عام جديد وعود على بدء.. صون الهوية الجامعة والحاجة للتغيير!

ac1704d7-3eb9-4a14-82af-898c419a13ce-1-1-1-1-1-1-2-1-1.jpeg
حجم الخط

بقلم جمال زقوت

 

 

 شهدت الأيام الأخيرة من العام المنصرم، ما يشبه الثورة الفيسبوكية من قبل كل من يتعاطى الاعلام الاجتماعي، وهي تعكس المزاج العام الكامن لدي الناس. تركز جوهر هذا الحضور الكاسح على تبادل التهاني والأمل بعام أقل صعوبة، الأمر الذي يعكس حقيقة الحاجة الانسانية والوطنية لاستعادة الألفة المغيبة، بفعل تفشي الأنانية الذاتية وأحياناً الطائفية المريضة، وكذلك الحاجة الماسة للتضامن الانساني والاجتماعي بين الناس المهددة هويتهم الجامعة كشعب تستهدفه محاولات تصفية حقوقه، وبات يشعر أمام هذا الخطر بحالة من اليُتم" من يتيم الأبوين"، وتلاشي الاحساس بالأمل، و ربما بالقدرة على مواجهة طوفان العنصرية الذي يهدد هذا الشعب بمصادرة أرضه و مصادر رزقه ومستقبل أبنائه في هذه البلاد.

حجم ظاهرة التواصل تلك تستدعي من الباحثين ومن علماء الاجتماع دراستها، سيما في ظل حالة الفراغ والصراع القيادي، وكذلك في ظل غياب أي مبادرة شعبية جامعة تصون الهوية التي يعصف بها الانقسام وتحديات مخاطر التصفية.

لقد ذهب البعض في السنوات السابقة للاعتقاد بأن الناس قد تغيرت، وأن عقدها الاجتماعي تفكك، و أن أولوياتها باتت مجرد النجاة الفردية"اللهم نفسي". ذلك بفعل فشل المهيمنين على المشهد العام على ضفتي الانقسام، وداخل أطر ما كان يعرف بالحركة الوطنية، حيث ساد الجفاف السياسي، الذي يطفو على سطحه كل أشكال صراع المستنقع، ويهدد بالانهيار .

في هذه الأجواء، و ربما لذات الأسباب، تعلقت جماهير فتح بمناسبة انطلاقتها في حبل النجاة الذي تستمده من موروثها كقائدة للحركة الوطنية ومشروعها الكفاحي، و رموزها التاريخية من المؤسسين الرواد وفي مقدمتهم الزعيم التاريخي أبو عمار، وأبو إياد و أبو جهاد وأبو الهول وكمال عدوان وأبو يوسف النجار ، ومعهم قادة دشنوا تاريخ هذه الثورة في مقدمتهم حيدر عبد الشافي وغسان كنفاني و فتحي الشقاقي وجورج حبش وأبو علي مصطفى وجيڤارا غزة و ممدوح نوفل وخالد نزال وعمر القاسم وبشير البرغوثي وسليمان النجاب وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي واسماعيل أبو شنب، وعشرات بل مئات الشهداء من القادة الميدانيين وآخرهم ناصر أبو حميد، الذين قدموا حياتهم لفكرة الحرية المتقدة في قلوب ملايين المشردين، وأولئك الذين يواجهون خطر استكمال النكبة بالاقتلاع والتهجير الذي يشكل جوهر سياسة حكومة الاحتلال ذات النزعات العنصرية والفاشية.

أوسلو وجذور صعود الفاشية في اسرائيل

مظاهر التواصل في العام الجديد، وحشود الاحتفال بانطلاقة فتح والثورة، يمكن قراءة كل منهما، بأنها محاولات شعبية عريضة للبحث عن الذات واستعادة الفكرة الجامعة والثورة والانتفاضة المغدورتين، والحاجة للوحدة لصون الهوية المهددة، التي طالما سعت اسرائيل لتبديدها، وهذا ما ترصده تجربة مسار أوسلو، حيث تعاملت اسرائيل بكل أركان نظامها السياسي معه لتقويض ارادة الحرية والاستقلال، واستمرت تنزلق تدريجياً في مستنقع العنصرية المتصاعدة، متمترسةً خلف روايتها التوراتية برفض الاعتراف بحق شعبنا في تقرير المصير . فقط الانتفاضة الكبرى “1987" كانت قد تمكنت من احداث شرخ في هذه العقيدة العنصرية، فاستخدم عتاة الفكر الصهيوني مسار أوسلو للالتفاف عليها واستعادة الاجماع على روايتهم، كما نجحوا من خلال ما يسمى برسائل الاعتراف المتبادل في احداث شرخ مضاد في روايتنا التاريخية باعتراف المنظمة بحق اسرائيل في الوجود بأمن وسلام في هذه البلاد دون اعترافها بحقنا في تقرير المصير.

هذا الفكر العنصري هو الذي استحضر عتاة الفاشية لمقود النظام السياسي الرسمي في اسرائيل، بعد أن كانوا بالنسبة له مجرد ارهابيين يشكلون خطراً على مستقبل الصهيونية، كما كانوا يعلنون. صحيح أن الفاشية الدينية قد تكون المعول الأكثر خطورة على مستقبل اسرائيل كما يشعر معظم الليبراليين اليهود، ولكن الأصح هو أن هذا التحول جاء بفعل تمسك حتى هؤلاء بالاحتلال، والاجماع الصهيوني على التنكر لحق شعبنا في تقرير المصير، ولا يمكن مواجهة صعود الفاشية من قبل المستشعرين بخطرها على اسرائيل سوى باقتلاع الاحتلال والاستيطان الذي طالما شكل البنية التحتية للفكر الديني العنصري، والذي صعد لسدة الحكم بفعل عدم ادراك خطر ذلك السرطان المتمدد داخل اسرائيل ذاتها.

هذا الواقع الذي يعكس روح الخطر ربما على جانبي ما يسمى بالخط الأخطر، يستدعي منا أولاً التقاط ما يتضمنه من مظاهر واستخدام قواعد علم النفس السياسي في تحليل دلالاتها، ويبدو أن جوهرها يكمن أساساً في الفراغ القيادي والشعور بخطر الانهيار ليس فقط كنظام سياسي، بل وكخطر على الجماعة الوطنية الفلسطينية كشعب له حقوق وطنية طبيعية وتاريخية وفق قواعد القانون الدولي .

كفى للمراوغة والشعارات المستهلكة

مهمة القيادة أي قيادة أن تلتقط رسالة هذا المزاج العام، وتحولها إلى رؤية سياسية جامعة، تتجاوز تمجيد الماضي، و البحث عن انتصارات وهمية، أو تحويل الحاجة لحوار وطني، و الحاجة القصوى للوحدة لمجرد شعارات استهلاكية، لا تتجاوز استمرار كل طرف في القاء الكرة في ملعب الطرف الآخر من الانقسام 

الدول المستقلة التي تواجه مخاطر أقل مما يتربص بنا تتوجه لحالة الطوارئ التي تستدعي تغليب المصالح الوطنية والتقدم نحو الاتفاق على حكومة وحدة انتقالية لمواجهة الخطر الداهم . هذا هو المطلوب وعلى وجه السرعة، بينما تستمر "قيادات" الهيمنة على ضفتي الانقسام دون أن تحرك ساكنا خارج أطواق الانتظار الانقسامية وانضاج أزمة قد تؤدي لانهيار أي منهما.

الحاجة لمبادرة شعبية عريضة

أمام مثل هذه الحالة، ما الذي يمكن عمله غير التقاط هذا المزاج الشعبي والفتحاوي العام، والتقدم بمبادرة وحدوية جامعة جوهرها التمسك بقواعد الوحدة والديمقراطية، والحاجة لتوفير مقومات الصمود الشعبي والميداني .

إن هذا يتطلب أن تتقدم مجموعة طليعية من الوطنيين والديمقراطيين لبلورة مبادرة جامعة تستند لأوسع مشاركة شعبية من أجل الضغط بكل الأشكال المتاحة والمتصاعدة بصورة متدرجة للذهاب نحو معركة الديمقراطية في مواجهة الاحتلال وكل مظاهر التقادم والتيبس في النظام السياسي.

ان تحقيق هذا الهدف يتطلب انشاء حكومة وحدة وطنية انتقالية تضم أغلبية من الوطنيين المستقلين أولويتها العليا تعزيز صمود الناس في مواجهة مشروع الاقتلاع والتهجير الاستيطاني، وفي نفس الوقت تطلق الحريات العامة لتوفير مناخ ديمقراطي حقيقي يجعل من الانتخابات ليس مجرد عرس ديمقراطي لاستعادة وصون الانجازات الديمقراطية من التبديد، بل معركة مع الاحتلال وكشف زيف ادعاءاته بالديمقراطية خاصة في مدينة القدس المحتلة ، دون انتظار موافقة أي جهة غير فلسطينية سيما من حكومة الاحتلال العنصري .

نعم نحن بأمس الحاجة لتحرك شعبي متعدد الاشكال، دون انتظار مزيد من الكلام الاستهلاكي للتهرب من المسؤولية في أقبية الحوار و مواقع الردح الاعلامي.

الطبيعة تصدق وعدها فماذا نحن فاعلون؟

اذا كان العام الجديد قد بدأ واستمرت معه الرياح العاتية دون أمطار، وهي تنبش غبار ما علق بحياتنا من احباطات أثقلت كواهلنا، فإن المطر قد يأتي بالدعاء أو بوعد الطبيعة التي دوما تصدق وعدها. أما جفاف السياسية وتيبس محتكريها، فيحتاج لرياح أفعال جدية وقادرة على ازاحة غبار مرحلة تكاد تعصف بنا وبقدرتنا على البقاء. تماماً كما يفعل عبد الحميد بشارات " أبوصقر" الذي يتصدى للاحتلال والاستيطان، ويقاتل من أجل البقاء ، دون أن تمد يد العون لأهل الاغوار سوى بحلو الكلام، كما كانت زيارات بعض المسؤولين للمرحوم الحاج سامي صادق بطل المقاومة الشعبية في قرية العقبة وعموم الأغوار، فقط لالتقاط الصور معه والتغني بصمود العقبة دون تقديم ما تحتاجه من وسائل هذا الصمود .

هل وصلت الرسالة يا "قوم الصراع" على خلافة لم تضمن لأبو صقر مجرد شربة ماء ؟!