هارتس : “سياسات معطوبة”.. هذا ما جنته إسرائيل من اتفاقات إبراهيم

حجم الخط

بقلم: آفي شيلون

 يميلون إلى وصف حكومة اليمين الجديدة حتى الآن بالأساس على خلفية خمسة تفسيرات، يتعلق الأول بالتغيرات التي بدأت في اليمين الصهيوني في فترة “حيروت” والليكود في عهد مناحيم بيغن: تضخيم البعد الديني – الشعبوي – القومي المتطرف على حساب البعد الليبرالي. ويتعلق التفسير الثاني بالطريقة التي تزداد فيها اليهودية في إسرائيل تطرفاً من خلال الدمج بين الدين والقومية المتطرفة.

ويشير التفسير الثالث إلى عمليات اجتماعية في إسرائيل تكرر ما حدث في أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي. والتفسير الرابع يشخص الخطاب المناهض للمثليين وغير الليبرالي تأثراً مما حدث في الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، بالأساس منذ عهد الترامبية. ويلقي الخامس المسؤولية عن التطرف الحالي على استعداد نتنياهو لشرعنة كل موقف تقتضيه إقامة الائتلاف ليظل رئيساً للحكومة والنجاة من محاكمته.

لكننا نفهم هذه الحكومة من نظرة في حيّنا الشرق أوسطي. تشكيل الحكومة ومبادئ بعض الأعضاء فيها يجب فحصها إزاء عملية الاستشراق الثقافية التي تمر فيها إسرائيل، والتي تنطوي أيضاً على تبني خصائص من الثقافة السياسية للأنظمة المجاورة.

ففي المقابلات التي يجريها نتنياهو مؤخراً باللغة الإنكليزية، يحرص على موقف ليبرالي، في حين أن أفعاله وأقواله باللغة العبرية تضعه على رأس معسكر يميني – ديني أصولي. من يبحث عن طريقة لحل التناقض يتذكر ياسر عرفات مثلاً، الذي بث لأبناء شعبه في حالات كثيرة رسائل عدائية بالعربية، لكنه أرسل للعالم رسائل متصالحة أكثر بالإنكليزية. يتبع نتنياهو بالفعل الطريقة نفسها، فالطبيعة التي يستقبل فيها الجمهور ولايته الطويلة لا يمكن فصلها عن تأثير المحيط السياسي في الشرق الأوسط. فالزعماء هناك لا يميلون إلى الاستقالة بإرادتهم، على أقل تقدير.

إن إخضاع حرس الحدود وسياسة الشرطة للوزير ايتمار بن غفير يمكن قراءته في تبني نموذج المليشيات الطائفية أو وحدات تخضع مباشرة لجهات سياسية، كما هو متبع في بعض دول الشرق الأوسط. النظرة للمثليين في أوساط بعض أعضاء الائتلاف تعكس النظرة إليهم في مجتمعات عربية محافظة، والتصريحات السياسية للحاخامات تذكر بالمكان الذي يحتله رجال الدين في النظام في إيران؛ فالزعيم السياسي هناك هو زعيم ديني أيضاً. وإذا لم يكن كل هذا كافياً، فقد تتحول إسرائيل إلى مجتمع قطاعي مثل لبنان، المقسم إلى طوائف مختلفة، ولم تبق لهم سوى تعزية أنفسهم بالجزيرة الليبرالية التل أبيبية (بيروت). عملية تبني الثقافة السياسية العربية، بما في ذلك تركيز الثراء في يد أشخاص معينين والتهديد بقمع الحريات، يمكن أن توفر المزيد من التفسير لـ “اتفاقات إبراهيم”. لأننا في نهاية المطاف نزداد تشابهاً.

الاندماج في الفضاء كان يمكن أن يؤدي إلى خصوبة ثقافية أفضل: ليتنا نحصل على شيء من جمال الثقافات المحيطة بنا. ولكن عندما يحدث الاندماج بدون إحلال السلام في قلب النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، فستكون النتيجة معاكسة: نسوق للحكام العرب تكنولوجيا التعقب والرقابة، وهم يزودوننا بثقافة سياسية معطوبة. في الحقيقة، هذا هو العقاب الحقيقي على استمرار الاحتلال.