هارتس : حكــومـــة نـتـنـيـاهــو الجــديــدة تعرّض مستقبل إسرائيل للخطر

حجم الخط

بقلم: يحيعام فايس

 



حتى الآن شكلوا في إسرائيل 37 حكومة بما فيها الحكومة الجديدة. بعضها أثارت مشاعر السرور والتفاخر في اوساط الجمهور ووسائل الاعلام. هكذا كانت الحكومة الأولى، التي شكلها بن غوريون في آذار 1949 بعد انتهاء «حرب الاستقلال». هذه الحكومة كانت صغيرة، فيها 12 وزيراً فقط، 40 في المئة من وزراء الحكومة الجديدة. معظم الوزراء فيها كانوا شخصيات تاريخية بارزة، من بينهم موشيه شريت واليعازر كابلان وغولدا مئير وبنحاس روزين وزلمان شزار والحاخام يهودا ليف فيشمان، رئيس الصهيونية الدينية الاصلية، الوطنية والمعتدلة، والتي الفرق بينها وبين «الصهيونية الدينية» الآن هو فرق كبير جداً. عندما صادقت الكنيست الاولى على تشكيلة الحكومة ساد الشعور بـ «نحن نحلم». وعندما اعلن رئيس الكنيست، يوسف شبرنتسك، بأن «الكنيست منحت الثقة للحكومة» استقبل اعضاء الكنيست هذا الاعلان بـ «التصفيق المتواصل».
ايضا الحكومة الـ 18، التي تم تشكيلها في حزيران 1977 في اعقاب الانقلاب السياسي الاول، والتي ترأسها مناحيم بيغن، رئيس «الليكود»، اثارت مشاعر ايجابية. فدولة إسرائيل قادرة على تغيير الحكم بشكل منظم ورسمي للمرة الاولى في تاريخها. في «معاريف» في 21 حزيران 1977 نشر ما يلي: «اصدقاء وخصوم فركوا العيون. على طاولة الحكومة جلس اعضاء الليكود».
المشاعر التي ثارت عند رؤية تشكيلة حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة هي مشاعر مختلفة كليا. مشاعر غضب وخجل واشمئزاز ازاء حكومة غير مسبوقة وغير محتملة وغريبة عن كل سابقاتها – حكومات الوسط واليسار واليمين. توجد اسباب كثيرة لهذه المشاعر، وهاكم الاسباب الرئيسية من بينها.
السبب الاول هو أن هدف الحكومة ليس توحيد التيارات المتعارضة في الدولة، بل المس بالاقليات التي تعيش فيها، مثل المثليين واليساريين وبالاساس ابناء الشعب العربي الجار. يشير وزراء الحكومة الجديدة مرة تلو الاخرى الى أن «ارض إسرائيل هي ارض لشعب واحد فقط وهو الشعب اليهودي»، ويتجاهلون بغطرسة حقيقة أنه في بلادنا يوجد شعب آخر يعتبر ابناؤه الأرض ارضهم. هذه الرؤية، القومية المتطرفة بشكل واضح، تختلف كليا عن اقوال بن غوريون اثناء عرضه لحكومته الاولى: هنا، البرلمان العبري «التقى للمرة الاولى ابناء الشعب اليهودي والعربي. أنا على ثقة بأن هذه البداية لالتقاء الشعبين من اجل العمل المشترك، من خلال الفهم المتبادل والاحترام المتبادل» («دافار»، 11/3/1949).
السبب الثاني هو أنه عمليا هدف الحكومة هو خلق انقلاب عسكري ديمقراطي. يقول نتنياهو بأن اساس الحكومة هو «ارادة الشعب»، التي تم التعبير عنها في الانتخابات، لكن فعليا اساسها هو الرغبة في تقويض القواعد التي تشكل أسس الدولة منذ اقامتها. لا يدور الحديث عن البناء أو عن تغيير مراقب، بل عن الهدم. والدليل على ذلك هو قرار نتنياهو عدم دعوة المستشارة القانونية للحكومة الى الجلسة الاولى لحكومته. يمكن اعتبار أن الحكومة بلطجية، وثمة مثال صارخ على ذلك هو آريه درعي. في 1993 عندما كان وزير الداخلية في حكومة اسحق رابين تم تقديم لائحة اتهام ضده وأمرت المحكمة العليا رئيس الحكومة باقالته من منصبه. غضب رابين وعارض، لكنه قبل تعليمات المحكمة. وفي ايلول 1993 توقف درعي عن القيام بدوره كعضو في الحكومة، رغم أنه كان متهماً «فقط» ولم يحكم عليه.
اضطر درعي الى الاستقالة على الفور لأن الاجواء العامة في التسعينيات كانت مختلفة عن الاجواء التي توجد الآن. توجد هنا فجوة كبيرة جدا. الآن انضم درعي، المجرم المدان والمتسلسل، للحكومة بدعم من رئيس الحكومة، الذي هو نفسه متهم بمخالفة جنائية.
السبب الثالث هو التصريحات العنصرية للوزيرة اوريت ستروك: «الطبيب يمكنه عدم تقديم العلاج اذا تناقض ذلك مع عقيدته أو مع موقفه الديني». المعنى هو أن الطبيب يمكنه منع العلاج عن شخص مثلي وعن يهودي اصلاحي وعن عربي وعن يساري أو عن شخص قادم من اثيوبيا، فقط بسبب أنه لا يعجبه لون جلده. هذه الاقوال تخرق تماما اخلاق مهنة الطب الاساسية وتثير الغضب الشديد وبحق. تحفظ نتنياهو على اقوال الهراءات لستروك بلهجة عامة وخفيفة، لكن لم يكن فيها ما من شأنه أن يجعله يتراجع عن ضمها في حكومته. اضافة الى ذلك، تشبه هذه الاقوال بشكل كبير الاقوال التي كتبت في «قوانين نيرنبرغ» العنصرية واللاسامية، التي تم سنها في ايلول 1935 في فترة الرايخ الثالث. يوسي كلاين كتب امورا لاذعة حول هذا الشأن: «هذه هي المرة الاولى التي يشكل فيها اليهود حكومة قوانينها تشبه القوانين التي باسمها تمت ابادة أبناء شعبهم» («هآرتس»، 29/12/2022).
نقف، الآن، امام حكومة، التي الاعضاء فيها هم يهود (لا يدور الحديث عن حكومة يهودية فهي بعيدة جدا عن اليهودية) مستعدون لاستخدام عالم المفاهيم الايديولوجي والعاطفي للرايخ الثالث، ولا يلاحظون التشابه المضلل بين عالمهم وبين ذاك العالم. هذه الحكومة المشوهة تقوم بخطواتها الاولى، وعلى الجمهور الإسرائيلي الليبرالي والعقلاني أن يفعل كل ما يمكن فعله لتقصير ايامها في اسرع وقت ممكن. هذه حكومة تعرض للخطر مستقبل المجتمع الإسرائيلي ومستقبل دولة إسرائيل ومستقبل كل الشعب اليهودي.

عن «هآرتس»