لصاحب الذكرى.. سلامٌ عليك يوم ولدت

d5ac27ef3d43cab70774aacef4bb6ff7.jpg
حجم الخط

بقلم:د. أحمد يوسف


اعتاد إخواننا المسيحيون من أرض فلسطين وحول العالم إحياء ذكرى ميلاد السيد المسيح (عليه السلام) في هذا الوقت من كلَّ عام، وقد تعودنا أن نفرح لفرحهم وأن نبتهج لبهجتهم، وخاصةً من يُساكنوننا منهم الوطن تحت سقف واحد، ويشاركوننا موروث الثقافة والحضارة واللغة، كما يكابدون معنا فكَّ معادلة الخلاص من الاحتلال، ورؤية معالم التحرير والأمل باستعادة مقدرات الوطن السليب.

 

تأتي المناسبات الدينية كعيد الميلاد وغيره فرصة للحشد واجتماع الشمل الفلسطيني، لإبراز الهوية الوطنية والانتماء للأرض التي باركها الله للعالمين.. فرغم كلّ حالات القهر والاضطهاد والحصار الناتجة عن الاحتلال، إلا أنَّ الفلسطيني المسلم والمسيحي يشعر بأنه الإنسان المصطفى من بين جميع خلق الله كلهم، فهذه الأرض هي من اختارها الله لرسله ورسالاته، ومنها خرج نور الميلاد للعديد من أوليائه وأهل معجزاته.


ونحن الفلسطينيين القاطنين فوق هذه الأرض منذ آلاف السنين، لا تنقطع احتفالاتنا بتاريخنا المجيد؛ الإسلامي والمسيحي، رغم كيد الغاصبين من الصهاينة المحتلين.


في هذا العام، كان هناك أكثر من حدث ترك بصمة وأثر علينا، فبعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، التي جاءت باليمين المتطرف وقيادات الصهيونية الدينية ممثلة برئيسي التطرف والإرهاب بن غفير وسومطرتش، أخذت تراود شعبنا الفلسطيني الكثير من المخاوف والحسابات المقلقة، لما تحمله الأيام في قادم وقائعها من تهديدات ومصائب وأخطار.


ولذلك، ربما تتزايد المطالبات بسرعة العمل على رأب الصدع وتحقيق المصالحة، قبل أن نجد أنفسنا أمام تهديدات الطرد (الترانسفير)، في ظلِّ عالم لم تعد فيه القضية الفلسطينية تشكل عبئاً أو قيمة أخلاقية على الضمير الغربي، المشغول بما يجري من حرب في أوكرانيا!! أو التحرشات التي تتوسع في منطقة بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، حيث تتصاعد نذر الحرب، والتي ستشكل -إذا وقعت- حالة إشغال عالمية أخرى بعيدة في جوهر عملياتها عن منطقتنا العربية وقضيتنا الفلسطينية، وهذا ما سيُجرِّئ هؤلاء المتطرفين الدينيين والمتصهينين من عدوانهم على مقدساتنا وأراضينا في الضفة الغربية دون خشية من ردِّة فعل تُذكر.


قد يكون الحادث الثاني أو الأول الذي مرَّ ولن تغييب وقائعه من الذاكرة الفلسطينية المسيحية والمسلمة هو اغتيال الإعلامية شيرين أبو عاقلة برصاص الجيش الإسرائيلي، والوقفة التضامنية للشارع الفلسطيني، الذي خرج في وداعها متحدياً الاحتلال ومطالباً بالقصاص؛ باعتبار أنه صاحب الحق وولي الدم. كانت هذا اللوحة في مشهد العلاقة المسيحية -الإسلامية هي الأروع في تاريخنا الفلسطيني المعاصر، إذ بقدر ما كانت مأساوية الحدث وبشاعة الاعتداء على الجنازة وهي مشهدية فوق مستوى التحمل والتقبل الإنساني، وسيبقى ما شاهدناه من تعاضد وتكاتف والتفاف بمثابة "البوصلة" التي تجمعنا و"الِلحمة" التي توحدنا، و"المسبار" الذي نتحسس به الأخطار.


نعم؛ عيد الميلاد مناسبة ملامحها اجتماعية ووطنية ذات طبيعة دينية يتفاعل معها الكلُّ الفلسطيني، وهي لها الكثير من الدلالات الرمزية التي تؤكد على عروبة هذه الأرض، وإرثها الديني الذي تعود جذوره التاريخية إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام.


أتمنى ونحن نتطلع إلى عام جديد تحبو بشائره على الأبواب، أن نشهد خلاصاً من واقع الاحتلال والحصار، وأن يلتئم الشمل لتتوحد الجهود الفلسطينية في مواجهة الصهاينة والمستوطنين اليهود.


نكرر التهاني لإخواننا الفلسطينيين من المسيحيين بهذه المناسبة التي تُذكرهم بعيسى ابن مريم (عليه السلام) وأمه السيدة العذراء وببيت لحم موطن الميلاد وكنيسة البشارة بالناصرة وكنيسة القيامة بالقدس وكلّ الأماكن التي دخلها عليه السلام بقدميه ووصلت إليها رسالته وحواريه.
سلام عليك يا عيسى ابن مريم في اليوم الذي ولدت ويوم تموت ويوم تُبعث حيَّاً.