محطة العدوانية الجديدة في اقتحام المقدس الوطني والديني، المسجد الأقصى، من قبل أحد رؤوس الفاشية المستحدثة الحاكمة في دولة الكيان إيتمار بن غفير، كانت الخبر الأبرز وطنيا، شعبيا، رسميا وفصائليا، الى جانب المحيط الإقليمي والدولي، خاصة وأنها جاءت لتكرار ما فشل به شارون سبتمبر (2000) في محاولة اقتحامية فتحت باب أوسع مواجهة دامت 4 سنوات.
وزاد الاهتمام الإعلامي بالحدث العدواني، ارتباطا بكمية البيانات والتهديدات التي صدرت فلسطينيا، من السلطة وأركانها، وحكومة حماس وفصيلها ومعها تحالفها، وما يسمى بـ "غرفة مشتركة" لأجنحة عسكرية غالبها مظهري، تهديدات لم تترك كلمة وعبارة لم تتطرق لها، ووعيد ناري الى ما يقارب العبارة الشهيرة "تجوع يا سمك"، لو قام الإرهابي بن غفير بتنفيذ ما قال ويقتحم الحرم القدسي، أو تجاوز "الخط الأحمر".
وبكل استخفاف بما سبق، وما صدر وما كان، ذهب الفاشي الصغير ونفذ ما قاله، بعدما حصل على موافقة نتنياهو رأس الطغمة الحاكمة، وجهاز الأمن الداخلي المعروف بـ الشاباك، الذي طمأنه تماما بعدم وجود "خطر" ما بعد الاقتحام، ولن يتكرر ما كان يوما خلال "الزمن العرفاتي" سبتمبر (2000)، وسيمر الأمر بـ "هدوء وسلام" كاملين.
والحقيقة، أن ما قاله الجهاز الأمني لدولة العدو، ربما جاء أقل تقديرا مما حدث، من صفر رد فعل، وهو ما لم يحدث مطلقا مع أي اقتحامات سابقة، حيث المواجهة بشكل أو بآخر تكون حاضرة من المتواجدين دوما في المسجد الأقصى، أو المصلين فجرا، كما مرت الضفة وقطاع غزة بما يماثل ما كان في القدس، هدوءا مطلقا وزيارة "آمنة سالمة".
وسريعا، أعلنت ما تسمى بـ "الغرفة المشتركة" في قطاع غزة، وكان الاعتقاد أنها ستعلن خطة رد عسكري ممنهج، بصفتها "غرفة الأركان المسلحة" لا تقيم بالا للبيانات السياسية المكلفة بها "لجنة" تحمل مسمى آخر من الصعب كتابته في كل خبر أو مقال، فجاءت المفاجأة، ان "العسكر" تحولوا الى كلمنجية، مبررين أنهم لن يذهبوا الى أي خيار غير الكلام بعدما "نضجوا" في التفكير ولن يكونوا متسرعين، وسيأخذوا وقتهم للتفكير..قبل "الانجرار" الى تكتيك العدو.
فيما ذهب إعلام حركة حماس الرسمي منه والحزبي (تمتلك عشرات الوكالات والمواقع والقنوات التلفزية والإذاعية) داخل الوطن وخارجه، الى جانب الوسائل المكملة معها، خاصة القادمة من قطر، الى اعتبار أن تهديداتها أثمرت بأن يقوم بن غفير باقتحام الحرم القدسي "سرا" وتحت حماية الشرطة الاحتلالية، بينما لجأت قوى أخرى، الى تكرار تهديد ما قبل الاقتحام، وكأن الوعي قد غاب عنها.
وكانت السلطة الفلسطينية وإعلامها، (تملك 4 محطات تلفزية وعدد من الإذاعات ووكالات ومواقع)، يفوق ما لدول وكيانات، مشغول بتغطية الخبر، ولم يصدر أي موقف سوى بعد مرور ساعات ليكون الأمر وصفا وبكاءا، حتى خرج بيان مساء يوم الغزوة البن غفيرية بقرار الذهاب الى مجلس الأمن، بعدما طالب مسؤوليها أمريكا بتحمل مسؤوليتها، في لغة تبدو وكأن واشنطن هي "الراعي الرسمي" للسلطة الفلسطينية.
لعلها، المرة الأولى، التي تصبح مواقف الحزبيات والسلطة وحكومة حماس وغرفتها الخاصة والعامة، مجالا للسخرية والتندر الشعبي، ما أجبر بعضهم الى اللجوء لتبرير ما برروه، ولكنهم وقعوا في "سذاجة" مضاعفة، ما كشف سقوطهم في اختبار "الذكاء الاجتماعي" ليصبح المقدس لهم كيفية حماية "المصالح الحزبية وعجز الفصيل"، وليس مواجهة الفعل الاقتحامي، وخاصة تعبير كان هو الأكثر سخرية، بأن "المعركة" لن يفرضها العدو، بل وفق زمان ومكان تحدده هي، ما يعيد للذاكرة بيانات أنظمة عربية.
ومن باب المفارقات، ان الغزوة الاقتحامية البن غفيرية أنجبت فائدة سياسية، بفضحها "مكذبة الخطوط الحمر" ومعها خطوط كل الألوان، وكشفت عورة مدعين ثرثارين، بأن "الحزب – السلطة – الحكومة" مصالحا وامتيازات هي "المقدس الوطني"، وليس "القضية الوطنية" التي تحولت بالنسبة لهم الى قاطرة جمع الامتيازات وتراكم الثروة بأشكالها المتعددة.
هل تكون "فضيحة البرم الكلامي" مقدمة لتغيير الوعي الشعبي، بأن فعل المواجهة بداية ونهاية "وثقافة الرد العرفاتي" لن يكون سوى من بين من لا يخافون على مصالح وامتيازات..ولا ولاء لهم سوى قضية وطن كان يسمى فلسطين وسيبقى يسمى فلسطين..وغيره غث والى زوال!
ملاحظة: حسن نصرالله الذي لا يستطيع الظهور تحت الشمس جبنا، هدد دولة الكيان بـ"حرب ثانية" (الأولى برأيه 2006) لو تجاوزت الخط الأحمر في القدس..مش قصتنا مكذبته ورغيه..لكنه تجاهل كليا أطول مواجهة حدثت مع العدو من 2000 – 2004 بدأت من القدس ولأجلها، قادها واستشهد بها الخالد ياسر عرفات..حقد فارسي من طراز جديد..الانحطاط دائم!
تنويه خاص: لأول مرة من (100) سنة تفشل أمريكا في انتخاب رئيس لمجلس نوابها...الفشل كان خبرا ساطعا..يبدو أن "هيبة" الأمريكان تنزلق بسرعة زيادة عن التفكير...اللي صار مش حدث رقمي لكنه حدث سياسي بامتياز..كل انكسار لهم ربح للناس!