ولدت في العام ١٩٤٨ وكان العالم كله قد انقلب رأساً على عقب في نهاية الحرب العالمية الثانية؛ ورغم إنشاء الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة فإن المواجهة بين الشيوعية والرأسمالية بدأت مع تشكيل العالم الجديد.
وقبل أن تنتهى الأربعينيات من القرن الماضي كانت الحرب الباردة قد نشبت، وانقلب العالم من محاولة إقامة نظام يقوم على القانون والتنظيم الدولي إلى نظام قائم على الردع، بعد أن امتلك المنتصرون في الحرب الأسلحة النووية.
ولكن هذه الأسلحة ذاتها لم تكن عاصماً من نشوب حروب بالوكالة سواء في شرق آسيا (الحربين الكورية والفيتنامية)، أو في الشرق الأوسط.
وعندما انتهت الحرب الباردة بسقوط حائط برلين وحلف وارسو والاتحاد السوفييتي، لم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت الهند وباكستان، إضافة إلى إسرائيل دولاً نووية.
ولكن ذلك لم يعفِ الولايات المتحدة من أن تكون متوجة على رأس العالم متبنية العولمة في كل شيء من السلع والبضائع حتى القيم الإنسانية.
عقد واحد فقط مضى بعد كل هذا التغيير الكبير عندما وقعت الأحداث الدامية في نيويورك وواشنطن في ١١ أيلول ٢٠٠١.
بدأ القرن الجديد وقد انضم فاعل جديد إلى النظام الدولي من غير الدول، فلم يكن له لا أرض محددة، ولا شعب معلوم، ولا حكومة ولا عاصمة؛ وإنما جماعات إرهابية مسلحة على استعداد لتقويض كل شيء في العالم.
الحرب بينها وبين الدنيا كلها لم تسفر إلا عن الفوضى، وعندما تحوصلت حول دولة الخلافة على الحدود السورية العراقية سرعان ما انهارت لكي ينتشر محاربوها في جميع أرجاء كوكب الأرض.
الولايات المتحدة ذاتها لم تستكن كثيراً لفكرة قيادة العالم التي أخذ بها الرئيس الأميركي الأول في هذا القرن – جورج بوش الابن – إلى أن يكون القرن الحادي والعشرون كله قرناً أميركياً.
وبعد فترتين رئاسيتين فشل فيهما في الحرب على العراق وفي أفغانستان جاء رئيس أميركي جديد – باراك أوباما – لكي يعلن أن الولايات المتحدة توسعت بأكثر مما تطيق.
وجاء الرئيس التالي – دونالد ترامب – لكي يؤكد أن أميركا عليها أن تنسحب من العالم، وتترك حلفاءها يقومون بما يجب عليهم القيام به.
أما الرئيس الذي جاء بعده – جوزيف بايدن – فقد قرر الانسحاب من أفغانستان والشرق الأوسط كله.
كانت العولمة كثيرة على واشنطن، ولكنها لم تكن تعرف أن النظام العالمي الجديد سوف يأتي على يد “فيروس” يحصد الملايين من أرواح الدنيا دون رصاصة أو خنجر.
والحقيقة أنه كانت هناك دائماً حالة من الاستعجال لدى المراقبين والمحللين على تبيان أن العالم ينقلب رأساً على عقب كلما جد جديد على العلاقات الدولية، حيث يُرى حدث ما باعتباره نقطة فاصلة ما بين مرحلة وأخرى.
المسألة فيها الكثير من الشوق إلى وجود تغيير جذري، أو هو انعكاس لحالة من الضجر من أن نجد في الصباح ما كان سارياً في المساء السابق، أو كليهما معاً.
الأمر هكذا يحتاج درجة كبيرة من الرصانة، وحينما حلت جائحة الكورونا فإن الحديث عن الانقلاب ذاع دونما معرفة بشكله وفصله، وكيف يؤثر على حياتنا؛ وكان الرأي هنا هو أن الأزمات الكبرى كاشفة أكثر منها منشئة للأوضاع الجديدة.
والواقع هو أن العالم لا يتوقف عن التغيير بما هو قليل وما هو كثير، وعندما عم البلاء اختلط القليل بالكثير، وكان هذا وذاك يتم بأشكال كمية يمكن الآن القول إنها باتت نوعية تأخذ شكلاً معتاداً جديداً.
استقر الناس على التعايش مع أوضاع جديدة، ولكن التلاميذ سوف يعودون إلى المدارس، والعمال إلى المصانع، والموظفون إلى أعمالهم في الحكومة أو القطاع الخاص.
هناك صعوبة بالطبع فيما استقر عليه الناس في المعتاد الجديد/ القديم وهو أن يلتقى الناس وأن يقوموا بأعمالهم وجهاً لوجه وليس عبر الأدوات الافتراضية.
شركة آبل وجدت صعوبة في عودة موظفيها مرة أخرى بعد أن غادروا مساكنهم إلى جهات أخرى متباعدة، ولم تكن هناك مشكلة في العمل القائم على الأساليب الافتراضية من الوجود في مواقع أخرى بعيدة، حيث لم يعد هناك فارق في العمل مهما بعدت المسافة. الأمر لا كان سهلا، ولا كان في مصلحة العمل، وآن للطيور أن تعود إلى أوكارها. ولكن ذلك سوف يحدث بعد اتخاذ الإجراءات، واتباع الأساليب المرعية في زمن الوباء. لم يعد العالم كما كان تماماً، وإنما بات متغيراً في مكانه!.
الموجة الجديدة من البحث عن «نظام عالمي جديد» نبتت من قلب الكورونا التي كانت الصين متهمة فيها، حيث برزت ليس فقط كقوة صاعدة، وإنما القوى العظمى الجديدة في العالم.
باتت الصين قوة عظمى ولم تعد في سبيلها لكى تكون كذلك، وإذا كان أول إشهاراتها أنها لم تعد تعتمد على الولايات المتحدة في مقاومة الإرهاب في أفغانستان وإنما سوف تسعى لكي تقيم تعاوناً أو تحالفاً أو ائتلافاً بينها وباكستان وروسيا وإيران لكيلا تكون أفغانستان دولة مضيفة للإرهاب. ما عدا ذلك لا يهم، فالصين ليست مهتمة بمدى انتشار الديمقراطية في كابول، واهتمامها كان ولا يزال هو استمرار عملية البناء الداخلي في الصين على مسار الدولة العظمى التي تصدر للعالم كل شيء ومعه تصل إلى الفضاء الخارجي، وإذا كان الأميركيون يعتقدون أن الصين ليس في إمكانها إنتاج شركات مثل آبل وأمازون أوالسيارة الكهربائية فإن الصين الآن لديها علي بابا وجى 5 وسيارات كهربائية وأقمار صناعية وشركات عملاقة ومشروع كوني الحزام والطريق.
الغريب أن الولايات المتحدة هي التي أشهرت الصين كقوة عظمى أخرى يقوم النظام الدولي على المنافسة بينهما؟!.