صلاح الحموري .. والزمن دوار !

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم:  المحامي زياد أبو زياد

 

صلاح الحموري هو مقدسي حتى النخاع مهما قيل عن جنسيته الفرنسية. فهو ابن القدس فيها ولد ونشأ وترعرع وفي مدارسها تعلم وفي ملاعبها وشوارعها وأزقة بلدتها القديمة أجمل ذكرياته.


وكون صلاح يحمل الجنسية الفرنسية التي اكتسبها عن والدته لا يحرمه صفته ولا جذوره المقدسية فهو من سلالة أسرة الحموري العريقة الخليلية الأصل، والتي جاء بعض أبنائها من الخليل وأقاموا بالقدس منذ مئات السنين وأصبحوا جزءا ً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي المقدسي.


وعائلة الحموري هي عائلة مرموقة برز الكثير من أبنائها في صفوف اليسار الفلسطيني تماما كما برزوا في العلوم والدين، وهي احدى عائلات الخليل التي مارست انسانيتها حين احتضنت وقامت بحماية جيرانها اليهود من عائلة جولان أثناء مذبحة اليهود في الخليل عام 1929.


وصلاح الحموري الذي لم يسبق لي أن التقيته شخصيا ً من قبل هو، كما يبدو من صورته التي تتداولها وسائل الاعلام، نسخة طبق الأصل عن والده حسن التلميذ الهادئ الجدي الرزين الذي كان يتصرف بعقل وشخصية أكبر من عمره حين كان أحد تلاميذي في الصفوف الإعدادية حيث عملت بعد احتلال عام 1967 مباشرة، ولفترة قصيرة، مدرسا ً للغة العبرية بالكلية الابراهيمية بالقدس وكان حسن وشقيقه مأمون من بين تلاميذي.


استفزتني وسائل الاعلام التي تتحدث عن ابنه صلاح كمواطن فرنسي وعن قرار سلطات الاحتلال ترحيله الى فرنسا بعد أن اعتقل العديد من المرات وبلغ مجموع ما قضاه في السجون الإسرائيلية قرابة تسع سنوات، وهو الآن في الاعتقال الإداري منذ تسعة أشهر، وكان من المفترض أن يتم اطلاق سراحه في الرابع من الشهر الحالي، ولكن سلطات الاحتلال ظلت تحتجزه وأصدرت قرارا ً بترحيله الى فرنسا بحجة أنه مواطن فرنسي وبالرغم من أن المحكمة الإسرائيلية قررت تأجيل ترحيله حتى مطلع العام القادم إلا أن وزيرة الداخلية في الحكومة الحالية أييليت شكيد قررت ترحيله بعد ايام لتتأكد من أن الترحيل تم خلال عهد هذه الحكومة، حكومة بينيت-لبيد ليزيد من منسوب إجراءاتها القمعية غير المسبوقة ضد الفلسطينيين، والتي بلغ عدد الشهداء الذين سقطوا خلال العام الحالي بفعل وزير دفاعها بيني جانتس أكثر من 150 شهيدا ً حسب الأرقام الإسرائيلية و 200 شهيدا ً حسب الأرقام الفلسطينية ، وهو في كلتا الحالتين الرقم الأعلى لعدد الشهداء الفلسطينيين خلال عام واحد منذ عام 2005.


وأعود للاعتقال الإداري الذي يتم بموجب أنظمة الطوارئ آنفة الذكر، والذي يعني اعتقال أي شخص بمجرد اصدار قرار من قائد المنطقة الوسطى باعتقاله وسجنه لمدد من الممكن أن تتجدد دون نهاية، بحجة أنه يُشكل خطراً على الأمن والنظام العام دون توجيه أية تهمة محددة اليه ودون إعطائه الفرصة لأثبات عدم صحة التهمة.

 وقد مررت أنا شخصيا ً بتلك التجربة حين أمضيت في الاعتقال الإداري ستة أشهر 90/91 بحجة أنني خطر على النظام العام لعلاقتي بقيادة الانتفاضة وكتابة النداءات التي كانت تصدر عنها.


والاعتقال الإداري الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 هو من مخلفات الانتداب البريطاني الذي شرع وطبق هذه الأنظمة منذ عام 1945على فلسطين وتُعرف باسم Defense (Emergency) Regulations.، وهي الأنظمة التي يتم بموجبها هدم المنازل ومصادرة الممتلكات والاعتقال الإداري وكل الإجراءات التعسفية التي يمارسها الاحتلال.

 

وقد ظلت هذه الأنظمة سارية المفعول في الداخل الفلسطيني حتى قامت أول حكومة لليكود برئاسة مناحيم بيجن (1977 – 1980) حيث قرر شموئيل تمير وزير العدل في تلك الحكومة الغاء تطبيق أنظمة الطوارئ في إسرائيل، باستثناء بعض المواد، واصفا ً إياها بأنها نموذج للقوانين النازية typical Nazi Laws ، بينما استمر تطبيقها بالكامل على الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.


صلاح الحموري ولد في القدس لوالد وجد عن آباء مولودين بالقدس، وعلى الإسرائيليين الذين قرروا ترحيل صلاح من مدينته ووطنه أن يسألوا أنفسهم وواليهم أين ولدوا ومن أين جاءوا. وعلى من يُشرع ترحيل صلاح ابن القدس من مدينته ومن بين أهله وعشيرته أن يفهم بأن الزمن دوار، وأنه في حين أن 99.999% من الفلسطينيين لا يحملون أية جنسية أجنبية سوى الجنسية الفلسطينية التي استمدوها من انتمائهم ووجودهم فوق هذه الأرض فإن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين هم من حملة جنسيات دول أجنبية يقيمون هنا وقد يأتي يوم سيجدون أنفسهم فيه في نفس الخانة التي وضعوا صلاح الحموري فيها هذه الأيام، وعلى الباغي تدور الدوائر.