استشهاد أبو حميد: جريمة الاحتلال البشعة

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم : أشرف العجرمي

 

 

 

غادرنا الشهيد ناصر أبو حميد يوم أمس بعد صراع طويل مع المرض، ليكشف من جديد كم هو وحشي ومجرم هذا الاحتلال الإسرائيلي، الذي فاقت جرائمه كل تصور وحتى كل الكوابيس الفظيعة. فهو لا يكتفي باستمرار السيطرة الاحتلالية الظالمة على شعب كامل وعلى وطن كامل، مع كل ما يرافقها من قتل يومي وإعدامات في وضح النهار وإصابات متعمدة بهدف الإعاقة واعتقالات تطال الأطفال والنساء والشيوخ، وهدم منازل وترحيل سكان من أرضهم وسرقة الأرض وتهويدها بزرع المستوطنين الأغراب عنها والمجرمين الذين يستولون على أرضٍ ليست لهم وينكلون بأصحابها الأصليين، ومصادرة حقوق شعب فلسطين الوطنية والإنسانية المشروعة. بحيث لم يعد هناك أي نوع من الجرائم لم يرتكب بحق الفلسطينيين من المجازر وحتى الحصار الظالم وتقييد الحركة وحرمان الناس من العيش بكرامة في ظل شروط الحد الأدنى الإنسانية.
ولكنّ هناك حدوداً للاحتلال وحدوداً للجرائم، وللأسف هذا لا ينطبق على الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين.
ما حصل مع الأسير أبو حميد والذي سبق أن تكرر مع أسرى آخرين قبله، هو أنه ترك ليموت ببطء دون أي شعور إنساني تجاه كائن حي في لحظات عمره الأخيرة لم يعد يشكل خطراً على أحد، فحرم من قضاء ساعاته الأخيرة في بيته ووسط عائلته حتى عندما تأكدت سلطات الاحتلال أنه مفارق هذه الحياة ولم تعد تفصله عن الموت والخلود سوى سويعات قليلة. أي جريمة هذه التي تقوم بها هذه الطغمة العنصرية الحاكمة في إسرائيل.
الفلسطيني عندما يختار طريق النضال لا يخشى ولا يحسب حساباً لا للموت ولا للاعتقال ولا للإصابة أو أي ضرر يلحق به. وهو لا يطلب الرحمة من الاحتلال المجرم مهما حصل معه. لكن حتى الاحتلال هو في نهاية المطاف خاضع لقوانين ومواثيق واتفاقات دولية لا بد أن يلتزم بها، حتى ينتهي هذا الاحتلال الذي من المفروض أن يكون مؤقتاً. والاحتلال الإسرائيلي لا هو مؤقت ولا سلطات الاحتلال تقيم وزناً للقانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني أو اتفاقيات جنيف من العام 1949، ولا حتى ميثاق روما الأخير الذي يحكم عمل محكمة الجنايات الدولية، التي تقاطعها إسرائيل والولايات المتحدة.
إسرائيل تدعي ظلماً وزوراً وبهتاناً أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط وأنها دولة أخلاقية وجيشها جيش قانون وأخلاق، لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، ليس فقط باعتراف منظمات وهيئات دولية، بل باعتراف منظمات حقوقية وإنسانية إسرائيلية مثل "بيتسيلم" وغيرها التي تصف إسرائيل بأنها دولة تمارس نظام الفصل العنصري "الأبارتهايد"، تماماً كما قالت منظمة العفو الدولية "أمنيستي".
وترتكب جرائم حرب بتصميم وعن سبق الإصرار كما تشرح منظمة "كاسرو الصمت" التي توثق شهادات الجنود والضباط الإسرائيليين وما يمارسونه ضد الفلسطينيين.
ما يحصل مع الأسرى الفلسطينيين هو فصل من فصول المأساة الفلسطينية.
وهذا يبدأ منذ لحظة الاعتقال الأولى بالتعذيب والحجز بصورة تعسفية وغير إنسانية وبعيداً عن مناطق سكناهم في مخالفة صريحة لاتفاقات "جنيف"، وحرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية من مأكل وملبس وشروط صحية. والأسير الذي يمرض عليه أن يصارع المرض بنفسه فإما أن يتغلب عليه وإما ينال منه. فالرعاية الطبية في السجون والمعتقلات الإسرائيلية هي تعيسة للغاية وفيها إهمال متعمد بقصد الإيذاء.
وهناك 233 أسيراً فلسطينياً قتلوا بالإعدام المباشر أو تحت التعذيب أو توفوا في السجون بسبب الإهمال الطبي، والنتيجة هي خسارة فادحة لعدد كبير من المناضلين. وعدد المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة أو مزمنة في ازدياد مستمر وبعضهم يصارعون الموت.
جاء استشهاد ناصر أبو حميد ليصفع العالم الذي يسمي نفسه العالم الحر، الذي لا يخجل من نفسه وهو يمارس سياسة الكيل بمكيالين في الصراعات والنزاعات الدولية.
ولا يزال يغطي على جرائم الاحتلال. بل إن قسماً كبيراً من دوله يمتنع عن التصويت وبعضه يصوت سلباً على القرارات الدولية التي تحاول إنصاف الشعب الفلسطيني ووقف الظلم الواقع عليه. والسبب هو عدم الرغبة في إغضاب إسرائيل ربيبة الاستعمار والنموذج القذر للثقافة الاستعمارية الغربية. ولقد مارست اللوبيات اليهودية سياسة الترهيب ضد كل من ينتصر للحق والعدالة في كل ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، فأصبح من ينتقد جرائم إسرائيل حتى لو بصورة ناعمة ودبلوماسية يتهم بمعاداة السامية، المصطلح الذي احتكره اليهود والذي يساعد على التعميم للتغطية على الجرائم الإسرائيلية.
لقد كانت الأمم المتحدة محقة عندما ساوت بين الصهيونية والعنصرية، وأخطأت القيادة الفلسطينية عندما وافقت على إلغاء هذا القرار الدولي المهم.
والآن يعود العالم من جديد لكن هذه المرة بمشاركة إسرائيلية يهودية من منظمات حقوق الإنسان على تصنيف نظام الحكم في إسرائيل بأنه نظام عنصري ويمارس سياسة الأبارتهايد.
والفلسطينيون مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بمحاكمة إسرائيل على جرائمها التي فاقت ما يمكن أن يخطر على عقل مجرم متمرس. والتردد في هذا الموضوع سيكلفنا ثمناً باهظاً إضافياً لا ينبغي أن نسمح به.