فلسطين ومحكمة العدل الدولية: دروس من ٢٠٠٤ "ملف الجدار وبدائل حل النزاعات"

تنزيل (23).jpg
حجم الخط

بقلم: د. دلال صائب عريقات

 

في عام 2004 صدر رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية أكد على واجب إنشاء دولة فلسطينية في أسرع وقت ممكن. ورأت المحكمة في ذلك الوقت أن المفاوضات بين الطرفين من شأنها- على الأرجح- حل المشاكل العالقة على أساس القانون الدولي. أثبتت الأيام خطأ ترجيح المحكمة، حيث شهد شهر نيسان 2014 آخر محاولة لمفاوضات ثنائية (غير مباشرة) وبعدها تخلت إسرائيل حتى عن مظهر محاولة إنهاء احتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية.


جاء الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 9/7/2004 في شأن الجدار الفاصل في الضفة الغربية بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8/12/2003. الجدار غير شرعي استناداً إلى أحكام القانون الدولي، فهو يرسخ فكرة ضم الأراضي المحتلة وإلحاقها بالكيان الصهيوني، الأمر الذي يخالف لائحة لاهاي لسنة 1907 المتعلقة بقوانين الحرب وأعرافها حيث ان الجدار يحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، وينتهك حقوق الإنسان. وفند الراي الادعاءات الإسرائيلية في أن الجدار هو مجرد إجراء للدفاع عن النفس وللضرورات العسكرية. إعلان المحكمة عدم شرعية الجدار ووضع مسؤولية على الأمم المتحدة، الا ان الراي الاستشاري غير ملزم في نهاية الأمر.


أوضحت محكمة العدل الدولية أن هناك تبعات ومسؤوليات قانونية تقع على أطراف ثوالث جرّاء الأعمال غير القانونية ذات الصلة ببناء الجدار، وهي تبعات قانونية على صعيد النظام الدولي. وقد بحثت المحكمة في العواقب القانونية الدولية الناجمة عن عدم شرعية بناء الجدار إزاء كل من الدول الأُخرى، وإزاء منظمة الأمم المتحدة والتبعات القانونية المترتبة على الدول الأعضاء في المجتمع الدولي.

 

 أعلنت المحكمة أن الالتزامات الدولية التي قام الكيان الصهيوني بخرقها تشتمل على التزامات "حجة على العموم" erga omnes obligations، أي على التزامات يتعين على أعضاء المجتمع الدولي كافة احترامها والامتثال لها. وهي تتمثل في التزام الكيان الصهيوني احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وفي عدد من الالتزامات الناشئة عن القانون الإنساني الدولي. وبالنسبة إلى الحق في تقرير المصير، أوضحت المحكمة بجلاء أن كل دولة ملزمة باحترام مبدأ الحقوق المتساوية للشعوب وحقها في تقرير مصيرها بشكل يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة.


بعد ١٩ عاما، هذه الأيام تضع الجمعية العامة القضية الفلسطينية مرة أخرى في ملعب محكمة العدل الدولية، مع إدراك المنظومة الدولية لتصميم الحكومة الإسرائيلية على مواصلة احتلالها وتقويض حق تقرير المصير الفلسطيني. هذه المرة، لا تستطيع محكمة العدل الدولية اعتبار المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والحكومة الاسرائيلية الإشكالية أداة وحيدة وكافية لتأمين دولة فلسطينية مستقلة سياسياً وذات سيادة دائمة، ومن المُرجح أن تنظر في اتخاذ تدابير سلمية ووسائل حل نزاع أخرى غير المفاوضات لتحقيق نفس الهدف.


ممكن أن تلجأ للوساطة أو التوفيق أو التحكيم من الطرائق التي قد تراها المحكمة على أنها مفضلة مع بقاء الهدف النهائي كما هو، لتجنب المزيد من التأخير وتحقيق تقرير المصير الفلسطيني، وهو حق غير قابل للتصرف في المنظومة الأممية.


المحكمة ستتناول أيضاً شرعية الاحتلال الاسرائيلي طويل الأمد، وهذا من شأنه أن يفضح الغرض الاستيطاني الاستحواذي المتمثل في إطالة أمد الاحتلال والذي يعتبر انتهاكا صريحا للمعايير القطعية للقانون الدولي.


من هنا، من المُرجح أن ترى المحكمة أن الالتزام بنزع استعمار الأراضي الفلسطينية المحتلة وتطبيق حق تقرير المصير، هو التزام تجاه كافة أعضاء المجتمع الدولي، وهو التزام يكون لجميع الدول فيه مصلحة متبادلة لتحقيق السلام الدولي، وهنا يحق للمنظومة الدولية اتخاذ تدابير قانونية نحو التأثير الفوري دون مماطلات او رضوخ للضغوطات الإسرائيلية المتكررة تحت إطار دبلوماسية القسر التي طالما يعاني منها الفلسطينيون.