لبنان لا يستطيع تحمل الهدوء لفترة طويلة، لا سيما الهدوء السياسي. "قنبلة ثقيلة"، كما تسميها وسائل الاعلام العربية لوصف المفاجأة غير المتوقعة، سقطت أول أمس على الساحة السياسية اللبنانية وما زالت شظاياها الخطيرة تحلق في الأجواء وهي تبحث عن الأهداف.
"المتفجرات" قام بتشغيلها في هذه المرة سمير جعجع، رئيس حزب "القوات اللبنانية"، الذي أعلن عن تأييده للجنرال ميشيل عون لمنصب رئيس الدولة. ومن اجل فهم حجم الزعزعة يجب علينا أن نتخيل احتمال أن يؤيد نفتالي بينيت زهافا غلئون لرئاسة الحكومة. قام جعجع في لحظة بقلب ظهر المجن السياسي المشلول في لبنان حينما بدل ولاءه لسعد الحريري رئيس حركة "المستقبل" المعارضة لسوريا بالتحالف مع العدو برئاسة حزب الله الذي يعتبر عون رئيسا مناسبا ومطلوبا. النتيجة المحتملة لهذا التغير الدراماتيكي هي أن تعيين الرئيس للبنان سيتأجل مرة اخرى.
وثانيا، رئيس لبنان القادم سيكون شريكا قويا لحزب الله. وبهذا تكسب ايران المزيد. وفي المقابل، السعودية ستضطر الى تلقي هزيمة اقليمية اخرى. فترة رئاسة ميشيل سليمان القانونية انتهت في أيار 2014.
صحيح أن الدولة لم تتوقف عن التنفس وهي تعمل مع رئيس انتقالي. وعمليا ليس هناك أي تجديد في المرحلية الدائمة التي تميز الحكم في لبنان. ميزانية الدولة هي ايضا لا تتم المصادقة عليها منذ 11 سنة حيث تعتمد الحكومة على ميزانية استثنائية تتم المصادقة عليها مرة تلو الاخرى. وقد خصص البرلمان اللبناني 34 جلسة لتعيين الرئيس ولم ينجح في أي واحدة منها في الوصول الى الحسم. وقد غاب اعضاء الاحزاب المختلفة عن الجلسات لمنع الحصول على الاغلبية المطلوبة. الرئيس اللبناني ليس فقط شخصية مراسيم. فهو الذي يوكل لرئيس الحكومة تشكيل الحكومة ويستطيع اقتراح قوانين والمشاركة في جلسات الحكومة واقتراح الوزراء.
وهذا هو الامر الرئيس في الصراع الآن. حسب الدستور هناك حاجة الى اغلبية ثلثي الوزراء من اجل اتخاذ القرارات المصيرية مثل المصادقة على الميزانية وتغيير قانون الانتخابات أو الاعلان عن الحرب. من هنا تأتي أهمية الانتماء السياسي للوزراء وولاءهم لمن قام بتعيينهم في اطار بناء التركيبة الائتلافية.
الوزير الذي ينتمي الى "مجموعة وزراء" الرئيس يمكنه افشال أو انجاح أي مبادرة أو أي قانون يقترحه وزير من جسم سياسي آخر. اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية في لبنان بعد 15 سنة والذي تم توقيعه في 1989 ينص على أنه لن تكون اغلبية سياسية لأي طائفة دينية. وبناء على هذا الوضع فان البنية السياسية في الدولة ملزمة بانشاء ائتلاف أو أقطاب يشارك فيها المسلمون والمسيحيون. هذه ليست فقط سياسة دينية أو طائفية. ففي هذه البنية تلعب العلاقات الشخصية بين القادة دورا رئيسيا. والولاء للدول الاجنبية مثل ايران وسوريا والسعودية يكون له تأثير كبير.
قبل شهرين لوحظ أن هناك فرصة للخروج من الازمة السياسية عندما اقترح سعد الحريري، نجل رفيق الحريري رئيس الحكومة الذي قتل في 2005 على أيدي الاستخبارات السورية وبمساعدة حزب الله على ما يبدو، اسم سليمان فرنجية لرئاسة الحكومة. وقد كانت هذه مفاجأة كبيرة حيث أن فرنجية هو صديق بشار الاسد، هذه الصداقة التي هي استمرار للصداقة الشجاعة بين جده سليمان فرنجية الذي كان رئيسا للبنان في 1970 – 1976 وبين حافظ الاسد والد بشار. الحريري الذي يعارض التدخل السوري والايراني في لبنان اعتقد أن فرنجية سيكون رئيسا مقبولا من جميع الاطراف، لا سيما بعد حصوله من الأخير على وعد بتعيينه رئيسا للحكومة وتغيير قانون الانتخابات. وقد أيدت السعودية ذلك لأن الرياض سيكون لها تأثير وتحجيم عون الذي هو الشريك السياسي لحزب الله.
إلا أن اقتراح الحريري أغضب جعجع الذي يوجد شرخ بينه وبين عائلة فرنجية منذ الحرب الاهلية. فقد كانت القوات اللبنانية التابعة لجعجع هي التي قتلت طوني فرنجية، والد سليمان في 1978. ورغم أن جعجع نفسه لم يشارك في القتل، فان هذا الجرح النازف لم يلتئم. جعجع عارض بشدة تعيين فرنجية وكانت نتيجة ذلك أنه ترك الحريري بعد أن عمل معه لسنوات طويلة، وأصبح يؤيد عون. عون وفرنجية هما مسيحيان يؤيدان التدخل السوري في لبنان. لذلك لولا الدم الفاسد لما كان هناك فرق بينهما في نظر جعجع.
وقد برر جعجع خياره بالقول إن عون هو فقط شريك سياسي لحزب الله، أما فرنجية فهو "صناعة سورية". وبالتالي فان عون هو الأقل سوءً. يمكن الشك في هذا التبرير لأن قرار جعجع قد ينبع من أنه كان يطمح ليكون رئيسا للبنان، وفوجيء من توجه الحريري الى فرنجية دون التشاور معه. النتيجة في الوقت الحالي هي انبعاث ائتلاف مسيحي كبير يشارك فيه حزب جعجع مع "حركة الوطنيين الاحرار" الذي هو حزب عون الذي كان معارضا شديدا لسوريا الى أن تم نفيه الى فرنسا في 1990. سيكون حزب الله راضيا عن هذه الخطوة. اذا تم انتخاب عون للرئاسة بدعم من جعجع، سيتراجع وضع الحريري ومعه وضع السعودية التي هي العدو الاكبر لايران. المشكلة الآن هي أن عون يحتاج الى ثلثي اعضاء البرلمان (86 من أصل 128 نائب). وفي هذه الاثناء يوجد الى جانب الحريري خصمين قويين هما رئيس البرلمان نبيه بري، الشيعي، ورئيس الدروز وليد جنبلاط. الاثنان لا يتلهفان لتعيين عون. معركة ليّ الاذرع ستُدار الآن بين السعودية وايران قبل ارسال الورود الى عون.
عن "هآرتس"