لا شك أن إدارة الديمقراطيين في الولايات المتحدة حظيت بالنصيب الأكبر من القلق جراء نتائج الانتخابات الاسرائيلية وتشكيل الحكومة الأشد تطرفا في تاريخ الكيان .. مؤخرأ وحسب ما أورد موقع أكسيوس الاخباري أنّ اجتماعاً رفيع المستوى عقد بين مسئولين كبار في البيت الابيض لمناقشة كيفية التعامل أو عدم التعامل مع تلاميذ كهانا أعضاء الحكومة المرتقبين أمثال بن غفير (عضو حركة كاخ المصنفة دوليًّا وأمريكيًّا واسرائيليًّا ارهابية منذ العام 1997 وحتى 20 مايو 2022 ) والعنصري المتطرف سموتريتش. ويبدو أن الاجتماع لم يسفر عن أيّة قرارات حاسمة علنيّة..
جميع خطابات التهنئة لنتنياهو سواء من البيت الابيض او من معقل الدبلوماسية الامريكية أكدت على أن الالتزام بأمن اسرائيل لا يتزعزع ، وأكّدت أيضاً على أنّ العلاقة الخاصة التي تربط البلدين مبنيّة على القيم الديمقراطية والمصالح المشتركة . لكن يا ترى هل ستبقى القيم بين واشنطن وتل ابيب مشتركة مع الحكومة الاسرائيلية الجديدة والتي بلا أدنى شك تمثل نقطة تحول في شكل الكيان وديمقراطيته المزعومة؟ خاصة مع جدول أعمال /لأعضائها المتطرفين/ مزدحم بتغييرات مفصلية داخلية في مجالات شتّى أبرزها القضاء والامن والحريّات ، فضلاً عن سياسات عنصرية تعد دافعاً مباشراً لمواجهات شرسة وتأجيج للوضع مع الفلسطينيين. وهو آخر ما تريده حكومة بايدن التي سعت منذ اليوم الاول لها إلى ضمان إبقاء الامور هادئة ولو في حدودها الدنيا، مع حرصها على تصدير خطاب بلاغي عام يدعم حق الشعبين في العيش بسلام دون وجود آفاق للحل أو ضغوطات على اسرائيل . وفي ظل هذا المتغير القادم هل من الممكن أن يتجاوز الضغط الامريكي البلاغ الخطابي الفارغ من الحلول ؟ أشك ..
فمن جهة ، نتنياهو البارع جدا في اقتناص الفرص داخليًّا وخارجيًّا يعلم جيداً أنّ بايدن الذي يعد جزءاً من تاريخ اسرائيل ليس أوباما، والولايات المتحدة عام 2015 لم تعد كذلك اليوم . وعليه فإنّ جدول أعماله الشخصي لن يتضمن أبداً استفزازات علنية للحكومة الامريكية. بالعكس، فقدرته على المناورة وتوخّي الحذر ورغبته في حجز مكانة له بين القادة العالميين ودعم ما يعتبره انجازات /ما يعرف "باتفاقات ابراهيم" / ستقوده لإيجاد نقاط مشتركة مع الولايات المتحدة تبعد الخلافات وتقرّب المسافات وهو ما بدأه فعلا بالحديث عن تطور في تطبيع العلاقات مع السعودية وبخطط لضبط علاقاته مع بوتين !
ومن جهتها ، ستتبع حكومة الديمقراطيين في واشنطن تقليد قديم مفاده: لننتظر ونرى، وستبقى محافظة على نفس الخطاب المكرر فيما يخص الموضوع الفلسطيني والسلام في الشرق الأوسط. في المقابل لا يمكن إنكار أنّ الفجوة بين البلدين آخذة في الاتساع. ووصول اليمين الارهابي للحكم في اسرائيل يمنح مساحة أوسع للديمقراطيين التقدميين في الولايات المتحدة ولبعض الاصوات التي تدعم ليبرالية اسرائيل نحو مزيد من الجرأة لانتقاد السياسات الاسرائيلية، وازدياد المطالبين بالاشراف على المساعدة الامريكية الغير مشروطة لاسرائيل في الكونجرس، وربّما تخفيف الضغط عن الفلسطينيين. ومثلما كان اسم نتنياهو دافعاً للاستقطاب بين الحزبين في امريكا ومجالا للخلاف حول اسرائيل والموضوع الفلسطيني ، فإن اسمي بن غفير و سموتريتش يعدّان رافعة أكبر لهذا الاستقطاب وهو برأيي فرصة للفلسطينيين ولأنصارهم في العالم .
وفيما يتعلق بالواقع على الأرض، فكلّ الدلالات تشير الى أن القنبلة التي يحملها نتنياهو بين يديه حيث تحالفه مع أقصى اليمين المتطرف ومنحه هذه الصلاحيات الواسعة مقابل انقاذ مستقبله السياسي، ستنفجر لامحالة لتخلق مواجهة دامية قريبة جداًّ بين الفلسطينيين واسرائيل لن تستطيع امريكا تجاهلها!