تقتحم "أربعينية" الشهيد اليافع العامل الفران عمر مناع ، اربعينية الطبيعة التي لطالما شهدت عصفا في الاجواء امطارا و ثلوجا و سيولا ، و لطالما عجز اللاجئون في خيامهم كف شرها عنهم ، فأتت على اطفالهم و دوابهم ، مع ذلك كانوا يسبشرونها و يستسبقونها ، شحّت هذا العام شحا مركبا في فلسطين المنقسمة سياسيا و فكريا واخلاقيا حتى في ظل حكومة احتلالية تباهي العالم بتطرفها .
و لكن هل سكن عمر في المخيم صدفة ، حيث مسقط رأس أبيه يوسف مناع الذي اختار ان يتزوج من ابنة عمه "ناريمان" من الاردن ، كان بإمكان "يوسف" ان يقطن هناك ، و يترك خلفه همّ النضال لغيره ، كما يفعل الكثيرون ، لكنه استحضر زوجته كي تضع "عمر" حملها الثاني - الحمل الاول "يزن" حيث اعتقل في نفس ليلة الاستشهاد و ما زال رهن الاعتقال - فيتشرب نضال أبيه و بقية أفراد العائلة ، و في المقدمة منهم الجد المناضل حسن جبريل مناع "ابو جودت" الذي بدأ حياته شيوعيا و ذاق عذاب "الجفر" منذ خمسينيات القرن الماضي ، و تواصل عذاب السجنين الاردني والاسرائيلي حين حكم عليه و قد ناهز السبعين من عمره بالسجن الفعلي اربع سنوات اواخر ثمانينيات القرن الماضي .
هل كان استشهاده عملا صدفيا ؟ رصاصة طائشة في البيت او الفرن الذي يعمل فيه ؟ أمثاله كثيرون ، لا يستشهدون برصاصة طائشة في البيت ، عمر مناع احد ابرز حراس المخيم الذي كان يشارك في التصدي لجنود الاحتلال في كل اقتحام ، صحوا و مطرا ، و نقل عنه ذات مرة انه تغيب عن احدى المواجهات ، و لما سئل عن ذلك قال انه كان مريضا ، مردفا بسخرية : ممنوع الانسان يمرض ؟
في استدعاء مدير الشاباك المسؤول عن قتل عمر لأحد معارفه ، اعرب عن أسفه لمقتله ، فهو لم يكن مطلوبا ، شقيقه "يزن" هو المطلوب ، لكن عمر طاردنا بالمولوتوف وحاصر ثلاثة جنود فيما يشبه الحفرة ، مما شكل خطورة على حياتهم ، ما اضطرهم لقتله بست رصاصات و معه اثنين من رفاقه الخلّص ، احدهما "محمد شمروخ" ما زال نزيل المستشفى حتى اليوم جراء اصابته اصابة بالغة . لم يقل الكابتن ان جنوده ظنوا انه مات بدوره ، والا كانوا قد أجهزوا عليه ايضا ، لكنه قبل نهاية الاربعينية قنص جنوده طفلا اسمه آدم عياد ، كان مقربا من عمر ، و يوزع احيانا الخبز الذي يخبزه .
عمر مناع ، أصبح اليوم شهيدا ، يترأى لبقية رفاقه في كل مواجهة في المخيم و ما بعد المخيم ، و بقية القرى المجاورة لقريته زكريا ، المتمثلة في أترابه المنحدرين من نحو اربعين قرية . مقداما خلوقا بهيا ايثاريا غيورا متطلعا محبا يتراءى على أجمل وأعظم ما يكونه الانسان ، في كل زقاق ، في كل مطاردة و مع كل رشقة حجر . و كما عرفته ، أحب عمر الحياة حتى لو كانت داخل فرن ، يعمل فيه منذ نعومته ، لأنه من داخله يصنع الخبز للآخرين ، لكن كراهيته للاحتلال كانت تفوق محبته للفرن .
"بتصرف من كتيب التأبين" .