حراك مئات الآلاف في شوارع تل أبيب واللامبالاة والصمت في الشارع الفلسطيني!

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

شهدت تل أبيب مساء أمس واحدة من أضخم المظاهرات في تاريخها بعد أن كانت قد شهدت في الأسبوع الماضي مظاهرة أصغر من مظاهرة الأمس تجاوز عدد المشاركين فيها الثمانين ألفا بينما جاء عدد المشاركين في مظاهرة الأمس أكثر من ذلك بكثير.


وقد جاءت المظاهرتان في سياق الحراك الشعبي الذي يقوم به مئات الآلاف من الإسرائيليين احتجاجا على الخطة التي ينوي ياريف ليفين وزير العدل الجديد وبالتنسيق والدعم من رئيس الوزراء نتنياهو تنفيذها للحد من صلاحيات المحكمة العليا بصفتها محكمة دستورية، وإعطاء الحكومة الأكثرية في لجنة اختيار القضاة والحد من صلاحيات المستشار القانوني للحكومة الذي لا يخضع حاليا وحسب النظام الحالي الى سلطة الحكومة، واخضاعه لها مما يشكل، حسب معارضي هذه الخطة، مساسا ً خطيرا ً بسيادة حكم القانون وجوهر الديمقراطية التي قامت عليها دولة إسرائيل.


والملفت للنظر أن حدة التوتر قد زادت بعد أن قررت المحكمة العليا، التي ترأسها القاضية استير حايوت، بأكثرية عشرة قضاة مقابل واحد بأن أرييه درعي زعيم حركة شاس لا يجوز أن يشغل أي منصب وزاري لتورطه بقضايا فساد في الماضي ولأنه محكوم بالسجن مع وقف التنفيذ، وتلا ذلك كتاب من جالي يهراب ميارا المستشارة القانونية للحكومة يطلب من نتنياهو الامتثال لقرار المحكمة وتنفيذه فورا ًبتنحية درعي عن تولي أي منصب وزاري.


والملاحظ أن من بين الدوافع الرئيسية التي تكمن وراء خطة التغييرات في النظام القانوني القائم، تهيئة الأجواء لإغلاق الملفات الجنائية الثلاث المرفوعة أمام المحاكم ضد رئيس الوزراء نتنياهو مما يجعل إسرائيل تقف اليوم على مفرق طرق فهي إما أن تتخلى عن نظامها القانوني والأسس الديمقراطية التي ظل قادتها يتغنون بها منذ قيامها وتتحول الى دولة شرق أوسطية بكل المعايير، وإما أن تنجح معارضة خطة التغيير سواء بوقف تنفيذ هذه الخطة أو اجراء تعديلات جوهرية عليها تخفف من أضراها.


لا يزال الحراك ضد المساس بنزاهة القضاء وبالديمقراطية وسيادة حكم القانون بإسرائيل في أوله، ولكني أعترف بأنني أتابع ما يجري في إسرائيل وأنا أشعر بالحزن اذا ما قارنت مئات الآلاف التي تخوض الحراك الشعبي في إسرائيل دفاعا ً عن العدالة والديمقراطية بالصمت المطبق على الساحة الفلسطينية إزاء الغاء السلطة التشريعية ورفض اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية والعبث العشوائي الذي تتعرض له السلطة القضائية.


لقد مضى على الانقسام أكثر من خمسة عشر عاما ً نعيش خلالها بدون برلمان وبدون ديمقراطية ونشهد عملية تشريع تتم من خلال أفراد غير منتخبين ولا تخضع للأصول والإجراءات التي نص عليها القانون والتي تحدد كيفية اقتراح ومناقشة وإقرار القوانين في البرلمان، ومع ذلك لا نرى أي حراك شعبي ضد الانقسام أو مطالبة بعدم التدخل في النظام القضائي أو بإجراء انتخابات.


هذا الصمت والرضوخ واللامبالاة التي يشهدها الشارع الفلسطيني لا تقتصر على الصمت والسكوت على الانقسام وانتفاء الديمقراطية وانتهاك استقلال القضاء، وانما يمتد ليشمل مختلف أوجه الحياة بحيث يتم التعامل مع ما يجري وكأنه قدر أو نمط حياة يجب التعايش معه وأقصد بالتحديد أعمال القتل اليومي التي يتعرض لها أبناء شعبنا وأعمال القمع التي يمارسها الاحتلال ضدهم وأعمال النهب والسلب والسطو المسلح التي تقوم بها عصابات المستوطنين ضدهم.


لا يجوز أن تكون مئات الآلاف التي تتظاهر في شوارع تل أبيب وميادينها أكثر وعياً منا وأكثر حرصاً على حقها في الديمقراطية والعيش في ظل نظام قانوني يسوده حكم القانون واستقلال القضاء. ولا يجوز أن تكون أكثر احتراماً منا لحياة أبنائها وممتلكاتهم وحرياتهم.


نحن بحاجة الى الوقوف مع أنفسنا والتساؤل عما أوصلنا الى هذه الدرجة من اللامبالاة.


ونحن بحاجة الى صدمة كهربائية تخرجنا من حالة الذهول التي دخلنا فيها وتوقظ فينا حواسنا واحترامنا لأنفسنا ولحياة أبنائنا وكرامتهم ولحقنا في الحرية، حرية التنقل والتملك والتعبير ولحقنا في الحياة الكريمة الآمنة.


نحن بحاجة لأن نشعر بأننا على قيد حياة نستحقها وأننا لسنا في عداد الأموات الأحياء.