وباتت إسرائيل تتحدث عن "أيام سوداء" وآخر هذه الأيام، وربما أبرزها يوم الاثنين الماضي، فإسرائيل المحاصرة سياسياً، واقتصادياً وجامعياً نسبياً، عاشت في ذلك اليوم يوماً أسود على صعيد اشتداد هذا النوع من الحصار، وهو أسود، لأن هذا الحصار جاء من "الحلفاء" الذين لطّخوا تاريخهم بالانتصار لإسرائيل والوقوف، ليس إلى جانبها فحسب، بل وفي أحيان كثيرة، كانوا إسرائيليين أكثر من أي قيادي إسرائيلي، هذا اليوم الأسود، كان أبطاله السفير الأميركي في إسرائيل والاتحاد الأوروبي، في "صدفة" جمعتهما يوم الاثنين الماضي، مع أن ذلك اليوم، أيضاً، كان لافتاً بشكل أوضح مع صدور تقرير "هيومن رايتس ووتش" والذي حمل عنوان "المتاجرة مع الاحتلال" وإذا كان هذا ليس التقرير الأول الذي يصدر عن هذه المؤسسة بخصوص الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق المواطن الفلسطيني، إلاّ أنه الأكثر تركيزاً وإدانة مباشرة وبلغة قوية محدّدة، ما يجعله التقرير الأكثر إحراجاً للدولة العبرية، ومع أننا لم نضعه بالضبط إلى جانب الحراك الأوروبي والأميركي باتجاه المزيد من الحصار الإسرائيلي، فذلك لأن هذه المؤسسة تابعت دائماً في تقريرها إدانة الإجراءات الإسرائيلية، وليس كما كان الأمر ـ باستثناء السنوات القليلة الماضية نسبياً ـ فإن كلاً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حتى عندما كانا يشجبان الإجراءات الإسرائيلية، إلاّ أنهما تطوعا في إيجاد المبررات لهذه الإجراءات، عكس تقارير "هيومن رايتس ووتش".
فقبل ظهر يوم الاثنين الأسود، أطلق سفير أميركا في إسرائيل، دان شابيرو، صديق الدولة العبرية، تصريحات غير مسبوقة حول سياسة إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة، تصريحات مفاجئة ولاذعة: "هناك الكثير جداً من الحالات التي ينفذ فيها الإسرائيليون عمليات إجرامية، ولا يجري التحقيق فيها، أو ليست هناك تحقيقات وافية، وأحياناً يبدو أن إسرائيل تستخدم معيارين لفرض القانون في الضفة الغربية، أحدهما لليهود وآخر للفلسطينيين".
الرد الإسرائيلي جاء سريعاً على لسان رئيس الحكومة نتنياهو، إلاّ أن هذا الرد التفّ على اتهامات شابيرو الواضحة والمباشرة، إذ جاء مكرراً اتهامات دائمة ورداً تقليدياً معروفاً: "السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن الجمود السياسي وهي التي تواصل التحريض وترفض المفاوضات".
الولايات المتحدة، أدانت دائماً الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية بما فيها القدس، واعتبرتها مناطق محتلة وأن الاستيطان غير شرعي، إلاّ أن هذه الإدانات، كانت تترافق باستمرار بإيجاد المبررات والأعذار التي تترجم عملياً بالوقوف لإسناد إسرائيل في المحافل الدولية، وتبدع بشكل أوتوماتيكي باستخدام حق النقض "الفيتو" لصالحها باستمرار، إلاّ أن اللهجة الدقيقة لإدانة إسرائيل في سياق "فرض القانون التمييزي" كان الأكثر وضوحاً في إدانة مباشرة وواضحة واتهام جدّي لأحد العناصر الجوهرية للممارسة الاحتلالية الإسرائيلية، لم يسبق أن كان مجالاً للإدانة، أو الرقابة على أقل تقدير، وربما هذا ما جعل من تصريحات شبيرو، تأخذ منحىً مختلفاً، في سياق ما يشار حول تغيير واضح في السياسة الأميركية مع الحليف الاستراتيجي، إسرائيل، حسب العديد من المحلّلين الإسرائيليين، مع أن ذلك، لن يغير الكثير باعتبار أن مثل هذه السياسة تأتي في الوقت الضائع والأشهر الأخيرة من تواجد إدارة اوباما في البيت الأبيض، هذا بفرض أن هناك تغييراً جدياً على تلك السياسة!
أما بعد الظهر، فقد طال انتظار المتابعين السياسيين في إسرائيل، لصدور القرارات النهائية لاجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، بعدما تسرب الكثير منها وقيل إن الخارجية الإسرائيلية فشلت في التخفيف من صياغة القرارات والمواقف، واعتبرت بعض الأصوات في إسرائيل أن مواقف الاتحاد الأوروبي تعكس فشلاً دبلوماسياً خطيراً، وباتت وزارة الخارجية عاجزة عن صدّ الحصار السياسي المتواصل على الدولة العبرية، وكأن الأمر لا يعدو فهلوة سياسية ودبلوماسية، مع تجاهل تام للرأي العام الذي أخذ يراقب السياسات الوحشية والدموية في مواجهة الأرض والشعب في فلسطين المحتلة عام 1967.
ليس هناك من جديد من الناحية العملية في نتائج اجتماع وزراء الخارجية للاتحاد الأوروبي، إلاّ لناحية التأكيد على الإجراءات وأنها ستتم بشكل جدي وبدون تأجيل لجهة لصق ملصقات تميز إنتاج المستوطنات عن باقي الإنتاج الإسرائيلي، وأن هذا التمييز لا يعود إلى تمسك الاتحاد الأوروبي بحل الدولتين، وتعزيزاً للجهود المحتملة للعودة إلى المفاوضات وفقاً لهذا الحل. وزارة الخارجية تصدّت لهذه النتائج، وكما فعل نتنياهو في رده على شابيرو، قالت في ردها إن "الاتحاد الأوروبي مستمر في التعامل مع إسرائيل بمعيار مزدوج، مع تجاهل مسؤولية السلطة الفلسطينية عن الجمود السياسي والتحريض الذي يغذي موجة الارهاب الفلسطيني".
إن قيمة هذه المواقف، التي من دون شك يجب تثمينها والترحيب بها، يتوقف على ترجمتها سياسياً واقتصادياً بشكل مباشر وبدون ذرائع أو مبررات، سواء على صعيد الاستيطان، أو على صعيد الاحتلال باعتباره ركيزة الاستيطان الأساسية. إن ترجمة هذه المواقف يتطلب جهداً فلسطينياً وعربياً لكي لا تبقى في اطار لحظة تاريخية يغادرها الزمن من دون أن تجعل منها تاريخاً للمستقبل!!