القرار الذي اتخذه المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر أو بالأحرى المطبخ الأمني الإسرائيلي هو قرار متعدد الدلالات.
الدلالة الأولى هي صفة الغطرسة والاستعلاء التي تتعامل بها اسرائيل مع الجانب الفلسطيني والتي تخلو من أي قدر من الندية في التعامل.
والدلالة الثانية هي أن إسرائيل لا تتعامل مع السلطة الفلسطينية كجهة واحدة أو كشخصية اعتبارية ذات كيان وإنما تتعامل معها كأفراد والدليل على ذلك هو ما رشح من وسائل الاعلام الإسرائيلية بأن ما وصف ب "العقوبات" ضد السلطة هو إجراءات ضد أشخاص معينين وهم الذين لهم صلة بالعمل على الساحة الدولية فيما يتعلق بقرار الجمعية العمومية الطلب من محكمة العدل الدولية في لاهاي إعطاء التوصيف القانوني للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. والتأكيد بأن هذه الإجراءات لا تشمل جميع الشخصيات القيادية الفلسطينية وذكر أسماء بعض من تشملهم وبعض من لا تشملهم يؤكد ذلك. ويقينا أن هذا التسريب يعكس حقيقة أن إسرائيل تتعامل أيضا مع أفراد وليس مع شخصية اعتبارية، وأن الهدف من هذا التسريب أيضا ًهو الإساءة لبعض الوجوه القيادية الفلسطينية بالإيحاء بأنها شخصيات مرضي عنها إسرائيليا ً بعكس من طالتهم هذه العقوبات.
والدلالة الثالثة هي أن الحكومة الإسرائيلية تصر على التعامل مع 62% من مساحة الضفة الغربية على أنها أراض إسرائيلية تشكل احتياطي للتمدد الحالي والمستقبلي للمستوطنات ولتطوير البنية التحتية للمستوطنات لتكون جزءا ً لا يتجزأ من البنية التحتية داخل خطوط هدنة عام 1948 أو بعبارة أوضح خطوط احتلال 1967.
والدلالة الرابعة هي أن إسرائيل تعد العدة للقيام بخطوات لضرب وتصفية منظمات المجتمع المدني الفلسطيني باعتبارها العمق الاستراتيجي لأي عمل حكومي. ولا شك بأن القرار الذي اتخذه وزير الحرب السابق بيني جانتس ضد ست منظمات مجتمع مدني فلسطيني تُعنى بحقوق الانسان والديمقراطية لم تكن سوى قدوة للحكومة الحالية للبدء بإجراءات مماثلة ضد العديد من منظمات المجتمع المدني الفلسطيني الأخرى.
والدلالة الخامسة هي الجشع المادي لهذه الحكومة الإسرائيلية ومحاولتها سرقة أكبر قدر ممكن من الأموال الفلسطينية التي تجبيها نيابة عن السلطة عما يتم استيراده عبر الموانئ الإسرائيلية. وهي بالإضافة لخصم الأموال مقابل ما تدفعه السلطة للأسرى تخصم ملايين أخرى لتنفيذ قرارات باطلة لمحاكمها ضد السلطة، وأقول باطلة لأن هذه المحاكم لا تملك الولاية القانونية أو الاختصاص القانوني لمحاكمة السلطة المعترف بها دوليا ً بأنها دولة.
هذه القرارات الإسرائيلية الهوجاء جاءت بالتزامن مع تصريحات وزير المالية الإسرائيلي الحالي سموترتش بأن هذه القرارات ليست سوى بداية ستتبعها قرارات أخرى، والتزامن أيضا ً مع الزيارة التي قام بها وزير الأمن القومي بن جفير لسجن نفحة الصحراوي والتحريض الحاقد الذي يشنه ضد الأسرى والتهديدات بتضييق العيش عليهم وإساءة ظروف اعتقالهم.
هذه العنجهية والغطرسة الإسرائيلية والتي ينطبق عليها القول "أول الغيث قطر ثم ينهمر" لا يجوز بأي حال من الأحوال الاستهانة بها أو الاكتفاء بردود الفعل عليها، أو الاعتماد على ردود الفعل الدبلوماسية الدولية لكبح جماحها، بل لا بد من الانتقال من موقف رد الفعل الى موقف المبادرة للفعل المضاد.
وقد يتساءل بعضهم عما نحن قادرون أن نفعل أمام هذه الماكينة الضخمة التي تداهمنا والممثلة بحكومة يمينية متطرفة لا تخضع تصرفاتها لأي اعتبار سياسي أو قانوني أو أخلاقي.
وأقول بأننا نستطيع أن نعمل. ونستطيع أن ننتقل من رد الفعل الى الفعل بأعمال قد تبدو صغيرة ولكنها ستكون كبيرة بعيدة الأثر. ومن بين هذه الأعمال:
- وقف أي اتصال بين أي مسؤول فلسطيني وآخر إسرائيلي سواء على المستوى القيادي أو الكوادر واعتبار أي اتصال دون تكليف رسمي من الرئيس نفسه ولأمر محدد هو اتصال يرقى الى مرتبة الخيانة ومحاسبة كل من يقوم به على هذا الأساس.
- جمع جميع بطاقات الشخصيات المهمة وبطاقات رجال الأعمال من حامليها وايداعها لدى جهة رسمية عليا للاحتفاظ بها والحيلولة دون قيام البعض باستخدامها من وراء الكواليس.
- وأخيرا ً وليس آخرا ً، من المؤكد أنه ليس بإمكان السلطة السيطرة على الحدود الفاصلة بيننا وبين إسرائيل ولكنها تسـتطيع بالتأكيد السيطرة على مداخل المدن والبلدات الكبيرة وبالتالي وضع حواجز على مداخل هذه المدن والبلدات لمنع دخول أية منتجات أو بضائع إسرائيلية.
أما على الصعيد السياسي الداخلي فإنني أتساءل وبألم وحسرة: إن لم يكن هذا الخطر المصيري الداهم كافيا ً لأن يدفع قياداتنا نحو انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية فما الذي سيفعل ذلك!!
أما على الصعيد العربي فإن أمامنا فرصة نادرة لعكس اتجاه عملية التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية لوقف هذه العملية أولا ثم انهائها. ولا شك بأن بإمكان منظمات المجتمع المدني ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام الوطنية أن تقوم بدور فعال جدا ً لتحقيق هذا الهدف بالتعاون مع مثيلاتها في العالم العربي.
هذه هي بعض الأمثلة وبالإمكان التفكير بعشرات الخطوات المماثلة والتي تندرج كلها تحت مظلة المقاومة السلمية والعصيان المدني. ولئن أقدمت القيادة للسير في هذا الطريق فإن علينا جميعا ً الالتفاف من حولها والالتزام بخطواتها لأن خلاصنا يكمن في مثل هذه الروح وهذا النهج. نهج رفض الاحتلال.
المطلوب هو البدء بالعمل لا الجلوس على رصيف الأحداث والشكوى لأن من يشكو هم دائما الضعفاء ونحن لسنا بضعفاء.