إحياء الأموات وهي رميم!

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

 

في صحيفة "القدس" أمس وعلى صدر صفحتها الأولى اعلان تعزية ومواساة بالفقيد الراحل المرحوم سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني السابق تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.


وقد لفت نظري في الإعلان أمرين: الأول هو الصفة التي منحها المعلن لنفسه والثاني الصفة التي منحها للفقيد الراحل.


يقول الإعلان:" ينعى رئيس المجلس التشريعي بالإنابة د. أحمد البحر رئيس المجلس الوطني الراحل سليم الزعنون...".


ومن حقنا نتساءل: أي مجلس تشريعي؟ وأين المجلس التشريعي؟


فالمعروف أن آخر انتخابات تشريعية كانت قد جرت في مطلع شهر كانون الثاني 2006 أي قبل سبعة عشر عاما ً وقد عقد المجلس الجديد المنتخب جلسته الأولى في 18-2-2006 ومارس عمله حتى مطلع تموز 2007 أي بعد الانقسام البغيض بأيام.

 

 وقد تم خلال هذه الفترة التي تقارب السنة اصدار قانون واحد فقط هو قانون الموازنة وتوجيه تسعة أسئلة لبعض الوزراء. ومنذ ذلك الحين توقف تماما عن الانعقاد حيث انقسم أعضاؤه بين فتح وحماس، ولم يعد المجلس يجتمع أو يمارس صلاحياته بالرغم من أن أعضاءه في قطاع غزة ظلوا يجتمعون لوحدهم وبدون نصاب ويمارسون العمل وكأن شيئا ً لم يحدث.


وبالرغم من انتهاء مدته القانونية في كانون الثاني عام 2010 إلا أنه ظل يعتبر نفسه قائما ً ويتقاضى أعضاؤه رواتب ومخصصات مكاتب وسيارات وغير ذلك الى أن تم حله رسميا ً بعد أن أوعز الرئيس عباس لوزير العدل بطلب قرار تفسيري من المحكمة الدستورية بشأن دستورية المجلس التشريعي فأصدرت المحكمة القرار التفسيري رقم 10/2018 بتاريخ 12-12-2018 بأن المجلس التشريعي في حكم المنحل وطلبت من الرئيس عباس اجراء انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر.


وقد بادر الرئيس عباس بتاريخ 22/12/2018 بالإعلان عن التزامه بقرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي غير الموجود أصلا ً.


وهنا لا بد من ابداء ملاحظتين: الأولى أن الرئيس عباس الذي أعلن التزامه بقرار المحكمة الدستورية باعتبار المجلس التشريعي في حكم المنحل واجراء انتخابات تشريعية في غضون ستة أشهر لم يلتزم إلا بالشق الأول من القرار وهو حل المجلس التشريعي ولم يلتزم بإجراء انتخابات خلال ستة أشهر وها نحن اليوم وبعد أربعة أعوام ونيف من صدور قرار المحكمة إلا أن الستة أشهر لم تنته بعد !


والملاحظة الثانية هي أنه وبعد مرور سبعة عشر عاما ً على انتخابات 2006 ما زالت حماس ممثلة بالأخ د. أحمد بحر تصر على أن المجلس التشريعي ما زال قائما ً!

 بالرغم من أنه خلال السبعة عشر عاما ً الماضية مات عشرات الآلاف أو ربما أكثر ممن كان لهم حق الاقتراع وشاركوا في انتخابات 2006 ولكن ارادتهم القانونية لم تعد قائمة لأنهم انتقلوا لرحمة الله وسقطت الوكالة أو التفويض الذي أعطوه لمن انتخبوا.


وفي المقابل فإنه خلال السبعة عشر عاما الماضية انضم الى جداول الناخبين عشرات الآلاف، إن لم يكن أكثر، من الناخبين الجدد الذين بلغوا السن القانوني وأصبح لهم حق الاقتراع ومن بينهم الأطفال الذين ولدوا عشية انتخابات 2006. وهؤلاء لا يستطيع أحد تجاهلهم أو الادعاء بأنه يمثلهم، إضافة الى حقيقة أن العديد من الأعضاء الذين انتخبوا عام 2006 هم الآن في ذمة الله.


وباختصار شديد أقول بأن من المحزن والمؤسف هو أن تستمر حركة حماس ممثلة ببعض الأعضاء الذين انتخبوا عام 2006 بأنها لا تزال تحمل تفويضا من الشعب بأنها تمثله ، وبعبارة أخرى ما زالت تصر على اختطاف إرادة الشعب.


وإضافة لذلك فإنه لا بد من النظر بخطورة الى الصفة التي أعطاها د. أحمد البحر لنفسه وهي رئاسة المجلس التشريعي.


فالمعروف هو أن المادة 37 من القانون الأساس الفلسطيني تنص على أنه في حال وفاة الرئيس أو عدم قدرته على القيام بمهامه فإن رئيس المجلس التشريعي يتولى الرئاسة مؤقتا لمدة ستين يوما يتم خلالها اجراء انتخابات رئاسية. وعلينا أن نقرأ ما ادعاه البحر لنفسه في سياق حصول ظرف يستوجب إيجاد بديل للرئيس.


إن استمرار تغييب المجلس التشريعي ووجود شبهة حول شرعية رئاسته سيدخلنا في متاهات وصراعات داخلية ستنقلنا الى أبعد مما نحن فيه الآن من انقسام وضياع، والرئيس عباس نفسه يتحمل مسؤولية ترتيب الأوضاع القانونية فيما يتعلق بمن سيأتي بعده تجنبا ً للصراعات الفصائلية والشخصية في حال غيابه.


وأعود الى اعلان التعزية والمواساة الذي نشره د. أحمد بحر والذي وصف فيه المرحوم سليم الزعنون بأنه "رئيس" المجلس الوطني. فإذا كان هذا هو خطأ غير مقصود فإن بالإمكان التجاوز عنه، وأما إذا كان مقصودا ً فإن السكوت عليه هو خطأ لا يجوز المرور به مر الكرام.


فالمرحوم سليم الزعنون هو الرئيس "السابق" للمجلس الوطني فقد تنحى عن منصبه وتم انتخاب رئيس جديد هو الأخ روحي فتوح ولا يجوز للأخ البحر تجاهل ذلك لا سيما وأن تجاهله لا يغير من حقيقة الأمر من شيء.


آمل أن يبادر الرئيس عباس الى أخذ هذا الموضوع بالجدية التي ترقى الى مستوى خطورته وإما أن يدعو لإجراء انتخابات تشريعية أو أن يبحث عن مخرج قانوني ملزم للجميع يحد من إمكانية الصراع بين فتح وحماس أو بين فتح وفتح على رئاسة السلطة التي باتت تقف على كف عفريت.