هارتس : العقوبات الإسرائيلية ستقود إلى حلّ السلطة الفلسطينية

الون بنكاس.jpeg
حجم الخط

بقلم: ألون بنكاس

 

 



توجد في الحياة السياسية أحيانا تناقضات غير متوقعة. مثال ذلك في الوقت الحالي: إسرائيل غاضبة وهي تتهم بالنفاق وتعلن أنها لن تتعاون مع التحقيق المتوقع لمحكمة العدل الدولية في لاهاي حول جوهر الاحتلال والسؤال هل هو مؤقت أم أنه دائم.
من ناحية أخرى، بسلسلة من الخطوات غير المحسوبة وغير الحكيمة تكتب إسرائيل للمحكمة الرأي بنفسها.
الخطوة الفلسطينية، التي أدت إلى التوجه للمحكمة ربما هي خطوة تثير الغضب، لكن في أساسها خطوة سياسية وقانونية ولا تعتبر "إرهابا".
بدلا من مواجهتها فإن إسرائيل تتخذ خطوات عقابية بافلوفية، مع إعلان نوايا الحكومة الجديدة وفي ظل غياب أفق سياسي، تثبت وجود احتلال متواصل ودائم لكاتبي الرأي. في جلسة الكابينت التي عقدت يوم الجمعة الماضي تقرر الرد بمعاقبة السلطة الفلسطينية والفلسطينيين وأيضا شخصيات فلسطينية رفيعة.
ما الذي ستحققه إسرائيل من ذلك؟ لا شيء. ما الذي يراه العالم؟ احتلالاً وضماً بحكم الأمر الواقع وتصريحات تحوله إلى قانوني.
بعد مرور 28 سنة على توقيع اتفاق باريس في 1995 الذي نظم العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، أصبحتا بشكل فعلي وحدة اقتصادية واحدة.
صحيح أنه لا توجد لإسرائيل سيطرة على تخصيص الميزانية الداخلية الفلسطينية ولكن توجد عملة واحدة وغلاف ضريبي واحد وتجارة خارجية واحدة. 55 في المئة من استيراد الفلسطينيين مصدره إسرائيل، و80 في المئة من التصدير الفلسطيني مخصص لإسرائيل. نحو 80 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل في فرع البناء، و15 ألفا في الصناعة والخدمات.
إذا كان هناك أي أحد يبحث عن أدلة وشهادات على الضم بحكم الأمر الواقع، حتى لو لم يكن متعمدا ومخططا له، فإن الاقتصاد الفلسطيني هو المكان لرؤيتها. ما بدأ كرابطة قوية أصبح اعتماداً اقتصادياً مطلقاً للفلسطينيين على إسرائيل واقتصادها.
تبلغ الميزانية السنوية العامة للسلطة 5.7 مليار دولار، لكن القصة المهمة بالنسبة لإسرائيل ليست اقتصادية بل سياسية، ولها معانٍ أمنية. خلال سنوات وجود السلطة فإن أساس مصادر دخلها (20 مليار دولار) هو أموال المساعدات الخارجية. 65 في المئة من الميزانية مصدرها الضرائب التي تجبيها إسرائيل. في فترة وباء "كورونا" أصبحت المساعدات التي كانت تبلغ مليار دولار 190 مليون دولار.
السلطة، التي دفعت قبل الكورونا نحو 75 في المئة من الرواتب التي التزمت بها، قلصت في السنتين الأخيرتين 50 في المئة من الرواتب للامتناع عن الإقالات. الصعوبات المتواصلة مع العقوبات التي تفرضها إسرائيل وعدم زيادة المساعدات الخارجية وعدم توقع مثل هذه المساعدات، سواء من السعودية أو أوروبا، ستؤدي إلى إقالة الآلاف من بين الـ 140 ألف موظف في السلطة. المعنى الاجتماعي هو تدهور عشرات الآلاف نحو الفقر، والمعنى السياسي هو التطرف وفقدان ما تبقى من الثقة بالسلطة وعدم القدرة على توفير الخدمات الأساسية. أمراء الضم والذين يعلنون "لن تقام في أي يوم دولة فلسطينية" على من يعتقدون أن هذا العبء سيقع؟
في إسرائيل يوجد تقدير من سنوات يقول إنه في ظروف سياسية وأمنية معينة فإن السلطة يمكنها أن تحل نفسها بإرادتها وأن تحول إسرائيل بالقوة إلى الحاكمة الحصرية في المنطقة المعطاة.
في المرحلة الثانية سيطالب الفلسطينيون بالانضمام إلى إسرائيل والحصول على الحقوق، لا سيما حق التصويت في الانتخابات. في الوقت الذي يعتبر فيه هذا السيناريو لسبب ما في إسرائيل احتمالية ضعيفة فإن انهيار السلطة نتيجة أزمة اقتصادية وفقدان الشرعية السياسية وخطوات الضم الإسرائيلية، مع تعميق الاحتلال، كل ذلك سيؤدي إلى النتيجة نفسها.
يبدأ هذا بـ "تدويل النزاع" بطرق سياسية، وهو خط ستجد إسرائيل صعوبة في الوقوف أمامه بشكل ناجع، مع الأخذ في الحسبان تركيبة الائتلاف.
إن وجود تحقيقات منفردة في محكمتين دوليتين في لاهاي، محكمة العدل التي تتناول الرأي القانوني والالتزام بحالات معينة؛ ومحكمة الجنايات الدولية التي لها صلاحية كبيرة لاستدعاء الشهود وإصدار أوامر اعتقال، في موازاة الطلب من الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية وانهيار اقتصادي محتم، كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى حل فعلي للسلطة الفلسطينية. عندها ستكون إسرائيل هي المسؤولة بالكامل. إذا كان هذا هو هدف الحكومة، وهو هدف مشروع، فإن العقوبات هي خطوة صغيرة في الطريق إلى هناك.

عن "هآرتس"