عقد مجلس الأمن أمس، جلسة مفتوحة حول مسألة "حماية المدنيين في النزاعات المسلحة" التي نظمتها أوروغواي، رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر.
وشدد المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك رياض منصور على الضرورة الملحة لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني أكثر من أي وقت، بسبب استخدام السلطة القائمة بالاحتلال القوة المفرطة والعشوائية ضد المدنيين الفلسطينيين وعدم احترامها لحقوق الإنسان وأحكام القانون الإنساني الدولي، وهو ما يتطلب اهتماما وعملا دوليا متواصلا.
وناشد منصور المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، النهوض بمسؤولياته والعمل على حماية المدنيين الأبرياء واحترام حقوق الإنسان في فلسطين وفي كل مكان آخر في العالم حيث يعاني المدنيون من كوارث الحرب من أجل استعادة مصداقية القانون الإنساني الدولي ومصداقية مجلس الأمن نفسه.
وقال "إننا نجتمع في لحظة حرجة تشهد معاناة هائلة لملايين المدنيين في النزاعات حول العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتحمل المدنيون مآسي النزاعات المسلحة بجميع أشكالها، بما في ذلك الاحتلال الأجنبي".
وتابع السفير منصور "أن الشعب الفلسطيني لا يزال يعاني من مظالم النكبة عام 1948، بما في ذلك وجود 5.5 مليون لاجئ فلسطيني يشكلون أكبر وأطول أزمة لاجئين في العالم، كما يعاني الشعب الفلسطيني من وحشية الاحتلال العسكري الإسرائيلي غير القانوني منذ ما يقرب من نصف قرن، وتستمر معاناته بسبب فشل المجتمع الدولي في التوصل إلى حل عادل للنزاع، على الرغم من قرارات الأمم المتحدة التي لا تعد ولا تحصى وأيضا بسبب عجزه عن تحقيق احترام القانون الإنساني الدولي، في مواجهة الانتهاكات الخطيرة وضمان حماية المدنيين إلى أن يتحقق هذا الحل".
وأضاف أن مجلس الأمن أكد مرارا وتكرارا انطباق القانون الإنساني الدولي، وخاصة اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب، على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وضمان الحماية للمدنيين في حالات النزاع المسلح، "ومع ذلك استمرت مأساة المدنيين في النزاعات المسلحة نتيجة لعدم احترام القانون الإنساني الدولي في الكثير من الظروف وعدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات والمخالفات الجسيمة، بما فيها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، التي لا تزال تسبب الأذى والمعاناة للشعب الفلسطيني مع الإفلات المطلق من العقاب".
وقال: "إننا طالبنا مرارا وتكرارا بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، ليس فقط في الفترة الأخيرة ولكن على مدى عقود عانى شعبنا خلالها من القهر والقسوة تحت الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك قتل وإصابة المدنيين في الغارات العسكرية، وعمليات القصف والهجمات الإرهابية والاعتقال والسجن وسوء المعاملة والتعذيب، والتهجير القسري، والحصار غير القانوني وتدابير قاسية أخرى من العقاب الجماعي".
وأشار السفير منصور، في هذا الصدد، إلى اعتماد مجلس الأمن القرار 605 في عام 1987 الذي وضع بالاعتبار الحاجة إلى النظر في اتخاذ تدابير تكفل الحماية للسكان المدنيين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وطلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة أن يدرس الحالة الراهنة في الأرض المحتلة وأن يقدم تقريرا بشأن الطرق والوسائل الكفيلة لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وقال: "للأسف لم يتم تنفيذ التوصيات التي تضمنها التقرير بسبب رفض إسرائيل لهذا القرار وغياب الإرادة السياسية لمحاسبتها والإصرار على احترامها للقانون الإنساني الدولي لضمان حماية المدنيين الخاضعين لاحتلالها".
وبين أنه أعقب القرار 605 قرارات أخرى داعية إلى احترام القانون الإنساني الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، وخاصة القرار 904 لعام 1994، الذي أعرب فيه مجلس الأمن عن قلقه البالغ إزاء الخسائر في الأرواح بين الفلسطينيين وتأكيد الحاجة إلى توفير الحماية والأمن للشعب الفلسطيني، ودعا إلى اتخاذ تدابير لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض المحتلة، بما في ذلك، في جملة أمور، وجود دولي أو أجنبي مؤقت.
وأضاف السفير منصور أنه تم التأكيد مرارا على التزامات السلطة القائمة بالاحتلال وفقا للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك ضمان سلامة ورفاه السكان المدنيين الفلسطينيين، وذلك من قبل مجلس الأمن والجمعية العامة ومؤتمرات الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة والمفوضين الساميين لحقوق الإنسان، بما في ذلك ماري روبنسون، التي أكدت عام 2001 أن حماية ضحايا النزاعات المسلحة ينبغي أن يكون الشغل الشاغل للأمم المتحدة ووكالاتها وبرامجها، ويجب أن تتم الحماية للشعوب في الأراضي المحتلة في امتثال صارم لاتفاقية جنيف الرابعة، و"لكن هذه الدعوات ذهبت أدراج الرياح".
وذكر أن الانتهاكات التي ترتكب بحق المدنيين الفلسطينيين لم تتوقف ومستمرة حتى الوقت الحاضر، وبكثافة أشد، كما شهدنا في سلسلة الحروب الإسرائيلية ضد قطاع غزة ووحشية الحصار المفروض عليه وفي الغارات العسكرية والإعدامات الميدانية خارج نطاق القانون التي تستهدف الشباب والأطفال الفلسطينيين بشكل خاص، وأعمال الإرهاب والعنف من قبل المستوطنين الإسرائيليين، كما أن الحملة الاستيطانية الاستعمارية الإسرائيلية مستمرة، كل ذلك مع الإفلات التام من العقاب، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة إلى توفير الحماية للشعب الفلسطيني.
وشدد السفير منصور على أنه تقع على المجتمع الدولي مسؤوليات واضحة في هذا الصدد، لا سيما مجلس الأمن والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، وقد تم التأكيد على هذه المسؤوليات في تقرير الفريق المستقل الرفيع المستوى المعني بعمليات السلام، الذي شدد على أن حماية المدنيين في النزاعات المسلحة هو المبدأ الأساسي للقانون الإنساني الدولي وهي مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق الأمم المتحدة، وانتقد التقرير القيود النظامية، بما في ذلك عدم وجود توافق في الآراء بين أعضاء مجلس الأمن الذي حال دون تحرك الأمم المتحدة لتوفير الحماية للمدنيين في العديد من النزاعات.
وأشار السفير منصور، في كلمته، إلى ضرورة النظر في الدراسة التي أعدتها الدائرة القانونية بالأمم المتحدة حول مسألة توفير الحماية للمدنيين وغيرها من التقارير ذات الصلة، من أجل تعزيز قدرة مجلس الأمن لتلبية احتياجات الحماية في حالات النزاع المسلح، بما في ذلك الاحتلال الأجنبي، وينبغي أن يكون لهذا الهدف أولوية في جهود المجلس لإنهاء النزاعات وتشجيع الحلول السلمية لها، بما يتفق مع واجباته المنصوص عليها في الميثاق ومع أحكام القانون الإنساني الدولي.