للتقرير يمكن التشكيك بما جاء على لسان عادل الجبير الذي حسم الموقف قبل ذلك بأن لا «تطبيع مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة»، أما ما نقل على لسان الأمير السعودي فقد حسمته القمة السعودية الصينية في بيانها الختامي أول من أمس الذي نص على «حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية» وليس هناك وضوح أكثر من ذلك.
السياسة هي ابنة مناخات ولا يمكن تفسيرها بمعزل عن تلك المناخات فهي لا تتحرك في الفراغ، وبالنظر إلى الحركة السعودية في الأشهر الأخيرة يمكن ملاحظة أن مساحة الحركة السياسية في الدولة تتسع وتحول إمكانياتها الاقتصادية والمادية إلى فعل سياسي واثق حد المغامرة، إذ كان الاختبار الجدي لها في الصيف الماضي عندما جاء الرئيس الأميركي إلى الرياض طالبا رفع سقف الإنتاج النفطي وعاد بخفي حنين، وقبل الانتخابات الأميركية قامت السعودية بحركة أغضبت البيت الأبيض بتخفيض سقف الإنتاج ما اعتبر في الأوساط الأميركية دعما مباشراً للجهد الحربي الروسي لتكتشف الولايات المتحدة أن خياراتها في معاقبة السعودية محدودة جداً والأهم في تلك المناورة أن السعودية اكتشفت ممكنات قوتها وعدم قدرة الإدارة الأميركية على اتخاذ أي إجراء ضدها لأن الخيارات الثلاثة التي نوقشت في واشنطن كانت لها ارتدادات سلبية كبيرة.
كان الخوف على السعودية في ولاية ترامب التاجر الذي عرف كيف يضارب باحتراف في سوق السياسة ويرفع قبضته ويحول قضية مقتل خاشقجي لسياسة أميركية تمكنت من ابتزاز الدولة الأكبر في الخليج إلى أن جاءت صدفة الحرب الروسية على أوكرانيا لتعيد توزيع ممكنات القوة من جديد ويتحول النفط إلى أحد أهم أدوات الحرب لتعطي للرياض قوة مفاجئة التقطت السياسة السعودية اللحظة التاريخية بكفاءة.
وحين جاء بايدن يطلب النفط وعاد وفي حوار حينها مع أحد الأصدقاء قلت له: «ستكون إسرائيل أول الخاسرين من ما حدث. سألني كيف؟ قلت: لقد نجحت إسرائيل بتهويل العداء الإيراني السعودي وتسعير الصراع المذهبي وتخويف العرب من إيران وتصوير العرب كضعفاء بحاجة إلى حماية وقدمت نفسها باعتبارها القادرة على تأمين تلك الحماية، كانت تلك مناخات التطبيع، ولكن عندما تتوفر لحظة تصبح فيها الإمكانيات السعودية عنصر الاستقرار الدولي وتعطي للدولة قوة سياسية تمكنها من إحراج الرئيس الأميركي بكل ما يملك من قوة، هذا يعني مسألتين: الأولى أن هناك شعوراً نفسياً بالقوة يتنافى مع الشعور بالضعف ومتطلباته، والثانية أن الحليف الصغير للولايات المتحدة «إسرائيل» التي قدمت نفسها كدولة مركزية وقوية سيتضاءل حجمها ووزنها إذا كانت المملكة تمارس هذا التحدي تجاه الحليف الأكبر.
التدقيق في بيان القمة السعودية الصينية وحجم التقاطعات بين مشروعي الدولتين «السعودية 2030 - وطريق الحرير» وحجم الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين لا يحمل فقط علامات كسر السعودية للحاجز النفسي فهذا تم تجاوزه منذ تموز الماضي في قمة الرياض التي عكست الفارق بين استقبال الرئيسين الأميركي والصيني وهو ما تنبهت له الصحافة الأميركية، بل تؤشر القمة السعودية الصينية على ما هو أبعد في خروج السياسة السعودية نحو إعادة صياغة علاقاتها مدركة لممكنات قوتها وبثقة أكبر تضع إسرائيل في مكانة صغيرة أمام إعادة صياغة العلاقة مع قوى عظمى مثل واشنطن وبكين. ووسط هذه المناخات ومزاحمة الكبار وبين الكبار ما هو موقع إسرائيل؟
المستجدات السياسية في إسرائيل تضيف سببا آخر لانعدام الشهية بالاقتراب من دولة تعيد إنتاج حالة دينية قومية متطرفة تغرق في الأساطير ومعادية للقوميات الأخرى، حيث بدأت الإشارات العالمية تتحضر للابتعاد عن تل أبيب فهل تذهب دولة مثل السعودية وبعد اكتشاف ممكنات قوتها وتغيير اتجاهات علاقاتها وتنوعها مع الصين وروسيا ووسط هذه الأجواء للاقتراب من إسرائيل واحتضان سموتريتش بن غفير ماعوز وبقية الحاخامات؟
يبدو هذا السيناريو وما أراد التقرير أن يؤشر عليه متعاكسا مع مستجدات الصعود السعودي الواثق الذي يتكئ على ممكنات يعرف كيف يحولها في لحظة ما إلى فعل سياسي، وليس من المغامرة بالقول إن تلك القوة هي خسارة لإسرائيل ولاتجاه التطبيع المجاني في المنطقة، بل إن في تلك السياسة ما يمكن أن يشكل أحد أكبر عناصر الضغط على إسرائيل إذا أرادت السعودية، وبإمكانها فعل ذلك حينها ستكون قد أكملت قوتها على الصعيد العربي وخصوصاً بعد قياسها لاتجاهات وميول الشعوب العربية في مونديال قطر وهي فرصة لولي العهد الوريث لتتويج نفسه عربياً، فهل يلتقطها؟