هارتس : زيارة بن غفير للحرم تمنح "حماس" إسناداً عربياً، أميركياً، وأوروبياً

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل



اليقظة التي رافقت زيارة إيتمار بن غفير للحرم (المسجد الأقصى) لم تتلاش بعد. حيث تستعد الشرطة وقوات الأمن لصلاة الجمعة في المسجد الأقصى، قد تتطور إلى رد فعل فلسطيني عاصف على خلفية دعوة "حماس" للجمهور بالحضور بشكل جماعي. السيناريو الكابوسي الذي بحسبه ستتطور المواجهات بين المصلين وبين الشرطة إلى إطلاق النار والقتل ووصولا إلى إطلاق الصواريخ، هو الذي يملي طبيعة الاستعدادات، وتحققه يمكن أن يحسم ليس فقط نتيجة المواجهات في القدس، بل كل الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية.
وقالت مصادر إسرائيلية للصحيفة، إن مصر شغلت جهازها الاستخباري – الدبلوماسي أمام "حماس" منذ زيارة بن غفير. في وسائل الإعلام التابعة لـ"حماس" نشر أن المنظمة أوضحت للمبعوثين المصريين بأن التفاهمات التي تم التوصل إليها مع إسرائيل بوساطة مصرية بعد عملية "حارس الأسوار" وعمليات أخرى يمكن أن تتحطم، وأن افتراض إسرائيل الذي بحسبه "لا توجد أي مصلحة لـ(حماس) في فتح جبهة عسكرية الآن" لا يمكن أن يكون أحادي الجانب.
أبلغ المصريون قيادة "حماس" بأنه مع تهنئة الرئيس المصري لنتنياهو على تشكيل حكومته أرسل إليه أيضا إشارات تحذير واضحة. وقالت مصادر في إسرائيل للصحيفة، إن نتنياهو وعد السيسي بأنه ينوي تنفيذ جميع التفاهمات والالتزامات التي تم الاتفاق عليها بين إسرائيل ومصر، بما في ذلك الاتفاقات مع "حماس". سيكون من المهم رؤية كيف أن هذه الالتزامات، التي تتضمن نقل الأموال من قطر إلى غزة وتصاريح العمل لسكان غزة والسماح بإدخال مواد البناء إلى القطاع، سيتم الحفاظ عليها تحت قيادة الوزير بتسلئيل سموتريتش.
بشكل علني، تواصل "حماس" التمسك بالموقف الذي بحسبه "القدس وغزة جبهة واحدة"، أي أن إسرائيل لا يمكنها أن تفعل في القدس وفي الضفة كل ما يخطر ببالها وأن تتوقع من "حماس" ضبط النفس. الفصل الذي أرادت إسرائيل إملاءه بين القدس والضفة وبين القطاع كأحد شروط الاتفاقات بينها وبين "حماس" رفضته "حماس"، حتى لو تجنبت عمليا الرد على كل تطور في القدس.
شرح مراسل يتماهى مع "حماس" للصحيفة بأن استراتيجية "حماس" تستند إلى ثلاث دوائر. الدائرة الداخلية هي ساحة غزة التي تلزمها بالتمكين من القيام بإعادة الإعمار. وضمان تقديم الخدمات المدنية مثل الصحة والتعليم وتصاريح العمل في إسرائيل. هذه الدائرة تملي تمسك "حماس" بالتفاهمات مع إسرائيل.
الدائرة الثانية تربط بين أجندة "حماس" وأجندة "الجهاد الإسلامي" والتنظيمات الأخرى. "طالما أنه يوجد اتفاق بين التنظيمات أمام التطورات على الأرض، في غزة وفي القدس وفي الضفة، فإن "الجهاد الإسلامي" سيحافظ على الهدوء ولن يعرض سياسة (حماس) للخطر"، شرح المراسل. وذكر بأن شعار "وحدة الساحات" ليس بالضرورة يتم تطبيقه، كما نرى من غياب رد "حماس" على عمليات الجيش الإسرائيلي ضد نشطاء "الجهاد الإسلامي" في جنين أو حتى بعد قصف قواعد الجهاد في غزة في الصيف الماضي. في هذه الدائرة لا تحدد "حماس" في الواقع قواعد اللعب لـ"الجهاد"، لكنها تحدد الخطوط الحدودية للتعاون مع تنظيمات أخرى، التي بدورها "تستخلص الدروس العملياتية المطلوبة".
الدائرة الثالثة هي الدائرة الأيديولوجية القومية الفلسطينية العامة – هذه الدائرة هي التي لا تسمح لـ"حماس" بأن تكون خارج الصورة. المس بالحرم هو القاسم المشترك الأوسع بينها وبين كل الشعب الفلسطيني والعالم الإسلامي، وهي تقتضي من "حماس"، على الأقل نظريا، الرد. ولكن هذا الرد ليس بالضرورة ردا تلقائيا مثل رد إسرائيل على كل إطلاق لصاروخ من غزة. هو يرتبط بتحليل الأضرار التي تسببت بها إسرائيل وبضغط مصر، وباعتبارات الربح والخسارة التي تكتنف كل دائرة من هذه الدوائر.
في الوضع الذي نشأ بعد زيارة بن غفير للحرم فإن "حماس" تجد نفسها محاطة ليس فقط بتحالف عربي، في عضويته أيضا توجد دول وقعت على اتفاقات سلام مع إسرائيل وطبعت علاقاتها معها، بل أيضا محاطة بالولايات المتحدة والدول الأوروبية. هكذا فإنه إذا اكتفت دولة الإمارات في عملية "حارس الأسوار" بدعوة جميع الأطراف إلى وقف النار دون تحديد من هو المعتدي، فإنها في هذه المرة قامت بمبادرة سياسية استثنائية. الإمارات، وهي الدولة التي مثلت الإنجاز الكبير لنتنياهو في إدارة العلاقات الخارجية والتي وفرت في نظر نتنياهو الدليل على أنه يمكن عقد سلام مع الدول العربية حتى دون حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ودفعت بذلك القضية الفلسطينية إلى تحت سلم الأولويات العربية، هي التي قادت إلى عقد جلسة مجلس الأمن لمناقشة قضية بن غفير والأضرار بالوضع الراهن في الحرم.
انتهت الجلسة في الأمم المتحدة في الواقع دون قرار ودون بيان إجمالي. لكن مجرد القيام بالمبادرة الإماراتية هو الذي يحتاج إلى التوضيح بأنه حتى لو كان السلام بين دولتين لن يتحطم في القريب، إلا أنه لا توجد أي نية لأبو ظبي في التخلي عن الرافعة السياسية التي تعطيها لها وأن القضية الفلسطينية لن تختفي.
خلال ذلك، يجدر أيضا الانتباه إلى زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الأربعاء الماضي، إلى دمشق والتقائه بشار الأسد. بدأت العلاقات بين الدولتين في الواقع تتحسن قبل نحو سنة، لكن في هذه المرة أعلن الطرفان نية توسيع نطاق التجارة بينهما في إطار "علاقات الإخوة الخاصة". المعنى العملي هو أن الإمارات ستكون مستعدة لأن تستثمر الكثير من الأموال في سورية وتدفع قدما بشرعية الأسد في الشرق الأوسط.
أوضحت واشنطن في الواقع بأنها غير راضية عن هذه الخطوة، مثلما صرحت ضد اللقاء بين وزراء دفاع سورية وتركيا وروسيا في موسكو، لكن توجد لأبو ظبي أجندة خاصة بها، أجندة ليست بالضرورة تتفق مع الأجندة الأميركية أو حتى مع أجندة جاراتها دول الخليج. بالضبط، استقلال الحليفة العربية لإسرائيل كان يمكن أن يفيدها في حالة سورية كرافعة لدق إسفين بين سورية وإيران أو على الأقل منع نقل السلاح والوسائل القتالية منها إلى لبنان. ولكن عندما تقوم إسرائيل بغرس اصبع في عين محمد بن زايد في الحرم وفي القضية الفلسطينية بشكل عام فمن المشكوك فيه أن يرغب في القيام بدور سفير إسرائيل في دمشق.

كتف بارد
تتابع "حماس" الحوار الذي يتطور بين مكتب نتنياهو والبيت الأبيض، الذي يدل على تعكر العلاقات منذ لحظة تشكيل الحكومة. لم يمر يومان على رسم نتنياهو لأهدافه في بداية جلسة الحكومة، التي اعلن فيها، ضمن أمور أخرى، بأنه "خلافا للرأي السائد بأن هذا الاتفاق النووي الخطير سينزل عن الأجندة بعد الأحداث الأخيرة في ايران، أعتقد أن هذه الاحتمالية لم تشطب نهائيا من الأجندة". وطلب المتحدث بلسان وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، منه التوضيح بأنه "منذ شهر أيلول فإن الولايات المتحدة تركز على دعم حرية المواطنين في ايران" وليس على الاتفاق النووي.
قبل يوم من ذلك، تحدث وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، مع نظيره الأميركي، أنتوني بلنكين. وحسب التقارير التي خرجت من المحادثة فإن بلنكين أكد على أن "الاتفاق مات". صحيح أن الإدارة الأميركية تواصل التمسك بموقفها الذي يقول، إن القناة الدبلوماسية هي المسار المفضل بالنسبة لها، وصحيح أيضا أن ايران تواصل إجراء مفاوضات فعلية مع الوكالة الدولية للطاقة النووية من اجل إنهاء ملحمة "المواقع المشبوهة" التي اكتشفت فيها بقايا يورانيوم مخصب. ولكن إذا اشتبه نتنياهو بأن الرئيس الأميركي، جو بايدن، يعمل من وراء ظهره وأنه قام بإحياء المفاوضات، فإن الساحة العلنية ليست المكان المناسب للكشف عن ذلك، لا سيما عندما يحاول الرئيس الأميركي إظهار كتف بارد تجاه ايران.
هذا الحوار هو فقط عرض واحد، سيتبعه توبيخ أميركي صارخ على زيارة بن غفير المستفزة للحرم، والذي سيوضح بأنه إذا كان هناك شيء مؤكد في علاقة الإدارة الأميركية مع حكومة نتنياهو فهو المواجهة الآخذة في التشكل بين الطرفين. قبل فترة قصيرة، أوضح بلنكين بأن الإدارة الأميركية لا تتعامل مع الأشخاص الذين يشكلون حكومة إسرائيل، بل هي ستتعامل مع السياسة التي ستتبعها، على أمل تجاوز الحاجة إلى التطرق للاعبي منتخب نتنياهو. ولكن بلنكين لم يحصل حتى على أسبوع من الرحمة. فقد حصل من نتنياهو على سياسة إسرائيلية مباشرة وحادة وواضحة يجب عليه التعامل معها.
إن تأجيل زيارة نتنياهو إلى أبو ظبي، وتبخر احتمالية عقد اتفاق سلام مع السعودية، بشكل مؤقت على الأقل، إضافة إلى الضغوط المصرية والرد الأميركي الشديد، كل ذلك يمكن أن يشكل مقابلا كافياً لـ"حماس" كي ترى عدم ضرورة الرد بإطلاق النار. إذا كانت هذه هي النتيجة فإن "حماس" ما زال يمكنها أن تحافظ على ميزان الردع مع إسرائيل، حتى أن تطالب بمقابل آخر من مصر ومن إسرائيل دون المخاطرة بمواجهة عنيفة. ويمكنها الظهور كنها الطرف العقلاني الذي يستند إلى اعتبارات سياسية، مقابل استعراض المسيحانية الذي تعرضه حكومة إسرائيل. بالنسبة لـ"حماس"، التي تسيطر بشكل مستقل تقريبا على أراضيها والتي أجرت بنفسها مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل وتأمل في الاعتراف الدولي، فإن الحرم هو هدية لا تتوقف عن العطاء.
لكن هذا السيناريو، الذي تُعتبر فيه "حماس" شريكة كاملة في اللعبة السياسية إلى جانب دول كبيرة مثل مصر والإمارات، موضوع فوق حقل الغام حساس زر تشغيله موضوع بالأساس على طاولة نتنياهو. فحتى لو مرت صلاة الجمعة بسلام فلا توجد أي ضمانة بأن بن غفير وشركاءه سيكتفون بزيارة واحدة، أو أن الوزير لن يقرر فتح فرع لمكتبه هناك.

عن "هآرتس"