كفانا وقوفاً على باب القانون الدولي العام!

8a1afac6f539e24e687661c7c68b608d.jpg
حجم الخط

بقلم: إبراهيم شعبان


ما انفك السياسيون الفلسطينيون والعرب على اختلاف مراتبهم وألقابهم، يلوحون بالقانون الدولي في كل قضية وأزمة ومشكلة مع الجانب الإسرائيلي، علّ هذا القانون المكتوب حديثا وغير المكتوب قديما، يلوذ عنهم ويحل مشاكلهم ويريحهم من المصادمة والمواجهة بدون أي جهد، وهم في كل ذلك واهمون. ويعلمون علم اليقين، أن القانون الدولي العام، بكل فروعه ومواثيقه وأعرافه ومبادئه وأحكامه تخلو من جزاء فعال تنفيذي، بل يتم تسييس جزاءه، من قبل الدول المهيمنة في الساحة الدولية. وتكفي نظرة سطحية غير متعمقة على الساحة الدولية لتأكيد تلك المعلومة. ولعل المنازعات المسلحة وغير المسلحة التي قضّت مضجع أرجاء هذا العالم الفسيح، تؤكد عجز القانون الدولي لوحده عن حل هذه المنازعات المستعصية. وهذا ما يعانيه الشعب الفلسطيني كمثال صارخ على مدى سبعة عقود متتالية.

 

وللاسف الشديد أشاع ونمّا وغذّا هذا النمط الفكري المضلل العاجز في كل المجتمع الفلسطيني بأطيافه المتعددة. فما تلبث أن تسمع صوتا هنا وصوتا هناك وآخر تسمع صداه، يردد " القانون الدولي " الأعراف الدولية " "الأنظمة الدولية " " المحكمة الدولية " " المحكمة الجنائية الدولية " " المعاهدات الدولية "ويحيل على واحدة منها أو بعضها أو جميعها حل القضية أو الأزمة أو المشكلة بلبس كبير وخلط كثير. وستسمع الكثيرون يقولون بأعلى أصواتهم ويصرخون، بأنهم سيرفعون المسأله إلى مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة أو المحكمة الدولية أو يصرحون بأن الأمر خرق لقواعد القانون الدولي. وكأننا شعب من العجزة قدره أن يمسك بتلابيب القانون الدولي ويتضرع إلى تنفيذه، وما لنا لغير ذلك من سبيل.


وكأن هذه الإحالة أو هذا اللجوء للقانون الدولي العام ومواثيقه ستتكفل بحل مشاكلنا بجرة قلم. وكأن عشرات القرارات الأممية من كل المنظمات الدولية وفروعهاعلى مدى سبعة عقود وأكثر استطاعت إيقاف المعتدي عن عدوانه، أوإجباره على سحب قواته المعتدية، أو إعادة لاجىء إلى بيته، أو منع مصادرة بيت، أو وقف فرض ضريبة ظالمة، أو منع اعتقال بريء دون محاكمة، أو منع هدم بيت العائلة ، أو إلزام المعتدي على الإفراج عن معتقل مريض، أو السماح له بتشييع والده أو والدته كما يقرر القانون الدولي، أو منع ضم لمدينة كالقدس والريف الفلسطيني، أو إبعاد خارج البلاد أو عن مسجد أو من بيته أو قريته أو مدينته، أو إقامة صلاة في كنيسته أو جامعه، أو تقديم الحماية لمدني أو مسجد أو كنيسة أو مال عام أو خاص أو منع سنّ أو إبطال قانون إسرائيلي واحد يناقض القانون الدولي العام.


يراودني شعور بأن كثيرا من هؤلاء يجهلون جهلا مطبقا أو جزئيا كنه القانون الدولي العام أو مصادره أو أحكامه ولا يستطيعون التفريق بينه وبين العلوم القانونية الأخرى ولكن يكررون المصطلح كالببغاء. وقد تلحظون أنني أقول " القانون الدولي العام " وليس " القانون الدولي " فقط ، كما يتردد على ألسنة الكثيرين، فهناك في القانون ايضا ما يسمى ب " القانون الدولي الخاص "، وهما قانونان مختلفان تماما من حيث المصادر وطبيعة القواعد القانونية واشخاص العلاقة القانونية.وهم إما يعتقدون بسذاجة شديدة أن القانون الدولي سيف بتار، أو هم على علم ودراية تامة بكنه القانون الدولي، لكنهم يروجون له على سبيل التخدير والتنويم لأن جراب الحاوي فارغ من أية وسيلة أخرى .


وللحقيقة نقول أن هناك بعض علماء القانون، شككوا ورفضوا وبإصرار زمنا طويلا، الإعتراف بقانونية قواعد القانون الدولي العام، واعتبروه من العلوم السياسية وليس علما قانونيا ملزما. كل ذلك بسبب جزائه الضعيف المسيس عند الدول وانعدام سلطه التشريعية ووجود محاكم دولية. ورغم أننا لا نتبنى هذا الرأي، إلا أن ذلك لا يمنع أن نقرر بشكل أو بآخر أنه يشير بشكل صريح إلى ضعف القانون الدولي بصفة عامة، في مواجهة فروع القانون الأخرى وهي كثيرة. ويجب ألا نعول عليه كثيرا ونبني الآمال فهو سراب في سراب إن خلا من عناصر قوة أخرى ترافقه، رغم أنه يدرس في مناهج كليات القانون في كل أنحاء العالم .


لو كان هناك قانون دولي فاعل وذو جزاء فعال كما هو حال الجزاء الداخلي، لما استهزأت الدول العدوانية بقواعد القانون الدولي. ففي القانون الداخلي، جزاء السارق السجن الفعلي، وجزاء المغتصب الأشغال الشاقة، والمخالف للسير الغرامة المالية، فماذا يوجد في الحظيرة الدولية من جزاء لتسري على جميع الدول. الحقيقة أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة تكفل بكثير من الجزاءات الدولية التي تتلاءم مع طبيعة الدول. لكن المشكلة أن فرض هذه الجزاءات الواردة في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا يتم تطبيقه على الدول العدوانية وإن تمت فتتم بطريقة انتقائية كما حصل مع العراق بعد غزوه للكويت. فقط تخيلوا لتصوير الواقع المرير في القانون الدولي وتقريبه إلى مخيلة القارىء، فرض جزاءات دولية على الولايات المتحدة أو على ربيبتها إسرائيل بعد حكم من المحكمة العدل الدولية. بل إن الولايات المتحدة الأمريكية تجرأت على قضاة ونيابة المحكمة الجنائية الدولية في خطوة خارقة لقواعد القانون الدولي لأنهم أبدوا حرصا على العدالة الدولية، وملاحقة لمجرمي الحرب، ، بفرض قيود على حساباتهم وتنقلاتهم، حتى وصل الأمر بأمريكا لعقد اتفاقيات خاصة مع الدول الفقيرة المنضمة لميثاق روما تقضي بعدم تسليم حملة الجنسية الأمريكية الذين ارتكبوا جرائم حرب وضد الإنسانية لتلك المحكمة، وهم الذين طاردوا القادة الألمان واليابانيين سابقا لمحاكمتهم عن جرائمهم في الحرب العالمية الثانية، أمام محكمتي نورمبورغ وطوكيو. ألم نقل أن تطبيق العدالة الدولية انتقائي رغم الجهود الضخمة للحالمين بتطبيقها على مجرمي الحرب وضد الإنسانية ؟!


القانون الدولي العام بكافة فروعه أمر هام وبخاصة للشعوب الضعيفة المستضعفة كالشعب الفلسطيني، ويجب الحرص عليه والمناداة به. لكن يجب أن لا نضع كل اسلحتنا والإكتفاء به والتعويل عليه كسلاح وحيد ونسجد في محرابه، فلدينا وفي جعبتنا اسلحة أخر يمكن استعمالها في صراعنا مع العدوان الإسرائيلي وإجراءاته الوقحة الأخيرة. فلم لا نوقف التنسيق الأمني، لم لا نسحب اعترافنا بالدولة الإسرائيلية، لم لا نعود لتصحيح ميثاقنا، لم لا نجمد أوسلو الإقتصادي والسياسي، لم لا نجري انتخابات تشريعية ورئاسية، لم نشتري مياهنا وكهرباءنا من المحتل، وهي أمور في قدرتنا بل إن بعضها قررها المجلس المركزي وليست أمورا مستحدثة.


لو كان الجزاء الدولي يطبق كما يطبق في القانون الداخلي لرحبنا به وبالقانون الدولي العام، ولو كان يطبق بصورة متساوية وغير انتقائي لأشدنا به وبالقانون الدولي العام، ولو كان الجزاء الدولي يحترم لما شاهدنا كل تلك الحروب الدولية وضحاياها، ولما شاهدنا كل تلك الغزوات في كل أصقاع العالم ومآسيها، ولما شاهدنا كل تلك الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان في زمني السلم والحرب، فالإستقامة هي السياسة الفضلى!!!