"البلدية ستقتلنا بالبطيء"

تقرير: سوق فراس الشعبي في طريقه للإزالة.. والبائعون يُناشدون!!

سوق فراس
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - مارلين أبو عون

عادت قضية نقل سوق "فراس" الشعبي بمحاله وكينونته إلى سوق اليرموك في شارع الوحدة شرق مدينة غزّة إلى الواجهة مُجدداً، وكأن الأمر لم يجد طريقه للحل مع بلدية غزّة منذ سنوات.

البداية حينما أرادت بلدية غزّة إنشاء مشاريع وأفكار جديدة تجعل مدينة غزّة تبدو أكثر تنظيماً وجمالاً من قبل، فوضعت أفكاراً لتطوير المدينة عبر هذه المشاريع، بما فيها سوق فراس الذي تصفه بـ"المتهالك" ويحتاج للمزيد من الترميم، فوصلت بمشروعها لنقل محال الباعة إلى سوق اليرموك الشعبي، وهدم السوق الشعبي الذي يعود تاريخه لمئات السنين، وبناء سوق شعبي يُضاف عليه المظهر الحضاري.

وأبلغت البلدية الباعة والتجار في سوق فراس بالمشروع الجديد، ويندرج تحته تفاصيل كثيرة منها نقل المحلات إلى سوق اليرموك بإيجار سنوي جديد يفوق ما يدفعونه في سوق فراس، بالإضافة لتقسيط الإيجارات المتأخرة على التجار، على أنّ يدفعوها كاملة مع إعفائهم من 50% من إيجار السنة الأولى في المكان الجديد.

ومن المقرر أنّ يتم تسليم المشروع لملتزم، والذي بدوره سيقوم بتحصيل أمواله من التجار والباعة، ومن لا يدفع له يحق للملتزم طرده أو رفع قضية ضده في المحكمة، وفي المقابل البلدية ستقوم برصف الشوارع المؤدية للسوق الجديد.

كثيرٌ من التفاصيل التي رآها البائع والتاجر بأنها مجحفة بحقه، ولا يمكنه قبولها، وفي إطار هذه القضية الشائكة، تواصلت وكالة "خبر" مع بعض البائعين في سوق فراس، وأعدت هذا التقرير.

"سلامة عبدو" وهو أحد البائعين في سوق فراس، قال: "إنَّ نقطة الخلاف مع البلدية فقط تتمحور حول وجود ملتزم للسوق، وهو من سيقوم بتحصيل الإيجارات بعيداً عن البلدية، مُردفاً: "منذ زمن آباءنا وأجدادنا ونحن نقوم بدفع الإيجارات للبلدية، لكِن وجود هذا الملتزم سيكون أداة ضغط علينا دون رحمة، بالإضافة إلى أنَّ الإيجارات باهظة الثمن، حيث ألزمتنا بها البلدية وكأنها لا تعيش في غزّة وترى معاناة البائعين والتجار، وكيف أنّنا بالكاد نستطيع تسديد ديوننا المتراكمة، فبعد أنّ كنا ندفع للبلدية 300 دينار وأحياناً أخرى لا نستطيع دفعهم، سندفع 2800 دينار في سوق اليرموك، أو مكب النفايات كما نُطلق عليه نحن، فهل يُعقل أنّ يرتفع المبلغ عشرة أضعاف النسبة التي ندفعها سنوياً!!".

وأضاف عبدو، في اتصالٍ هاتفيٍ مع مراسلة وكالة "خبر": "توجهنا للبلدية وهي بدورها أخبرتنا بأنَّ المشروع تم تسليمه لملتزم، وأنّ التعامل سيكون معه وليس معها، لكِنها وعدتنا بخصم 50% من إيجار أول سنة، كبديل عن تشطيب المحلات من تركيب أبواب الحديد والدهان وأعمال التشطيب، ليتم تشطيب المحل بهذا المبلغ لأنّه سيتسلمه غير جاهز".

أما عن مكب النفايات الموجود بالقرب من سوق اليرموك، فقد أوضح عبدو، أنَّ "البلدية وعدت بحل هذه المشكلة، عبر مشروع تم تصميمه وتسليمه لأحد الشركات لتنفيذه، والذي سيُغير ملامح المنطقة، حيث لن يرى المواطن مكب النفايات أو يشم روائحه الكريهة".

وأردف: "تم تشكيل لجنة من التجار والباعة في السوق للتفاوض مع البلدية"، مُتهماً البلدية بأنّها تُحاربهم بلقمة عيشهم، في ظل تأزم الأوضاع الحياتية، لأنّها تقوم بإعطائهم "إبر بنج" ليس أكثر.

ودعا الجميع من وسائل إعلام ومسؤولين ومؤسسات مجتمع مدني، إلى الوقوف معهم في هذه المحنة التي يمرون بها، ومطالبة البلدية بالعدول عن بعض قراراتها المجحفة بحقهم، لكي لا يكون مصيرهم في الأيام المقبلة إما السجن أو الإفلاس.

كما قال بائعٌ آخر: "إنَّ أول شروطنا هي أنّ يقوموا بإزالة مكب النفايات، والثاني أنّ يكون السوق جاهزاً وكامل الخدمات من كهرباء ودورة مياه وموقف سيارات، والشوارع الفرعية المؤدية له مرصوفة".

وأوضح أنَّ مساحة تتكون من عشر أمتار ونصف "3 متر *3 متر ونصف"، وقد طالب البلدية بأنَّ تُعطيه محلاً بنفس الحجم ولا تُلزمه بمحلات أصغر وبسعر أكبر عشرة أضعاف، مُناشداً الجميع بالوقوف عند مسؤولياته.

واستدرك: "البلدية تقتلنا بالبطيء، وتقوم بمص دمائنا ونحن لا نستطيع إعالة أسرنا، والكثير منا مكسور ومُهدد في أيّ لحظة بالسجن، وبقرارها ومشروعها الجديد ستقضي علينا". 

فيما أوضح بائع أخر في السوق، بأنَّ البلدية أخبرتهم بأنّها ستقوم برصف 4 أو 5 متر من الشوارع الرملية المحيطة بالسوق الجديد ويبقي الشارع الترابي كما هو، والذي سيُشكل معاناة للكثير من المواطنين. 

وأكّد على أنَّ المحلات الجديدة صغيرة الحجم مقارنة بمحال سوق فراس، حيث سيحتاج التاجر لاستئجار محلين ليستطيع عرض بضاعته كما كان في السابق.

وتابع حديثه: "تراكم علينا مبالغ ومديونيات يجب سدادها للتجار بالكاد قادرين أنّ نُسيّر أمورنا ونُسدد بعض من الديون المتراكمة علينا أو الإيجار المستحق للبلدية، وهي تُريد تقسيطه على دفعات بجانب الإيجار الجديد"، مُتسائلاً: "هل رأيتم ظلم أكثر من هذا الظلم؟، بهذه الصورة يجب أنّ نعمل ليل نهار ونجبر المواطن على الشراء منا بثمن أغلى مثل المولات لكي نستطيع تحصيل أجورنا والسداد للملتزم، وبالتالي سيفقد سوق فراس شعبيته التي يتصف بها وتُصبح أسعارها مرتفعة جداً، ويبحث المواطن عن مكان آخر للشراء منه". 

وكان مدير التخطيط في بلدية غزّة، ماهر سالم، قال في مقابلة سابقة: "إنَّ رؤية المشروع موجودة منذ قدوم المجلس البلدي الأول لبلدية غزّة في عهد الراحل عوني الشوا عام 1994م، وكان هناك نظرة لتطوير سوق فراس وتغيير ملامح السوق الموجود الذي لا يرقى لأنّ يكون واجهة مدينة غزة ولا يعكس حضارتها".

أما عن مكب النفايات، فقد بيّن أنَّ مشروعاً قائماً تم ترسيته على شركة "الخيسي"، ومع نهاية هذا الشهر سيتم العمل عليه بطريقة حضارية، حيث سيتم تحويل مكب النفايات إلى معلم جديد ولن يرى المواطن بعد ذلك مكب النفايات متل السابق.

ولفت سالم، إلى أنَّ البلدية دفعت مبلغ مليون دولار أمريكي كمساهمة منها لإنشاء هذا السوق، من تشطيب محلات ومعرشات ودهان للمحلات وكراج للسيارات ومعرش زينكو، بلاط وأبواب.

وأوضح أنَّ هناك أربع شوارع تُحيط بالسوق الجديد اثنين منهما مرصوفان وجاهزان، واثنين يحتاجان لرصف وتكلفة رصفهما تحتاج لنحو مليون دولار، لكِن البلدية لا تستطيع أنّ تتحمل هذه الميزانية الكبيرة ، وخلال منحة عام 2023 سيكون هناك مخصص مالي لتطويل هاذين الشارعين.

واستطرد: "السوق مقسم إلى أربع خانات a-b-c-d ، المحلات الموجودة على المداخل  مساحتها كبيرة وهي تقريبا من 6 إلى 8 محلات وُضعت لها مبالغ إيجار سنوية تُقدر بـ2800 دينار أردني، ومحلات أخرى بمساحة صغيرة بـ600 دينار أردني، والباقي بحدود 1000 دينار تقريباً".

ونبّه سالم، إلى عدم وجود أيّ تأجيل للدفعات الجديدة في سوق اليرموك، أما الدفعات السابقة سيجدون لها آلية لكي يدفعها البائع والتاجر بشكل مُيسر.

وسوق فراس الشعبي، هو أحد أقدم الأسواق في مدينة غزّة، حيث يضم "حسبة للسمك، ومحلات لبيع اللحوم والخردوات والأدوات المنزلية، والفواكه والخضروات"، وتُديره بلدية المدينة التي تحصل على إيجار بعض المحال التجارية منه، بينما تُدير وزارة الأوقاف أجزاء أخرى، إلى جانب بعض المُلاك والورثة. 

ولا تتجاوز مساحة سوق فراس 33 دونماً، ويقع في الناحية الغربية لبلدية غزّة إلى الغرب من مدينة غزّة القديمة، وقد اشتهر السوق التراثي بأهميته الاستراتيجية لدى سكان غزّة، وتحديداً مناطق "الزيتون، عسقولة، الدرج، الصبرة"، إلى جانب مناطق أخرى تعتمد عليه في توفير الحاجيات الأساسية.