«يسوع القمامة، مسيحي حقير، تفوا عليكم»، هذا جزء من الشتائم التي يتعرض لها رجال الكنيسة الارمنية من الشبان الحريديين وطلاب المعاهد الدينية في البلدة القديمة منذ أكثر من عشرين سنة فقط لكونهم مسيحيين. يتعرضون لاهانات صعبة من قبل الحاخامات الحريديين الذين يشتمونهم ويبصقون على ملابسهم واحيانا يهاجمونهم. والشرطة؟ من ناحية الرهبان هم جالية صغيرة وهادئة تحاول العيش بهدوء مع جيرانها، الشرطة لا تهتم بسلامتهم. «نحن نتوجه الى الشرطة وهي تقول لنا دائما إنها لم تر ولم تلاحظ. وحتى لو لاحظت ذلك فان الملف ينتهي بالابعاد مدة شهر أو شهرين عن البلدة القديمة، وعندها لا يقولون شيئا». يقول الأب نورييل، مدير المدرسة الخاصة في الحي الارمني. أخبار «واللاه» تفتح ملفات التحقيق حول الخلافات الدينية الاكثر بشاعة في اسرائيل. واستنتاج الرهبان هو واحد ووحيد: الشرطة لا تفعل ما يكفي من اجل القضاء على هذه الظاهرة القبيحة التي تهدد العلاقات السليمة بين اليهودية والمسيحية في القدس.
سكنت الجالية الارمنية الصغيرة كلها تقريبا في القرن الرابع للميلاد في القدس. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن يحافظ رجال الكنيسة على الجالية الصغيرة في العاصمة ويبذلون جهودهم لاستمرار السلالة الفاخرة. حسب اقوال رجال الكنيسة، فقد عاشت الديانات الثلاث بتجانس على مدى السنين. على مدخل الدير الذي يكون عادة مغلقا أمام الكاميرات، يستقبلنا مدير الدير. «إنهم يصلون الآن، لكنهم سيستقبلونكم بعد قليل»، قال لنا بالطريقة الاكثر أدبا وبانجليزية طليقة. الكنيسة الصغيرة قد تكون الاكثر جمالا في البلدة القديمة. وبالقرب منها توجد المدرسة التي تهيئ الشباب لأن يصبحوا رهبانا. وبالقرب من المدرسة يوجد ملعب رياضي نظيف بشكل لافت يلعب فيه أولاد الرهبان قبل دمجهم في المدرسة.
حسب اقوال رجال الدين فانهم لم يولوا اهمية في البداية للظاهرة، لأنها كانت احداثا قليلة، لكن في السنوات الاخيرة يضطر الرهبان الى تلقي البصاق بشكل يومي في كل مرة يخرجون فيها من الدير. واذا كانت الظاهرة في الماضي اقتصرت على الحريديين الكبار، فإنها اليوم تشمل الشبان من الصهيونية الدينية الذين يبصقون على الرهبان. يقول الرهبان إن هناك احداثا اضطروا فيها الى تلقي البصاق ايضا من جنود الجيش الاسرائيلي الذين يعتمرون «الكيباه»، ببساطة لأن مظهرهم لم يُعجبهم.
حسب فحص أجراه موقع «واللاه» فان الاغلبية المطلقة من الاعتقالات التي تقوم بها الشرطة في هذا السياق تنتهي في مرحلة الاعتقال حيث أن المشبوهين يتم استبعادهم عن البلدة القديمة دون تقديم لوائح اتهام ضدهم. وحينما تصل الملفات الى لوائح اتهام في المحكمة فان اغلبيتها تنتهي بدون ادانة أو الغاء لائحة الاتهام. يتم القاء القبض على المشبوهين عادة من قبل الرهبان انفسهم وليس من قبل اصحاب الزي الازرق. احد الامثلة البارزة حدث قبل اسبوعين. خلال مسيرة للرهبان جاء شخص متدين وبصق عليهم. «خرجنا في قداس وكنت مسؤولا عن المسيرة»، قال الأب كوريون، المسؤول عن الكنيسة. «أنا شخصيا قدمت الشكوى في الشرطة ومن حسن حظي أن هناك كاميرات أمنية صورته وهو يبصق».
أحد الامثلة على عدم اهتمام الشرطة هو حادثة ي. وهو طالب في المعهد الديني، بصق، حسب ادعاء الرهبان الارمن، باتجاه ثلاثة منهم حينما كان ذاهبا الى المعهد. قررت وحدة الدعاوى التابعة للشرطة الغاء لائحة الاتهام ضد ي. السبب الرسمي: شهادة مواطن كان موجودا في المكان لاحظ ما حدث وشكك بالشهادات الثلاث للرهبان الذين شهدوا أن ي. بصق عليهم. «لقد بصق لدرجة قوية ومهينة، لدرجة أنهم سمعوا صوت البصاق، وهو بصق كثيرا». شهد في الشرطة سروجة بدروسيان أحد الطلبة الذين يتعلمون من اجل الرهبنة والذي تعرض للبصاق. «كان هذا في عيد العنصرة الارثوذكسي. خلال المسيرة من البطريركية الى الكنيسة بجانب قبر داود، حينما مررنا بالقرب من قبر داود مر بجانبنا شاب يهودي متدين مع قبعة منسوجة على رأسه وبصق على الرهبان وعلي ايضا، واصاب رذاذ البصاق ملابسنا».
في أعقاب حملة البصاق، كما قال الرهبان، توقفت المسيرة كليا. «شارك في المسيرة حوالي 100 شخص»، قال بدروسيان. «كان ترتيلا دينيا. وتوقف لأن الجميع لم يعرف ماذا يفعل. وقفنا جميعا ونظرنا اليه وبعدها توجهنا الى الشرطة».
شاهد آخر على الحادثة هو آرثور سوبريان، الذي ادعى: «لقد بصق على 6 – 7 اشخاص، أحدهم هو راهب كبير السن. أنا أعرف القليل من العبرية. قلت له بالعبرية تعال الى هنا. الراهب طلب منا عدم التحدث معه، وقمنا بطلب الشرطة».
حسب اقوال سوبريان فان «ي. لم يكتف بالبصق فقط، بل ايضا بصق على وجوه الرهبان وعلى اليمين وعلى اليسار».
في حالة ي. قررت الشرطة تقديم لائحة اتهام ومع ذلك وعن طريق محاميه نجح «ي» في احضار شاهد دفاع ادعى أنه شاهد الرهبان وهم يدفعونه وهم الذين تصرفوا بعنف، وقد أفاد بأنه كان يبعد مسافة 20 مترا عن موقع الحادث. قال ي. لـ»واللاه» «ذهبت الى المعهد الذي ادرس فيه. لم ابصق على احد. في ذلك الوقت مرت مسيرة فيها 100 مسيحي واغلقت الطريق. عندها قررت المرور بينهم. وحينما بدأت أسير بينهم شعرت بأنهم يدفعوني. توقفت وكان هناك احتكاك وصراخ وقالوا لي اذهب من هنا وشتموني وفهمت أن الوضع سيتطور الى اسوأ من ذلك. فهربت من هناك». فيما بعد وصل شرطي واعتقل ي. الامر الذي أدى بشكل استثنائي الى تقديم لائحة اتهام ضده وابعاده عن الحي الارمني. «قلت للشرطي إنهم هاجموني ولم افعل شيئا»، قال ي. «لم افهم بالضبط ماذا يريدون في هذا الوضع. للاسف الشديد لم يتم التحقيق مع الرهبان بسبب التهجم بل التحقيق معي فقط بسبب البصق».
«إنهم لاساميون حقيقيون»، قال ك. وهو شاب من المعهد الديني عاش في السابق في حارة اليهود وشاهد حادثة البصق. «يجب طردهم من اسرائيل فهم يدنسون الارض المقدسة وليس لهم ما يفعلونه هنا. المسيح هو اختراع مقرف، لهذا ليس غريبا أن يبصقوا عليهم أو بالقرب منهم من اجل ازالة النجس».
تعتقد جهات استخبارية في سلطة تطبيق القانون أن اقوال الشاب، وكذلك زيادة ظاهرة البصق المهينة على الرهبان، هي نتاج التطرف الديني الذي يمر على طلاب معاهد معينة لا يقبلون الغير وبالذات المسيحيين. «هذه ظاهرة غير مؤدبة تلحق الضرر بالمسيحية»، قال الأب نورييل. «إنهم يعرفون أننا مسيحيون ورجال دين ولأننا مختلفون يبصقون علينا».
أحد الملفات التي اشعلت الشارع المسيحي كان الملف الذي انتهى في محكمة الصلح في القدس في نهاية 2011. في تلك المحكمة قرر القاضي دوف فولك تبرئة راهب ينتمي الى الجناح اليوناني في البلدة القديمة من تهمة التهجم على شاب متدين بصق عليه. الشاب هو طالب معهد حريدي، وشهد في الشرطة: «كنت بعيدا عنه وبصقت على الارض. أعاني من مشكلة مرضية تضطرني الى البصق». في هذه الحادثة كانت المفارقة أن الشرطة قررت تقديم لائحة اتهام ضد الراهب بتهمة التهجم وليس ضد الذي بصق. الامر الذي أدى الى الاحتجاج لدى الرهبان.
التبرئة التي قدمها القاضي فولك اعطيت كجزء من الدفاع أمام العدل حيث قال القاضي: «لا يمكن تحمل اهانة رجل دين مسيحي بسبب دينه بالضبط مثلما لا يمكن تحمل اهانة يهودي لأنه يهودي. للشعب اليهودي تاريخ طويل من اللاسامية المسيحية التي عانى اليهود بسببها. هذه الامور معروفة ولا حاجة لتفصيلها». بالنسبة لجالية الرهبان في البلدة القديمة كانت هذه الاقوال بقعة ضوء صغيرة دفعت الشرطة الى الاهتمام أكثر بما يحدث. وفي حينه انتقد فولك الشرطة حينما كتب: «سلطات تطبيق القانون لا تنجح في اقتلاع الظاهرة. من يبصقون لا يخالفون فقط القانون ولا يلحقون الضرر بضحاياهم فقط، بل يلحقون الضرر بنا جميعا وبالسياحة وبالقيم».
رغم الملاحظة الانتقادية الصعبة التي وجهها فولك قبل اربع سنوات، فان الظاهرة ازدادت، ليس فقط ضد الرهبان الارمن. حسب المعلومات الاستخبارية فان هذه الظاهرة موجهة ايضا ضد رهبان من الكنيسة اليونانية وكنيسة المهد. «كل يوم يوجد بصاق»، قال الأب نورييل. «في كل مرة نخرج فيها الى خارج الدير نخاف من أن يبصق علينا أحد. عادة يكون هذا طالب معهد ديني أو يكونوا يهودا متطرفين. إنهم يبصقون علينا وعلى الارض». وحسب اقواله، منذ تلك الحادثة قررت الشرطة تعزيز وجودها. لكن ذلك لا يكفي.
«حينما يبصقون علينا، فان الشرطة احيانا تعتقل. وفي اغلبية المرات تقول إنها لم تر. الظاهرة آخذة في الازدياد. لكن العقوبة على البصق عادة تكون ابعاد مدة شهر عن البلدة القديمة. هذا أمر لن يردع. إنهم يشتمون المسيح والمسيحية، لكن كل ذلك لأنهم لا يعرفوننا». وحسب اقوال الأب نورييل فان الحديث عن ظاهرة ولدت نتيجة للتربية السيئة. «لو كانت التربية افضل لكان يمكن القضاء على هذه الظاهرة بشكل افضل. من المؤسف أن التربية ليست جيدة كثيرا».
قبل بضع سنوات، قرر الرهبان الذين يتجاهلون عادة العنف ضدهم، عمل شيء. توجهوا الى السلطات والى الحاخام الرئيس وطلبوا القضاء على الظاهرة. «قبل بضع سنوات علقوا لافتات في البلدة القديمة تطالب بوقف الظاهرة. وقد وضعت اللافتات في حارة اليهود وكتب عليها إنه ممنوع البصق وإنه يجب تقبل الديانات الاخرى. لكن هذا لم يساعد. نحن ما زلنا نتعرض للبصق في كل مرة نمر فيها في هذه الاماكن».
شرطة القدس قالت: «منطقة داود تجري تعاونا وحوارا مع جميع وجهاء الطوائف والديانات. بمن فيهم الرهبان المسيحيون. وفي هذا الاطار يتم التعامل مع الشكاوى بسبب التحرش من قبل القاصرين الذين يتم اتخاذ الاجراءات الجنائية ضدهم. الشرطة ستستمر في العمل على ضمان سلامة وأمن أبناء الديانات الثلاث الى جانب وجود الحوار المتبادل».
عن موقع «واللاه»