قبل عشرة أشهر، وفي العشرين من آذار الفائت تحديداً، نشرنا مقالاً بعنوان «الأسد في أبوظبي.. ماذا بعد؟»، أما المناسبة فكانت «أم المفاجآت»: زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لدولة الإمارات.
يومها عرضنا مسارات ثلاثة، عبّدت الزيارة الطريق أمام الدبلوماسية الإماراتية لولوجها: (1) مصالحة تركية – سورية.. (2) مصالحة كردية – سورية (دمشق - القامشلي).. (3) المسار السوري - الإسرائيلي، باعتبار أن لـ»أبوظبي» علاقات «وطيدة» مع الأطراف ذات الصلة، وإن بدرجات متفاوتة ومراحل مختلفة.
في ظني أن الدورين الروسي والإماراتي في الوساطة بين دمشق وأنقرة يتكاملان ولا يتنافسان، وموسكو ربما ترغب في تقديم الدور الإماراتي، فمن مصلحتها أن تتولى دول صديقة لواشنطن وحليفة لها، هذه المهمة.
منذ تلك الزيارة، ظلت الطريق بين دمشق وأبوظبي سالكة في الاتجاهين، لكن سرعة الحركة وازدحامها عليها، كانا يواجهان عوائق وعقبات إقليمية ودولية عدة، أولها وأهمها «الفيتو» الأميركي في وجه أي محاولة لتفكيك أطواق العزلة عن الأسد، و»قانون قيصر» الذي يقف بالمرصاد لمن يذهبون بعيداً في محاولاتهم.
وثانيها عدم تبلور موقف عربي مشترك من مسألة عودة سورية للجامعة العربية وعودة العرب إلى سورية، بدلالة ما حدث في الطريق إلى قمة الجزائر، وغياب دمشق عنها رغم المحاولات الجزائرية المحمومة لاستكمال عقد «لم الشمل» العربي.
اليوم، نشهد حركة دبلوماسية رفيعة المستوى على هذا المسار، وزير الخارجية الإماراتي في زيارة ثانية للعاصمة السورية، رغم التحذيرات و»النصائح» الأميركية، وأنباء تتحدث عن احتمال عقد القمة السورية – التركية الأولى منذ أزيد من عشر سنين في أبوظبي، بدلاً من موسكو، بانتظار نتائج اجتماع وزيري خارجية البلدين المقرر هذا الشهر.
في الظاهر، تولت موسكو أمر الوساطة بين دمشق وأنقرة، ولها في ذلك ألف حساب وحساب، لكن تصدر الكرملين للمشهد لم يحجب عن المراقبين رؤية دور دبلوماسي إماراتي يجري تفعيله بصمت وفي القنوات الخلفية، وإلا لما تمت زيارة الوزير عبد الله بن زايد لدمشق في هذا التوقيت، ولما تواترت الأنباء عن احتمال استضافة أبوظبي للقمة.
في ظني أن الدورين الروسي والإماراتي على هذا الدرب، يتكاملان ولا يتنافسان، بل وأجازف بالقول إن موسكو ربما ترغب في تقديم الدور الإماراتي على هذا المضمار، فمن مصلحتها أن تتولى دول صديقة لواشنطن وحليفة لها، هذه المهمة، التي من شأن النجاح فيها إبعاد تركيا، ولو قليلاً عن «سربها» الغربي، وتخطي سيناريو مواجهة سيئة بين تركيا وسورية حال شرعت أنقرة في تنفيذ عمليتها في شمال سورية الشرقي، فضلاً عن إسهامها الكبير في تفكيك أطواق العزلة عن حليفها السوري.
لست أستبعد انعقاد القمة في أبوظبي بدل موسكو.. لكنني أذكّر بالحاجة لبذل جهد دبلوماسي موازٍ على خط دمشق – القامشلي، أقله لضرورة إتمام واستعجال المصالحة بين أنقرة ودمشق.
موسكو ليست بحاجة لاستضافة القمة لإظهار تمايزها عن واشنطن، فثمة من أسباب القطع والقطيعة بين الدولتين العظميين، ما يكفي ويزيد.
يبقى السؤال كيف ستتصرف واشنطن حيال تطورٍ كهذا حال وقوعه؟ وهل سيكون بمقدورها تعطيل المسعى الإماراتي؟
مثل هذه الأسئلة كانت لتندرج في باب «تحصيل الحاصل» لو أنها طرحت قبل بضع سنوات، لكن تجربة دولٍ خليجية في العامين الأخيرين على وجه الخصوص، برهنت بالملموس، وفي محطات ومجالات عدة، أن زمن الوصاية والاستتباع قد ولّى.
وهذه الدول قادرة على اتخاذ مواقف خاصة وانتهاج سياسات مستقلة، تخدم مصالحها الوطنية العليا على نحو أفضل، من ذلك الموقف من الأزمة الأوكرانية و»أوبك بلس» وزيارة «تشي» للرياض وقممه الخليجية والعربية، وإحجام هذه الدول عن الانخراط في مشاريع «ناتو شرق أوسطي» طموحة، بدأت في عهد ترامب واستمرت بتواضع في عهد بايدن.
لست أستبعد انعقاد القمة في أبوظبي بدل موسكو، وأحسب أن طرفي القمة سيرحبان بالاستضافة الإماراتية، كما الوسيط الروسي، لكنني بهذه المناسبة، أذكّر بالحاجة لبذل جهد دبلوماسي موازٍ على خط دمشق – القامشلي، أقله لضرورة إتمام واستعجال المصالحة بين أنقرة ودمشق، إن لم يكن لتسوية النزاعات السورية البينية.. أما مسار دمشق – تل أبيب، فقد أحكمت حكومة نتنياهو السادسة إغلاقه بالشمع الممهور بخاتم بن غفير وسموتريتش ودرعي.