هارتس : استفزاز بن غفير يقدم خدمة كبيرة للفلسطينيين

جاكي-خوري.jpeg
حجم الخط

بقلم: جاكي خوري



حصل ظهور وزير الامن القومي، ايتمار بن غفير، صباح الثلاثاء، على مدخل الحرم على صدى اعلامي واسع وردود على النطاق الدولي. مع ذلك، الزيارة حتى لو أنها استمرت فترة زمنية محدودة جدا، إلا أنها مرت دون أي حادثة على الارض وبصورة سهلة من ناحية عملية. رئيس قوة يهودية، الذي كانت كل زيارته وصفة لانفجار وتصادم، دخل في هذه المرة باحات الحرم، وهو يحمل منصب وزير الامن القومي، بل بعد بضع ساعات على تعيينه في الكابنت السياسي الامني. تجول في باحات الحرم، والتقط الصور هناك، وفي غضون ذلك استفز "حماس" والفلسطينيين. في الشرطة وفي محيط الوزير يمكنهم الادعاء بأن ذلك كان انتصارا تكتيكيا.
مر الحدث ايضا بهدوء رغم كل النداءات والتهديدات، سواء من السلطة الفلسطينية في رام الله أو من "حماس" في قطاع غزة، وحتى من رئيس المعارضة، يائير لبيد، بأن هذه الزيارة ستشعل المنطقة وستزيد سفك الدماء. صورة بن غفير، الذي تم توثيقه وهو يخرج لسانه لمعارضيه في الكنيست، يمكن أن تكون مناسبة هنا ايضا. وربما لو أن الامر كان يتعلق به لكان سيعيد هذه اللقطة امام الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وزعيم "حماس" في القطاع، يحيى السنوار، وبالتأكيد امام لبيد.
تفسير غياب رد الفلسطينيين في القدس لا يتعلق بالتحديد بنفس هذه العوامل. على الارض لا يوجد للسلطة الفلسطينية، وبالتأكيد لـ "حماس"، أي بنية تحتية تنظيمية في القدس التي يمكن أن تملي جدول الاعمال العام وأن تخرج الجمهور الى الشوارع. يبدو أن هذا يمكن أن يعطي لاسرائيل افضلية والادعاء بالسيطرة. ولكن عمليا لا توجد هنا أي افضلية، بالعكس، لقد كانت هناك اوقات كان فيها التحدث مع رجال من حركة فتح في السلطة أو في القيادة الفلسطينية في شرق القدس، هو الذي منع حدوث العنف وسفك الدماء.
السلوك في القدس في السنوات الاخيرة شعبي بالاساس، وهو ينمو ويتطور على الارض وغير متوقع. قضية البوابات الالكترونية على بوابات الحرم في العام 2017 والاحتجاج في الشيخ جراح، وحتى احداث عملية "حارس الاسوار" في 2021، التي تطورت من حدوث كثيف للشباب على درج باب العامود، أثبتت أن من يحدد النغمة في شرق القدس غير مرتبط أبدا بقيادة سياسية لفصيل معين. هذا احتجاج يمكن أن يندلع في لحظة ويجر خلفه الجمهور بدون أي انذار أو أي توجيه من غزة أو من رام الله.
بناء على ذلك فان ما مر بهدوء قبل ايام لا يعطي أي ضمانة لما ربما سيتطور في الغد أو في المستقبل القريب. احتجاج وانتفاضة في القدس حول المسجد الاقصى سيدويان ايضا في فضاء اوسع، الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الخط الاخضر ايضا. واذا لم يكن هذا كافيا، ايضا في عمان وفي القاهرة وحتى في الرياض وفي أبو ظبي. حتى هناك هم ليسوا لامبالين بمغزى الزيارة. ويكفي فحص تسلسل الردود من اجل فهم الرسالة، حكم القدس، لا سيما الحرم، ليس مثل حكم غزة وجنين. عدد القتلى في السنة الاخيرة في الضفة الغربية لم يستدع اصدار بيانات دولية الحجم الذي كان للزيارة. مع رمزية المسجد الاقصى والقدس فان أحدا لن ينجح في التنافس.
مع ذلك، اذا كان بن غفير والشرطة يرسمون علامات الانتصار فان هذه الزيارة، بأثر رجعي، خدمت بشكل كبير جدا الدعاية الفلسطينية، حتى لو لم تسجل أي حادثة عنف واحدة. في القيادة الفلسطينية كان يمكنهم فقط الحلم بعقد مجلس الامن خلال اسبوع من اداء حكومة نتنياهو لليمين، والحصول على الدعم العربي والاسلامي، وحتى رد أميركي يتبنى موقفهم بشأن الوضع القائم في القدس. يتخذ هذا الموقف بعد اقل من اسبوع من مصادقة الجمعية العمومية للامم المتحدة على مشروع القرار الفلسطيني الذي طالب برأي استشاري من محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن التداعيات القانونية لاستمرار الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية وفي شرقي القدس.
في اسرائيل بالطبع يهاجمون القرار، وهم يهددون بعدم التعاون، لكن في غضون اسبوع سيتعين عليهم مواجهة انعقاد مجلس الامن وبيانات ادانة من كل العالم. قام بن غفير بزيارة الحرم ودغدغ غروره، وربما غرور بعض ناخبيه. عمليا، هو قدم خدمة مؤثرة للدعاية الفلسطينية ولمكانة الحرم في العالم العربي والاسلامي، وربما ايضا سيطالب بأحقيته في شعار "بن غفير جيد للعرب".

عن "هآرتس"