تقترب من تحقيق رؤيا "المملكة التوراتية"

معاريف : إسرائيل القادمة: أقل ديمقراطية وأكثر عنصرية

ליאור-אקרמן.jpeg
حجم الخط

بقلم: ليئور اكرمان*

 



مع انتهاء عملية تشكيل الحكومة الجديدة، يبدو أن الخطاب الجماهيري والإعلامي المتعلق بمستقبل الدولة أصبح ضحلاً أكثر فأكثر. للعقل البشري طريق ثابت لتبسيط الأمور المعقدة، ولتسطيح المواضيع العميقة، ولإعطائنا فوراً صورة واضحة، بسيطة ومفهومة ظاهراً للواقع المركب الذي يقف أمامنا. ومع ذلك، في عصر الهزة السياسية في جهاز الحكم في إسرائيل يبدو صحيحاً ومناسباً إجراء تحليل معمق للوضع المستقبلي وعدم الاكتفاء بتفكير سريع وحدسي.
كيف يرتبط هذا بالسياسة؟ ميلنا هو أن ندخل كل شيء في أنماط معروفة. هكذا مثلا، اليميني هو الذي يقاتل زعما في سبيل أمن الدولة، بينما اليساري يبيعها بالمجان للعرب. سيحافظ الصهيوني الديني على الطابع اليهودي للدولة بينما المثلي التل أبيبي سيجر الدولة الى سدوم وعمورا. سينجح بن غفير حيثما فشل كل سابقيه، وسيعيد الحوكمة لكل اجزاء البلاد، وجاء الخلاص لصهيون. من جهة أخرى سيقيم الحريديم وسموتريتش هنا دولة شريعة والعياذ بالله. هكذا يعمل العقل، هكذا يفكر الكثيرون منا.
إذاً، لما كان الطريق الاصح هو التحليل العميق للوضع والاستناد الى الحقائق وليس الى المعتقدات فقط، فهيا نحلل ما سيحصل هنا استناداً الى الاتفاقات الائتلافية الموقعة والخطوط الأساس التي أعلنت فيها، دون أن نصف مسبقاً أصحاب المناصب ممن سيكونون أعضاء في هذه الحكومة.
البند الأول والبارز في الخطوط الأساس للحكومة الجديدة هو حقها في استيطان كل أجزاء "بلاد إسرائيل الكاملة"، بما في ذلك مناطق "يهودا" و"السامرة". يجدر بنا أن نضيف لهذا البند القرار بإخضاع منسق أعمال الحكومة في "المناطق" لوزير المالية سموتريتش، بدلاً من وزير الدفاع ورئيس الأركان.
هذا ظاهراً بند بسيط وطبيعي لحكومة يمينية لكنه ينطوي داخله، اذا ما تحقق فعلا، على إمكانية ضرر هائل.
من المحظور على إسرائيل اليوم حسب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة استيطان مناطق "يهودا" و"السامرة"، التي تعرف كمناطق توجد تحت احتلال مؤقت، حتى التسوية النهائية لمكانتها. في ضوء كونها أرضاً محتلة، فان الحاكم الحصري فيها هو قائد المنطقة الوسطى بصفته الحاكم العسكري.
ان فكرة إخضاع منسق أعمال الحكومة في "المناطق" للوزير سموتريتش يعود مصدرها الى الرغبة في أن يفرض على كل سكان "المناطق" الإسرائيليين قانوناً مشابهاً لذاك الذي يفرض على باقي مواطني إسرائيل، لكن المعنى هو أن القانون سينطبق أيضاً على السكان الفلسطينيين، ما سيحول مكانة المنطقة من محتلة مؤقتاً الى محتلة دائماً.
كل استيطان لهذه "المناطق" من مواطنين إسرائيليين وكل تغيير من طرف واحد لمكانة هذه "المناطق" سيجر وراءه بالضرورة شجباً حاداً بل مقاطعة اقتصادية وسياسية من جانب معظم دول العالم. ان نقل مستوطنين جدد الى المنطقة سيعرف كجريمة حرب، وستصدر أوامر اعتقال ضد كل رؤساء الجيش والدولة في المحكمة الدولية. فضلا عن ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي سيلغي تماما كل استثماراته في مشاريع تكنولوجية وطبية في إسرائيل، بينما ستفرض الإدارة الأميركية قيودا أمنية وسياسية، وستمتنع عن استخدام الفيتو في مؤسسات دولية على قرارات مناهضة لإسرائيل.
وماذا عن التعليم؟ حسب وثيقة الخطوط الأساس فان "الحكومة ستضع التعليم في مركز سلم الأولويات الوطنية، وستعمل على تحقيق إصلاحات في جهاز التعليم، في ظل المساواة بين كل السكان في أجهزة التعليم المختلفة وتعزيز الهوية اليهودية"، كما ستسن قانون أساس "تعليم التوراة"، الذي سيجعل تعليم التوراة قيمة عليا وملزمة في كل المدارس في إسرائيل.
المعاني هي ان تعليم التوراة وتراث إسرائيل الديني سيكون ملزما لكل تلاميذ إسرائيل، بما في ذلك في امتحانات البجروت، لكن تعليم المواضيع الأساس لن يكون تعليماً إلزامياً، وستبقى فئات سكانية كاملة مقصية تماما عن تعليم العلوم، اللغات، التاريخ، الرياضيات ومؤهلات الحياة. عملية شبه مفاجئة في ضوء كلمة "مساواة" التي لا تجد تعبيرها في سياسة الحكومة باي سبيل. قانون من هذا النوع لا يوجد في أي دولة سليمة في العالم، باستثناء دول معظم سكانها يعرفون انفسهم متدينين مثل الولايات المتحدة واسبانيا.
تتضمن الاتفاقات تعهدا بان ينص في قانون أساس على فقرة التغلب التي غايتها الالغاء التام لقدرة وقوة المحكمة العليا لتوجيه نقد قانوني أو لتقييد قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات غير متوازنة. في الصيغة الحالية وبغياب دستور لإسرائيل مثل كل دولة سليمة أخرى، معنى هذا القانون هو إلغاء تام لمعنى جهاز القضاء وإعطاء قوة هائلة وأحادية الجانب للحكم ليتخذ كل قرار يروق له، حتى لو كان يتعارض تماما وقوانين حقوق الإنسان أو الحريات الأخرى للفرد.
إضافة الى كل هذا سيسن قانون التفافي على قرار العليا لوقف التجارة يوم السبت، ما من شـأنه أن يجعل كل الأعمال التجارية العاملة في نهاية الأسبوع متجاوزة للقانون. بند آخر يقول انه سيوقف تماماً كل نوع من المواصلات العامة في نهاية الأسبوع بما في ذلك تلك التي توجد اليوم.
في المسألة الدينية مطلوب أيضاً إخضاع الحاخام العسكري الرئيس للحاخام السفاردي الرئيس بدلاً من رئيس الأركان. لهذا الموضوع معنى حرج على قدرة أداء الجيش في أوضاع الأزمة. فالفصل بين الصلاحية القيادية لرئيس الأركان وبين الصلاحية الدينية الكفيلة بأن تأتي من الخارج الى الجيش سيمس بشدة بقيمة الرسمية في الجيش وبقلب الفكرة الصهيونية التي تقبع في أساس إقامة الجيش الإسرائيلي كجيش الشعب.
بنود أخرى في الاتفاقات تسمح لكل إنسان او مصلحة تجارية الامتناع عن تقديم خدمة لشخص أو لفئة سكانية أخرى لاعتبارات دينية او ضميرية. والمعنى المباشر هو القدرة على اقصاء المثليين، اليساريين، العرب، او كل شخص وفئة سكانية معطي الخدمة ليس معنياً بمنحها لهم. في هذا الموضوع اتفق ايضا على ان يعدل قانون العودة بحيث يمنع فئات سكانية يهوديتها موضع شك من الحاخامية المتشددة من الهجرة الى البلاد والزيادة المزعومة للتمثل (اختلاط اليهود بالآخرين). المعنى هو أن يهوداً كثيرين وعلمانيين بالطبع ممن يوجدون اليوم في المنفى لن يتمكنوا من تحقيق حق العودة والسكن في إسرائيل.
ينبغي الاعتراف انه في الاتفاقات والخطوط الأساس توجد أيضاً تحسين لعموم مواطني إسرائيل، مثل إقامة شبكة قطارات سريعة، وتحسين خدمات المواصلات العامة، والدعم الحكومي للسفر فيها، وتحسين وتعزيز الأمن الداخلي في إسرائيل، وإعطاء تفضيل في جملة مجالات لمن خدم في الجيش الإسرائيلي، وتجميد أسعار ومكافحة غلاء المعيشة، وتعزيز السلام مع دول المنطقة وغيرها. لكن الحجم الأساس للاتفاقات الائتلافية يُعنى بتحقيق مصالح قطاعية وأساساً دينية لأحزاب الائتلاف بكلفة طائلة وبشكل لا يعبر عن إرادة واحتياجات اغلبية مواطني دولة إسرائيل. من المشوق أن يكون بوسعنا أن نعرف ما يمكن عمله بعشرات مليارات الشواقل في كل سنة.
لاول مرة في تاريخ الدولة خفضت مكانة المفتش العام لشرطة إسرائيل، ونقلت صلاحياته الى شخصية سياسية. لاول مرة منذ احتلال مناطق "يهودا" و"السامرة" تجرى محاولة لأن يفرض عليها قانون وادارة مدنية مختلفة تتعارض مع القانون الدولي. ان الرغبة غير المكبوحة للاستيلاء والاحتفاظ بالحكم بكل ثمن أدت بالحزب الحاكم ورئيسه الى الموافقة التامة على كل نزوات أحزاب وكتل الائتلاف.
وبالتالي فان الحديث لا يدور عن رؤيا الآخرة المخيفة والمبالغ فيها، بل عن خطوات عملية منصوص عليها في اتفاقات موقعة بتغيير طابع الدولة. أقل ديمقراطية تعددية ومساواة، اقل حرية دينية، اقل بناء وترميم أجهزة التعليم، الصحة، الرفاه والبنى التحتية المواصلاتية – واكثر تديناً، عنصرية، إقصاء فئات سكانية من الأقليات والاقتراب من تحقيق رؤيا مملكة يهودا التوراتية، التي يتطلع لها قسم كبير من عناصر الائتلاف. رئيس الوزراء على ما يبدو لا يريد أن يصل الى هناك، لكن مبنى الحكم واستعداده لعمل كل شيء كي يبقى على قيد الحياة في المنصب كفيلان بأن يجلبا الدولة الى هناك واسرع من المتوقع.

عن "معاريف"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رئيس مجلس الشعب الجديد وباحث كبير في معهد السياسة والإستراتيجية في جامعة رايخمن.