كان من الواضح بأن نتنياهو بعدما ضمن الأغلبية العددية في " الكنيست" في الإنتخابات الأخيرة لدولة الكيان،انه يخطط من أجل السيطرة على منظومات القضاء والأمن والتعليم والثقافة،وهاجسه الأساس العمل على سن قوانين وتشريعات،تمكنه من الغاء وإسقاط التهم المنظورة ضده امام القضاء الإسرائيلي،تهم الرشوة وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة،والتي من شأنها ان تلصق به تهمة العار،وتدخله السجن لسنوات وتقضي على مستقبله السياسي والشخصي ،ولذلك هو قدم تنازلات كبيرة لشركائه في الإئتلاف سواء " القوة اليهودية" بقيادة بن غفير أو " الصهيونية الدينية" بقيادة سموتريتش،وشريكه بالفساد السياسي " اريه درعي" زعيم حركة شاس الدينية.يضاف الى ذلك قناعته بأن دولة الكيان تتحول من دولة يهودية الى دولة شريعة،وبأن قوى الفاشية الدينية تصعد بشكل كبير في المجتمع الإسرائيلي،وباتت تتحكم في مفاصل القرار السياسي الإسرائيلي،وكذلك تتحكم في الحكومات الإسرائيلية بقاءً وسقوطاً،وهي تنتقل من أطراف المشروع الصهيوني الى قلبه...ومن هنا نتفهم تصميمه على إنجاز تشكيل الحكومة مع تلك القوى حتى يستطيع تمرير مشاريع القوانين من خلالها،وبالتالي يحكم سيطرته على الحكومة،وتؤمن له الحماية من المحاكمة،وهذا غير ممكن بدون الإقرار ما يعرف ب" بند التغلب" تقليص صلاحيات ما يعرف بمحكمة العدل العليا،ومصادرة حقها في شطب قوانين تقرها الكنيست حتى لو كانت غير دستورية وتتعارض مع قانون الأساس.وضمن هذه الرؤيا لم يقم بفتح أي حوار مع أي قوة سياسية أخرى، تقيه خطر الإبتزاز من قبل جماعات الفاشية الدينية،لأن ذلك سيشكل عائق أمامه لتمرير مشاريع قراراته في الكنيست.
نتنياهو يدرك بأنه لكي يضمن أن يسير مخططه وفق ما هو مرسوم له،فمن المهم السيطرة على منظومة القضاء ووزارة العدل،ولذلك عمد الى تعيين صديقه المقرب الليكودي ياريف ليفين،رئيساً مؤقتاً للكنيست،بدل ميكي زوهر من حزب " يش عتيد" ،يوجد مستقبل،وياريف سيكون وزيراً للعدل في التشكيلة الوزارية لحكومة نتنياهو مع شركائه من الفاشية الدينية.
نتنياهو استخدم الأغلبية العددية في الكنيست المنتخب،لتمرير مشاريع قوانين تشرعن الفساد،وتحدث "انقلاب تشريعي"،لتمرير اتفاقياته الخاصة مع شركائه من الكاهانية اليهودية، والتي بدون دفع لأثمان المطلوبه منه لها،سيصعب عليه،أن يمرر تصويتاً في الكنيست يسقط التهم الثلاثة المنظورة ضد امام القضاء الإسرائيلي ،وكذلك تعديل تشريع قانون ما يعرف ب"قانون درعي" ،المتهم بقضايا فساد لكي يتولى حقيبة وزارية ،حقيبة المالية الى جانب وزارة أخرى خلافاً لما هو قائم.
نتنياهو يبدو أنه اخر ملوك دولة الكيان،فهو حكم أطول من بن غوريون،ويستعد للعودة للحكم من جديد،ودولة الكيان كفت عن انتاج زعامات تاريخية،وهي تعيش أزمات سياسية ومجتمعية عميقة،ازمة دفعتها للعودة الى اعادة انتخاب نتنياهو رغم فساده السياسي ،وفي ظل الصعود الكبير للصهيونية الدينية في المجتمع والحكم الإسرائيلي،وتصويت 30% من الجيش لبن غفير،فهذا يعني بانه لا يمكن له أن يتجاهل لا بن غفير ولا سموترتيتش،ولذلك هو يستغل الأغلبية العددية في الكنيست المنتخب لتمرير مشاريع قوانين جوهرها احداث"انقلاب تشريعي" لتمرير اتفاقياته الخاصة مع الكهانية اليهودية الصاعدة كالصاروخ،ولذلك سيعمل على تسليم الراية لبن غفير وسموتريتش،بمنحهم صلاحيات أمنية واسعة تطال وزارتي الشرطة والجيش،حتى ان بن غفير،سيكون له جيش خاص في الضفة الغربية،من خلال مسؤوليته عن حرس الحدود،الأشد فتكاً في العرب، إرهاب مشرعن وبالقانون،وليس بالخروج عنه كما هو حال بقية الجماعات الإرهابية مثل ما يعرف بشباب التلال او جماعات "تدفيع الثمن" و"لهيفا" وغيرها.فبن غفير الذي توسعت صلاحياته من وزير أمن داخلي الى وزير الأمن القومي،سيصبح صاحب الكلمة الفصل عن الشرطة وسياساتها،في سابقة لم تكن منذ نكبة عام 1948 .
وفيما يتعلق بزعيم " الصهيونية الدينية" سموتريتش،فسيجري تعديل قانون وزارة الجيش ،لكي يمنح صلاحيات خاصة بعمل سلطات الكيان في الضفة الغربية،بحيث يكسر احتكار الجيش بالمسؤولية عن الإدارة المدنية،ويصبح مسؤولاً عن الإستيطان وسياسات دولة الكيان المتعلقة بالتخطيط والتنظيم والبناء في الضفة الغربية،وهذا يعني فرض القيود المشددة على البناء الفلسطيني،وإطلاق يد المستوطنين في إقامة مستوطنات وبؤر استيطانية جديدة،مع شرعنة للبؤر القائمة،واعادة ما تم اخلاؤه.
وهذا يعني تطبيق" القانون اليهودي" على المستوطنات في الضفة الغربية كخطة بديلة للضم.
والتعديلات لم تقتصر على هذه التعديلات الثلاث،بل طالت تعديل يسمح بتعيين وزير في وزارة الجيش،لتوسيع صلاحيات سموتريتش ،وتعيين وزير في وزارة التعليم، لإحكام سيطرة زعيم "نوعام" آفي ماعوز على التعليم.
نحن ندرك بان الحكومة القادمة للكيان،هي حكومة طرد وتهجير واقتلاع وتطهير عرقي،ومزيداً من الإستيطان والسيطرة على الأرض،وشطب الحقوق السياسية الوطنية للشعب الفلسطيني،حيث فرض القانون " الإسرائيلي- اليهودي" على المستوطنات في الضفة الغربية،تمهيداً لضمها لدولة الكيان،وبما يشكل مساً بالمستقبل الوطني الفلسطيني هوية ووجود،وتكريس الفصل الكياني السياسي بين الضفة والقطاع.
والمهم هنا كيفية تعامل السلطة الفلسطينية ،مع هذا الإنقلاب السياسي الذي ستقوده الكهانية اليهودية،هل سيتم التعامل معه وفقاً لنظرية الرئيس عباس السابقة،بأنه خيارهم،وعليه التعامل معه،دون رؤية جوهر هذا الإنقلاب،والذي سيمكن مستوطن أزعر، بأن يصبح "الشريك المرجعي" للسلطة في التنسيق المدني- الأمني،وما لذلك من تأثيرات على الوجود الفلسطيني سياسياً وكيانياً....؟؟،ام سيتم اتخاذ موقف برفض التعاطي والتعامل مع هؤلاء الزعران والمتطرفين..؟؟
موقف السلطة في قضية التعامل مع هذا التعيين،وهذا الإنقلاب،بتعيين هذا المتطرف مسؤولاً مباشراً أمنياً وسياسياً عن الضفة والقدس،سيشكل مفتاح التعامل الإقليمي والدولي،فنحن لمسنا بأن موقف السلطة،غير حاسم وواضح في هذا الجانب،حيث لم تدن وتستنكر دعوة سفارات الإمارات والبحرين في تل ابيب ،للأزعر بن غفير لحضور الإحتفالات بإستقلالها.
ولذلك موقف السلطة من نتائج"الإنقلاب السياسي" في دولة الكيان،بوقف التعامل مع "إدارة سومتريتش" في الضفة الغربية،ووضع قرارات المجالس الوطنية والمركزية بالتحلل من التزامات اوسلو الأمنية والسياسية والإقتصادية موضع التنفيذ،سيشكل حجر الرحى في التصدي للمشروع البديل،ولجعل العالم يعيد النظر في تعامله مع تلك الجماعات الكاهنية اليهودية،وإلا فإننا مقبلين على مرحلة خطرة جداً،سيكون فيها المشروع الوطني وقضيتنا على مفترق طرق خطير،فهل تصحو القيادة من غيبوبتها السياسية،وتعيد التحامها بالجماهير أم تستمر في غيبوتها وإنفصالها عن الواقع..؟؟