بغضّ النظر عن تطورات المشهد الرياضي في المونديال وخلفياته ومآلاته، الا ان هناك حقيقة ساطعة تمْثُل امام القاصي والداني وهي مركزية فلسطين في الوجدان الشعبي العربي من المحيط الى الخليج.
لقد قوّضَ حضور فلسطين الواسع والشعبي والمؤثر في أكبر حدث رياضي في المعمورة، والذي يتابعه المليارات من أبناء البشرية، قوّض كل حلقات الذكر والتأبين لضمير الامة والتي دَرَجَ عليها البعض في السنوات الأخيرة بدافع اليأس أو بدافع الاستعلاء أو بدافع الإنكار والتشويه في صالح مشاريع امبريالية بما فيها اجندات انظمة عربية.
حزمة الضوء هذه تبدد ولو قليلا من المساحات المدلهمّة التي تلازم واقعنا الحالي، وترسل رسالة الى الصهاينة ورُعاتهم بأن أبناء إسماعيل ما زالوا بخير رغم ما نُسِب تعسفا الى إبراهيم.
لقد راكمَ الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، منذ النكبة، مآثر عظيمة واجترح بطولات كانت تبدو شبه مستحيلة قياسا لحجم المؤامرات والمخططات الرهيبة التي أحدقت به وبحياته وبأرضه وهويته، كما عرف انتكاسات وأخطاء ومراهنات خاطئة شكّلت خطرا عليه وعلى مسيرته وعلى نضاله العادل..
في المقابل راكمت الحركة الصهيونية على مختلف تلاوينها جرائم واستهداف حتى لمجرد وجود الشعب الفلسطيني من بن غوريون الى غولدا مئير وصولاً الى ايتمار بن غفير.
لستا عبثيين، ولذلك نحن نقرأ كل مرحلة، بخصوصيتها وبأولوياتها وتمايزاتها، وعلينا ان نأخذها في عين الاعتبار لدى بناء مشروعنا النضالي في كل مرحلة، وذلك انطلاقا من ثوابتنا الوطنية وقيمنا الإنسانية والديموقراطية.
صهيونية فاشية دون اقنعة
في واقع الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والساحل والكرمل وفي ظل الاضطهاد القومي والمدني وسلب الوطن والتاريخ ومسميات الجغرافيا، والحق في صياغة وصيانة ملامح الانتماء، لا يمكن ان تكون وطنيا دون ان تضع قضية الوطن كسبّاقة للأجندة الأخرى.
أفرزت الانتخابات الأخيرة للكنيست حاضنةً سياسية لفاشية إسرائيلية دون اقنعة، وأفرزت حكومة جديدة وخطيرة.
الى جانب مواجهة رياح الفاشية المتصاعدة، يجب تحويل التحوّل الفاضح المتمثل بنزع الأقنعة هذه الى فرصة على المستوى المحلي وعلى مستوى الأداء الفلسطيني وعلى المستوى الإقليمي والدولي.
لعل المجاهرة بالجوهر الحقيقي للصهيونية الحاكمة في إسرائيل، بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة (1\11\2022)، وتحولها الى الصيغة الأقرب الى النازية الجديدة، "والمعززة" بالاحتلال الإحلالي الكولونيالي، يجب تقود الى نزع قناع الديموقراطية الزائفة و"الامن" العدواني، الذي تقنعت به الصهيونية على مدار قرن وأكثر أمام العالم.
وهذا بذاته يحتاج الى وقفة خاصة وتفصيلية، تشارك فيها كل تجمعات شعبنا العربي الفلسطيني ومؤسساتنا الوطنية التمثيلية والسياسية والأهلية.
نحن الفلسطينيون الذين بقينا قابضين على وطننا، كالقابض على جمرة منذ النكبة، والذين خرجنا من رماد النكبة كالعنقاء، وشيّدنا قامتنا وهويتنا من جديد وحفظنا لغتنا من التهجين والتغريب في أصعب الظروف وأعتى المؤامرات، لم نعرف يوما حكومةً في إسرائيل لم تنقش على أعلامها، بهذا المستوى أو ذاك، هدف قذفنا خارج التاريخ وخارج الجغرافيا وخارج الحق على الوطن وفي الوطن، الذي لا وطن لنا سواه.
لم يكن ذلك ممكنا دون القيادة التي كانت مستعدة على الدوام لدفع ثمن مواقفها وثمن ثوابتها وليست قيادة كانت تنتظر ان تقبض ثمن "مواقفها".
نحن لا نعاني ما نعانيه من عنصرية وتمييز وملاحقة، لأن خللا اعتَوَرَ الديموقراطية الإسرائيلية، انما لأن جوهر الفكر الذي يسَيِّر الدولة مبنيٌّ على العنصرية والتمييز، والملاحقة لكل ما هو فلسطيني.
ان مشكلة إسرائيل وجوهرها الكولونيالي، معنا هي في مجرد وجودنا في وطننا وفي كوننا ننتمي الى الشعب الفلسطيني والى قضيته العادلة.
في كل الأحوال، فإن مجرد الانزلاق الى التفكير بإيجاد معادلة لمشاركة جهة عربية فلسطينية من أبناء شعبنا في ائتلاف حاكم في إسرائيل، وفق قواسم الاجماع الصهيوني المعتمدة في المرحلة الراهنة، وفي المستوى المنظور وفي مستوى التفكير الاستراتيجي للصهيونية، لا يمكن ان يكون واردا، ويجدر عدم الاستغراق في اضغاث احلام تراهن على تغيير جوهر الصهيونية المهيمنة.
لقد أفرزت هذا الانتخابات والتي سبقتها، مظاهر خطيرة، ومنها غير مسبوقة بحدّتها، تمثلت في تسلُّق قضايا ليست في صلب مشروعنا الوطني، وليست في صلب صراعنا مع المؤسسة الحاكمة في إسرائيل لخدمة أغراض انتخابية فئوية، الى رأس سلم التداول السياسي والاجتماعي والانتخابي الامر الذي هَدَفَ الى حرف المسار عن قضيتنا الاساسية.
الى جانب ذلك، لاحظنا استسهال التفريط بالأطر الجامعة، اعتقادا من البعض ان ذلك من شأنه ان يخدم اجندة حزبية أو فئوية، أو ان يبني أمجاداً قبليّة سياسية.
طبيعي ان تتكون فكرة نقدية من هذا الطرف السياسي الى أيّ طرف آخر، ولكن هناك من يبحث عن المشكلة في الاخرين، وأنا اقترح ان ينظر كلٌّ الى ذاته السياسية أو الاجتماعية والى أدائه وحضوره في الميدان، للمراجعة والنقد الذاتي، وبعد ذلك أن يبحث خارجه عن أسباب التردي الذي يجب أن يخلي مكانه فورا ودون إبطاء، من أجل التفرغ للقضايا، والاخطار الكبيرة، والجسيمة، والملحّة.
درجت المؤسسة على تسميتنا بتسميات فئوية وطائفية وجهوية من اجل تهتيك الانتماء الجامع لشعبنا مثل: العرب والمسيحيين والدروز وبدو الشمال وبدو النقب والأقليات وغير اليهود وما الى ذلك.
وذهبت الى ابعد من ذلك، في فرض الخدمة العسكرية على أبناء شعبنا الدروز، والى الترويج للخدمة العسكرية وللخدمة المدنية في شرائح غير قليلة من أبناء شعبنا، وترويج أوهام "الحقوق" مقابل الولاء لطابع الدولة اليهودي والانضواء المهين في هذا الطابع.
واضح لنا تماما ما الذي تبغيه المؤسسة الإسرائيلية من ذلك، لكن تسلل هذه المفردات بالعلن وبالهمس الى لغتنا وعملنا السياسي، سواء كان ذلك بنية خبيثة أو بنية طيبة، ينطوي على اخطار كبيرة وعلى خلل كبير، لا بل على نجاح مشروع التفرقة الإسرائيلي.
إن تعدد الألوان يجب أن يكون مصدر ثراء وطني واجتماعي، الى جانب ذلك يجب الالتفات الوطني والسياسي من كل أبناء شعبنا، الى واقع الظلم الكبير الذي تواجهه شرائح عزيزة من شعبنا مثل أبناء شعبنا في النقب الذين يعانون من الاقتلاع والهدم والمصادرة والملاحقة، وأبناء شعبنا في المدن التاريخية، الذي يعانون من التحريض والتغريب والملاحقة، وأبناء شعبنا الدروز الذين يواجهون مخططا لانتزاعهم من انتمائهم ومن شعبهم، الى جانب معاناتهم من تضييق الحيز العام، ومصادرة الأرض واوامر هدم البيوت.
إذا لم تكن الوحدة الوطنية هي الحاضنة والحامية لكل مكونات شعبنا، فالخطر كبير ان تبحث قطاعات مهددة عن "الحماية" في حضن المؤسسة.
ان التفريط بأيّ جزء من شعبنا هو انتصار لأعداء وحدته، وأن فرط وحدة شعبنا وعناوينه الجامعة هو أيضا كذلك.
في كل الأحوال فان خصوصية المعاناة لهذا القطاع او ذاك من أبناء شعبنا يجب ان تقود الى الوحدة والشمولية في المواجهة مع اسباب هذه المعاناة.
ان هذه البديهية تستوجب بديهية أخرى وهي الخروج من أوهام تطويع العمل الوحدوي او الإطار الوحدوي لهذا المزاج السياسي الضيق أو ذاك.
الإطار الوحدوي، سواء كان الوطني، أو البلدي، أو الشعبي، أو البرلماني، أو الاهلي، لا يمكن ان يكون "الانا" الحزبي لايّ من مركبات هذا الإطار الوحدوي، انما هو تلك المساحة التي تستطيع كل "الانوات" الحزبية ان تقف عليها دون ان تفقد خصوصياتها وخصائصها الأخرى: الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والتنظيمية.
هذا ينطبق أساسا على لجنة المتابعة العليا وهذا بذاته تعبير عن رقيّ فكرة العمل الوحدوي.
ان مسيرتنا النضالية بعد النكبة تعجّ بالنماذج والدروس التي يجب اعتماد ما ثبت خلالها في امتحان الحياة، وفي الوقت ذاته الوقوف على ضرورة الاستفادة من الأخطاء ومن رداءة الجنوح الى الهوان وقطف الرأٍس من ناحية، والمغالاة والقفز عن المعطيات الذاتية والموضوعية من ناحية اخرى.
هبة الكرامة وما لها وما علينا
لسنا الآن في صدد مراجعة التجربة التاريخية على طول الأعوام الـ 74 الماضية، ولكن تكفي إطلالة سريعة على بعض الدروس المستقاة من "هبة الكرامة" في أيار 2021، التي اندلعت ردا على العدوان على أبناء شعبنا في المسجد الأقصى المبارك وفي كنيسة القيامة، وعلى حيّ الشيخ جراح في القدس، وعلى العدوان الاجرامي على شعبنا في قطاع غزة والعدوان، الذي قامت به المؤسسة وقطعان الفاشية اليهودية على أبناء شعبنا في الداخل وبالأخص في المدن التأريخية الساحلية.
لقد اثبتت مجريات هبة الكرامة ان الجاهزية الكفاحية عند شعبنا وعند شبابنا تحديدا كانت بمستوى عالٍ من الانتماء، والالتزام، والنضال الميداني، والإقدام.
وهنا يجب الإشارة الى بروز حراكات ومبادرات شبابية فاعلة، قامت بنشاطات وحضور ميداني لافت في عدد من القرى والمدن، والتي يمكن الاستفادة وطنيا من حضورها ومن لغتها ومن مبادراتها، ويجب توفير الحيّز التنظيمي الشعبي لمواصلة عملها في إطار منهج تكاملي وخارج الاحتواء أو الوصاية.
اثبتت لجنة المتابعة وعملها الوحدوي في تلك الأيام القاسية، قدرتها على قيادة الرد الشعبي الوطني المشروع لشعبنا، بشكل مسؤول ويتناسب طرديا مع حجم التحديات التي فرضتها علينا المؤسسة الإسرائيلية.
لقد كانت لجنة المتابعة في حالة انعقاد دائم في تلك الأيام، حيث استنفرت اللجان الشعبية في قرانا ومدننا التي قامت بنشاطات واسعة، في كل قرية ومدينة.
كما دعت الى المظاهرة الشعبية الجبارة في سخنين في 15\5\2021، التي كانت بمثابة استفتاء شعبي آخر على إصرار جماهير شعبنا في الداخل، على انتمائها الوطني وعلى حقوقها الوطنية والإنسانية، ذلك رغم التشكيك والتثبيط متعدد الجوانب.
ثم جاءت الدعوة الى الاضراب الشامل الذي كان في 18\5\2021، والذي خرج من اجتماع لجنة المتابعة في يافا, وفي ذلك رسالة بذاتها، والتي حظيت بالتالي بالتجاوب والالتزام من كل أبناء الشعب الفلسطيني، في كافة أماكن تواجده.
ثمّ جاءت إعادة تفعيل عمل هيئة الطوارئ العربية، التي حققت نجاحا هائلا في مواجهة جائحة كورونا، من اجل معالجة الجانب الحقوقي والدفاع عن المعتقلين، وتوثيق الاحداث والانتهاكات الإسرائيلية تمهيدا للمسائلة المحلية والدولية لاحقا، ويمكن القول اليوم إن هيئة الطوارئ العربية في سياق هبة الكرامة لم تحقق المطلوب منها بالكامل، الا أن قرار لجنة المتابعة بتوكيل قضية المعتقلين في قرية أو مدينة للسلطة البلدية وللجنة الشعبية فيها، (وحيث لا تتمكن القوى المحلية من إعطاء الجواب المطلوب يُحال الامر الى لجنة المتابعة) قد اثبت نفسه في الامتحان العملي.
الى جانب ذلك بادرت مفوضية فلسطين في مجلس حقوق الانسان في جنيف، بالتنسيق مع لجنة المتابعة الى عقد اجتماع طارئ للمجلس في 27\5\2021، حيث قدمت لجنة المتابعة مداخلة شاملة باسم شعبنا في الداخل، حول ما يواجهه من ممارسات وقوانين وانتهاكات عنصرية.
لقد افضى اجتماع مجلس حقوق الانسان الى قرار غير مسبوق، بإقامة لجنة دائمة تعنى بانتهاكات إسرائيل في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، ولأول مرة تعنى اللجنة بانتهاكات إسرائيل لحقوق مواطنيها الفلسطينيين.
في المقابل يجب الإشارة الى ضعف حضور بعض الأحزاب السياسية ميدانيا في احداث هبة الكرامة، وبالتالي عدم تأكيد المشروع السياسي الناظم للنضال الشعبي، حيث لاحظنا وجود الارتجال وغياب التوجيه في كل ما يتعلق بشكل النضال وادواته واثمانه في عدد من الاماكن.
طبيعي ان تكون عدالة النضال هي المعيار الأساسي الذي على القيادة الميدانية للنضال الشعبي ان تأخذه بعين الاعتبار، الا انها ملزمة بالأخذ بعين الاعتبار الثمن الذي ندفعه، كي لا تتحول فداحته الى رادع للمشاركة الواسعة في معارك مستقبلية والاخذ بعين الاعتبار أن يكون النضال خادما للمشروع السياسي، والاخذ بعين الاعتبار اعتماد الأدوات النضالية الصحيحة، وان النضال العادل يجب ان يعتمد ممارسات عادلة.
لماذا اسوق هذا الكلام عن هبة الكرامة دون غيرها من المحطات الكفاحية لشعبنا؟
لثلاثة أسباب أساسية:
بسبب التلازم الزمني لأحداث هبة الكرامة مع المرحلة الراهنة، وإمكانية انسحابها على الكثير من معطيات واسئلة المرحلة.
بسبب ما اسلفناه من اخطار تنطوي عليها إقامة حكومة المجاهرة الفظة بالفاشية الصهيونية، التي يجري اقامتها في هذه الأيام والتي يجب مواجهتها بالاستفادة من تجاربنا
بسبب اقتراب محطة دقيقة مفتوحة على احتمال انتاج امل، أو على احتمال خطر تشرذم كبير، وأعني بها الانتخابات البلدية في أواخر العام المقبل.
لا شك ان الضرورة ملحة، وتكاد تكون مفصلية، لتجاوز ما كان من مخلفات ومنغصات الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتحييد مصادر القلق فيما يتعلق بالانتخابات المحلية.
ثمة ضرورة ان تقوم الأحزاب بدورها السياسي والوطني في الانتخابات البلدية القادمة، بينما أي انحراف نحو عشائرية سياسية وتفريغ الانتخابات البلدية من طابعها الوطني والسياسي والخدماتي، الى جانب المنافسات الفئوية التي تتسم بها هذه الانتخابات، ستؤدي الى دمار مجتمعي ووطني وستكون بمثابة بوابة لدخول أعداء شعبنا في مسامات حياتنا لحرف مساراتنا.
كما يجب الانتباه الى دور الاجرام وعصاباته، الذي يعمل بغطاء مباشر من السلطات الإسرائيلية، في الانتخابات المحلية وفي العمل البلدي واندساسه الفاسد فيه.
ان تزامن هذه الانتخابات البلدية، مع ما يرافقها من خلل فينا، مع تشكيل الحكومة الجديدة يستوجب قدرا كبيرا من اليقظة والجاهزية الشعبية والمسؤولية التاريخية.
منذ النكبة وحتى اليوم، لم تقم أية حكومة إسرائيلية تعترف بحقوقنا القومية في وطننا، وتعترف بحق شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة، ولم تقم أية حكومة في إسرائيل لم تمارس الظلم والقمع والملاحقة على أبناء شعبنا.
الا ان الحكومة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة قد بزّت سابقاتها في المجاهرة، وفي حجم سفور المنهج العنصري الفاشي، وذلك وفق الاتفاقيات الائتلافية الموقعة بين الأحزاب التي تتشكل منها هذه الحكومة.
لا نقول هذا الكلام بدافع التخويف والترهيب.
لقد مررنا على مفترقات أصعب وأخطر بكثير منذ النكبة، وعبرناها وتجاوزناها وبقينا قابضين على انتمائنا وعلى وطننا وعلى قضيتنا وعلى لغتنا كالقابض على جمرة.
نحن لا نخاف المرحلة وتحدياتها وحكومتها، ولكننا قلقون.. قلقون جدا.
علينا الانتباه الى أبناء شعبنا عموما، وبالأخصّ الى اهلنا في النقب والمدن التاريخية، والى محاولة المؤسسة الاسرائيلية اشعال الحريق من هناك من خلال هدم البيوت وتضييق الحيز العام وإطلاق العنان لأجهزة القمع الرسمية، وتفليت قطعان الفاشية اليهودية وتلفيق اجندة لتبرير ممارسات عدوانية.
يجب الانتباه الى القدس والمسجد الأقصى والمقدسات التي قد تحولها الأوساط الحاكمة وفق اجندتها المعلنة الى مواقد للاستفزاز والعدوان والتحريض.
ان مقدساتنا الإسلامية والمسيحية هي عنوان للعقائد الدينية، وشاهد على الرواية الفلسطينية ومكوِّن مرموق في المعالم الحضارية الإنسانية وعلينا حمايتها وصيانة مكانتها في العقيدة وفي الوجدان الوطني.
من جانب آخر فإنني اعتقد ان استعمال المؤسسة لقانون أساس الدولة اليهودية، الذي سنته الكنيست في تموز 2018، والذي جرى تصنيفه كقانون ابرتهايد فاشي، سيكون أكبر وأوسع في عهد الحكومة القادمة ليتجانس القضائي مع التشريعي مع السياسي مع الاقتصادي مع الإعلامي وليكتمل مشهد النظام الفاشي في إسرائيل وفق المعايير الكلاسيكية للفاشية.
ما العمل:
• الثقة بالنضال الشعبي طويل النفس، وقراءة ما يبيته لك الاخر: الخصم أو العدو، وهذا يتطلب مستوى عالٍ من التفاعل الشعبي والتفاعل مع الشعب ويتطلب إحباط كل مظاهر التثبيط والإحباط من جهة، والتعالي الممجوج من جهة أخرى.
• التمسك بالثوابت الوطنية والديموقراطية المستندة الى مركزية قضية شعبنا الفلسطيني، والى التمسك بحقوقنا القومية والمدنية وبمبادئ المساواة والديموقراطية الحقيقية.
• تعزيز وتشييد عناصر العمل الوحدوي على جميع المستويات وصيانة الهيئات الوحدوية، والنأي بها عما نعلم مسبقا انه مختلف عليه، وصيانة قواسمها المشتركة، وتحديدا لجنة المتابعة واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، وتنفيذ الالتزامات الشعبية والسياسية والتنظيمية والمالية، الكفيلة بمواصلة وتطوير عمل هذه الهيئات، وعدم الاكتفاء بالإعلان عمّا يريده البعض من هذه الهيئات انما الالتزام بما هو ضروري لعمل هذه الهيئات.
تعزيز العمل الشعبي القاعدي، وتحديدا تعزيز عمل اللجان الشعبية في قرانا ومدننا الذي يشكل مفتاحا لشطب اية مساحة من مساحات الاغتراب، التي قد تتشكل بين القيادات السياسية والجمهور الواسع.
• تقوية الأحزاب السياسية، بوصفها التنظيم المجتمعي الارقى والاشمل، وبوصفها المحرك النضالي الاساسي، كي تستعيد دورها كمنظم ومحرّض وصاحب رؤية شاملة، الى جانب العمل المشترك والتكاملي مع مؤسسات المجتمع المدني، والاستفادة من الخبرات المهنية والعلمية مع عدم الخلط وفقدان الحدود بين الحزب السياسي ومؤسسة المجتمع المدني.
ضرورة إقامة تحالفات داعمة لقضيتنا وحقوقنا، سواء كانت تحالفات على قضايا محددة، موضوعا وزمنا، أو تحالفات تحمل عمقا أبعد من ذلك، على المستوى المحلي مع أوساط إسرائيلية تعارض التغوّل اليميني الفاشي على غرار التحالف الواسع، الذي تجنّد لمظاهرة عشرات الألوف التي دعت اليها لجنة المتابعة العليا في تل ابيب في 11\8\2018، بعد سنّ قانون القومية، أو على المستوى الدولي مع مؤسسات وجهات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني في مختلف بلدان العالم.
ان البراغماتية السياسية مطلوبة لتحقيق إنجازات عينية، ولتوسيع هامش المناورة في سياق معين أو لحاجة عينية، الا ان الامعان فيها وتدوير الزوايا التعسفي قد يقود الى الانتهازية، بينما التوغّل فيها وإسقاط الثوابت السياسية أو الوطنية أو الفكرية، قد يقود الى الخيانة، خيانة الذات أولا.
ان معادلة التوازن بين القومي واليومي يجب ان تكون محكومة لميزان الذهب، فلا يجوز تحت أي شرط التفريط بالحقوق الوطنية الجماعية من اجل مكتسبات آنية، لأن ذلك سيقود بالضرورة الى اهدار اليومي وخيانة القومي، ولا يجوز اهدار اليومي بحجة الطهرانية السياسية أو الوطنية أو الفكرية وبالتالي الى اضعاف عنصر هام من عناصر المناعة الشعبية.
علينا، نحن هذا الجزء الحي والفاعل من الشعب الفلسطيني، الاضطلاع بمهمات كبيرة وثقيلة وغير معهودة بفعل هشاشة المشهد الفلسطيني عموما (بما في ذلك غياب الأفق لإنهاء الانقسام البغيض)، وبخصوصية موقعنا الجيوسياسي وبحجم الآمال التي تعلقها علينا قطاعات واسعة من شعبنا الفلسطيني ومن امتنا العربية (والتي لا تخلو من مبالغات قاسية ومؤلمة) حيث تتمثل هذه المهمات في كوننا رأس حربة لفضح زيف الادعاء الصهيوني بشأن "ديموقراطية" إسرائيل، وبشأن ممارساتها القمعية ومناهجها الفاشية.
محاربة عناصر التفكيك والترهل مثل انتشار الجريمة، وتسفيه العام واخضاعه للخاص والطائفية والجهوية وعقلية الاستهلاك.
هذا بذاته يحتاج الى مشروع كفاحي في مواجهة مشاريع التفكيك الإسرائيلية، والى مشاريع بناء مجتمعي تعيد الاعتبار لأولوية الانتماء الجامع، وما المبادرات التي قامت بها لجنة المتابعة الا نماذج لهذا التوجه مثل المشروع الاستراتيجي لمكافحة العنف والجريمة (في 12\12\2019)، الذي جرى اطلاقه والعمل على تنفيذه مع اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، وإقامة لجنة افشاء السلام القطرية المتفرعة عن لجنة المتابعة ولجان افشاء السلام المحلية التي تحقق حضوراً لافتاً وذلك الى جانب تفعيل ملحّ وضروري للجنة لمكافحة العنف المنبثقة عن لجنة المتابعة.
ضرورة وضع القضية الاجتماعية وتحديدا قضايا الفقر والبؤس الاجتماعي، والقضية الطبقية عموما في مكان متقدم في سلم اولوياتنا.
ليس خافيا على أحد ان نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر من اليهود في إسرائيل تبلغ 15% بما يشمل الحريديم، ومن دون الحريديم نسبة 10%، بينما نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر من فلسطينيي الداخل تصل نسبتهم الى 43% بينما الأطفال العرب الفلسطينيين، الذين يعيشون تحت خط الفقر يصلون الى حدود الـ 54% من أطفالنا.
وليس خافيا على أحد ان إسرائيل تستثمر البؤس الاجتماعي في 3 سياقات اساسية:
-استعمال البؤس الاجتماعي كمدخل للإسقاط والابتزاز السياسي للأفراد.
-استعمال البؤس الاجتماعي كوسيلة لزجّ أبنائنا في عالم الاجرام بدافع الربح السريع.
-استعمال الحاجات الأساسية في المجال الطبقي الاجتماعي، للتحكم السياسي على المستوى البلدي وعلى المستوى العام بما في ذلك المستوى البرلماني.
لا شك ان الرأسمالية المتوحشة في إسرائيل، التي تقتضي ليس فقط انتاج أرباح للقطاعات الاقتصادية المتنفذة، انما أيضا الى ضحايا لسياسة التغول الاقتصادي والطبقي، والى دافعي ثمن لهذا الأرباح.
لا شك ان إسرائيل تجني ارباحا باهظة، ليس فقط من تجاراتها الخارجية، وبالأخص تجارة الأسلحة والتقنيات "الأمنية"، الا انها تجني أرباحا هائلة وغير مكلفة من العمالة الأجنبية والعمالة الفلسطينية من المناطق المحتلة 67، وأيضا من القوة الاقتصادية وعمالة فلسطينيي الداخل.
المعنى، ان القضية الطبقية ومحاربة الفقر والنضال من اجل حقوق العمال، ووضع هذه القضية في رأس سلم اولوياتنا تحمل معنىً طبقيا وانسانيا وطنيا لكونها تقلص المساحة، التي تتحرك فيها المؤسسة الإسرائيلية لمسحنا واسقاطنا، وابتزازنا ولتحوليها الى رافعة كفاحية وليس دفيئة لبث الجريمة والانحراف والابتزاز، والإسقاط السياسي، والأخلاقي، والأهلي.
العمل على تطوير المشروع الذي أطلقته لجنة المتابعة منذ العام 2016, تحت عنوان "مؤتمر القدرات البشرية" في مجتمعنا الفلسطيني، الذي يهدف الى تنظيم القدرات البشرية، المهنية والأكاديمية، والاستفادة منها وطنيا ومهنيا في مجالات اختصاصها.
لقد استقطب هذا المؤتمر الذي انعقد على مدار السنوات الماضية المئات من العلماء والأكاديميين، وأصحاب الاختصاص الذين يزخر بهم مجتمعنا والذين يتبوؤون مكانات مرموقة، تشكل مصدراً للثراء المهني والمجتمعي ومصدراً للاعتزاز الوطني.
هذا المشروع يحتاج الى العناية والمشاركة والاستنهاض والتمويل، لأنه يحقق تكاملا بين الوطني السياسي وبين المهني والأكاديمي العلمي، الامر الذي يشكِّل تكاملا مصيريا في واقعنا الوطني وفي واقع التحديات التي تدق ابوابنا.
توظيف جهود استثنائية لمساحة العمل الدولي عموما، وللتواصل مع من أمكن من أبناء الامة العربية وتنظيماتها الداعمة لفلسطين.
ان التجربة التي أطلقناها في لجنة المتابعة في نهاية كانون ثان من العام 2016، تحت عنوان "اليوم العالمي لدعم حقوق الفلسطينيين في الداخل" على مدار عدة سنوات، هي تجربة رائدة وضرورية تحتاج الى التطوير والمثابرة، وتحمل المسؤولية من كل مركبات لجنة المتابعة.