«لا يمكن لأي هيئة دولية أن تقرر أن الشعب اليهودي شعب محتل في وطنه وأي قرار لهيئة قضائية تتلقى تفويضها من الأمم المتحدة المفلسة أخلاقياً والمسيسة هو قرار غير شرعي تماماً»، هكذا قال جلعاد أردان سفير إسرائيل مهاجماً الأمم المتحدة قبل اتخاذ قرارها بالطلب من محكمة العدل الدولية إصدار فتوى انتهاكات إسرائيل لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره ومصير الاحتلال.
في كلمة ممثل إسرائيل الكثير مما يمكن قراءته فهو أولاً وبلسان دولته يعلن بشكل أكثر صراحة مما جاء في اتفاقيات الائتلاف أن لا شعب فلسطينياً، ولأن الفتوى القانونية تخص الضفة الغربية فإنّ في إعلان ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة اعترافاً صريحاً ببقاء السيطرة الإسرائيلية كدولة احتلال على الشعب الفلسطيني للأبد.
أما الأمم المتحدة فهي تجمع «للمفلسين أخلاقياً» هكذا بكل بساطة لا يستحق هذا العالم سوى تلك الشتيمة من الطرف الإسرائيلي لأن العالم يتجرأ على التساؤل عن وجود الاحتلال في الضفة الغربية، وكان يجب أن يبارك العالم والدول الأعضاء في الأمم المتحدة هذا الاحتلال.
وللسخرية فإنّ ممثل إسرائيل يعتبر الأمم المتحدة مسيسة كأنه كان يعتقد أن تلك المؤسسة كان يجب أن تعمل في التجارة أو أن تتجمع الأمم فيها لتبادل العلاقات العامة في المناسبات.
رفضت إسرائيل تدخل أي طرف في المفاوضات سابقاً بينها وبين الفلسطينيين، وعملت على تحييد العالم بما فيه الاتحاد الأوروبي الذي تكفل بالإنفاق على محاولات التسوية من موازناته قبل أن يكتشف أكبر عملية خداع في نصف القرن الأخير بأن إسرائيل كانت تستغل المفاوضات لتكريس احتلالها تفاوض وتفاوض حتى تصل إلى مرحلة تكون جرافاتها قد رسمت واقعاً جيوسياسياً لن يبقى ما يمكن التفاوض عليه ... وقد كان.
وترفض أيضاً استشارة محكمة العدل الدولية أو أي مؤسسة من تلك المؤسسات التي أقيمت لفض النزاعات، وهو شكل من أرقى أشكال حل الأزمات بل ويعكس التزاماً أخلاقياً وقانونياً تجاه تلك المؤسسات التي لم تخلق عبثاً بعد الحرب العالمية التي طحنت البشر طبعاً.
وفي السياق ترفض أي احتجاج أو مقاومة من قبل الشعب الفلسطيني حتى بأدنى أشكالها وترفض أي نوع من أنواع الضغط والمقاطعة الخارجية. وهي ترفض كل شيء وأي شيء عدا استمرار سيطرتها على قومية أخرى ومن يعترض فهو مفلس أخلاقياً.. !
هذا هو العرف الإسرائيلي والأخلاق الإسرائيلية التي نمت وترعرعت على حرير الصمت الدولي وبساط الدعم الأميركي والتواطؤ الأوروبي والإعفاء من العقاب.
فلماذا تقيم وزناً لهذا العالم أو لا تعتبره مفلساً أخلاقياً ؟ أو أبعد من ذلك، لماذا لا تعتبر الأمم المتحدة والعالم عبئاً على إسرائيل الدولة الأخلاقية ..!
والدليل أنها تنتح وريث كاهانا بن غفير الذي كانت تتزين صالة منزله بصورة باروخ غولدشتاين الذي ارتكب مذبحة الحرم قبل ثلاثة عقود وكان عضواً في منظمة كاخ. أتريدون أخلاقاً أرفع من هذه؟.
صوتت الأمم المتحدة على واحد من أهم قراراتها، وتنبع أهمية القرار من الظروف التي تغيرت كثيراً عن القرار المشابه الذي اتخذته قبل 18 عاماً بتحويل ملف الجدار لمحكمة العدل والفتوى التي أصدرتها، لقد اختلفت الظروف عن تلك اللحظة ما يجعل الفلسطينيين أكثر جدية في التعاطي مع الفتوى الجديدة، وتلك التغييرات هي:
- ماتت عملية التسوية ولم تعد مطروحه كي يتردد الفلسطينيون عن الدفع أبعد مما يجب خوفاً من التأثير على مسار مفاوضات وإن كان متعثراً.
- دائرة القرار الفلسطيني أصبحت أكثر تشاؤماً وغضباً على إسرائيل. وقد شهد هذا العام عدة مؤشرات منها ما صدر عن الرئيس شخصياً أو تراخي أجهزة الأمن في
الضفة الغربية عن التدخل في الأمن وهو ما اشتكت منه إسرائيل، وإشارات أخرى.
- إسرائيل الآن تنتج حكومة شديدة التطرف تهدد بحريق بات ماثلاً أمام الجميع سيشعل المنطقة، وهو يحمل في طياته نذر العنصرية وتعتبر أن الضفة الغربية ملكية خاصة بالشعب اليهودي.
ورغم كل التغييرات التاريخية ما زالت إسرائيل تقف عند زمن بعيد وهي لا تدرك أن مياهاً كثيرة تجرى في أنهار السياسة وأن انكشافها أمر لا بد منه رغم كل محاولات التخفي وبمساعدة كل خبراء التجميل والاحتجاج في الكونغرس وغيره.
وإذا كانت تعتقد أن العالم يتوقف عن التغيير فهي تقدم له نموذجاً مستفزاً يفرض عليه أن يخرج من حياده غير الأخلاقي.
وعبرت منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل في العريضة التي وقعتها عشرون منظمة عن قلقها من أن «التحالف الجديد سيكون كارثياً على حالة حقوق الإنسان في الضفة الغربية»، حيث جاء في العريضة «لقد جعل الاحتلال والفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة من السيادة اليهودية قانون الأمر الواقع على الأرض وتسعى هذه الحكومة إلى جعلها سياسة رسمية».
قرار الأمم المتحدة مهم، وفتوى محكمة العدل شديدة الأهمية في سياستها وظروفها وليس مهماً إن كان هناك ما يلزم إسرائيل الخارجة عن القانون لكن تنبع أهمية القرار من أنه يراكم ما يزيد الخناق على إسرائيل ويزيد من عزلتها ونبذها وخصوصاً أنها تقدم للعالم ما يقنعه بأنها دولة احتلال ومعادية للسلام وللقانون وللعدالة .....من لا يصدق فليقرأ سيرة حياة سموتريتش - بن غفير..!