هارتس : إسـرائيـل تؤكّـد للعالـم أنهـا لم تعد ديمقراطية ليبرالية !

مردخاي كرمنتسار.png
حجم الخط

بقلم: مردخاي كرمنتسر

 

 



خلافاً لما يتم الادعاء به وخلافاً للصهيونية الدينية، امتنع "الليكود" عن أن يعرض قبل الانتخابات برنامجه لتدمير الديمقراطية وسلطة القانون (بلغة الكذب السائدة الإصلاح القضائي). لذلك، كان من بين مصوتي "الليكود" من اعتقدوا بأنهم يؤيدون خطط لفين، وكان هناك من اعتقدوا بأنهم يؤيدون بالتحديد نتنياهو، حامي جهاز القضاء. حتى بعد الانتخابات لم تظهر الحكومة نزاهة أساسية واحتراما لحق الجمهور والكنيست في المعرفة عن طريق نشر كل الخطة. بدلا من ذلك عرض وزير العدل المرحلة الأولية فقط في برنامج الحكومة.
ايضا في لجنة الدستور يجري نقاش غريب (حول مشروع قرار، من ناحية قانونية ليس واضحاً جوهره) ناقشوا فيه جزء واحدا فقط من بين جميع الاقتراحات لتصفية مكانة المستشار القانوني كحارس لسلطة القانون وتحويله شخصا يرش الحشرات. على سبيل المثال، عن طريق تحويل هذا المنصب الى منصب يتولاه شخص يثق به الوزير. يتركز النقاش، الآن، في مكانة المستشار القانوني هل هو مفسر معتمد للقانون أم مجرد مستشار، وحول سؤال هل يوجد للمستشار احتكار تمثيل الدولة في المحاكم.
من الجيد أن هناك تسريبات. هكذا، بوساطة الصحف تصل للجمهور معلومات عن مراحل أخرى للخطة. مثلا خطة "تقليص" مكانة قانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته، الى مكانة قانون عادي. لأنه في القراءة الثالثة أيده فقط 32 عضو كنيست مقابل 21 عارضوا. ولا تساعد حقيقة أنه كان ثمة دعم واسع للقانون ونبع عدد المؤيدين القليل من أن الكثير من اعضاء قائمة "العمل" الذين أيدوا القانون غابوا عن جلسة الكنيست بسبب انتخابات مبكرة جرت في ذلك الوقت. ولا تساعد ايضا حقيقة أن المصادقة على قانون الاساس في 1994 حصلت على تأييد كاسح في الكنيست: في القراءة الاولى أيده 82 عضو كنيست (في حين أن الائتلاف كان يضم فقط 62 عضوا)، وفي القراءة الثالثة أيده 67 عضو كنيست وعارضه فقط 9 أعضاء.
قانون الأساس هذا رغم جزئيته، ورغم أنه قابل للتغيير بأغلبية عادية، إلا أنه درة التاج للدفاع عن حقوق الإنسان في إسرائيل. هو المصدر الأول للتفاخر بطابع إسرائيل الديمقراطي. نية "تخفيض" مكانة القانون ترفع القناع عن وجه الائتلاف، وتكشف أن حقوق الإنسان بالنسبة له هي مثل قشرة الثوم. جميع الخطوات تدل على ذلك، ونتائجها المتراكمة – سلطة الأغلبية التي ستصبح بدون قيود يمكن أن تمس بحقوق الإنسان والأقليات كلما أرادت ذلك.
إن تخفيض مكانة قانون الاساس هذا هو بمثابة إبلاغ للادارة الأميركية والديمقراطيات الليبرالية الاخرى بأننا نحن لا نشارككم قيم مشتركة. نعم، هذه خطوة منطقية ومطلوبة. ما شأننا والولايات المتحدة الأميركية، عندما تقف الى جانبنا هنغاريا. إن تخفيض مكانة قانون الاساس هو إعلان وعلى رؤوس الاشهاد بأن "الليكود" لم يعد حزبا ليبراليا. يدور الحديث في المخطط عن احتمالية أن تتم اعادة سن القانون على أنه قاس أساس، لكن مع احتمالية كهذه لن يكون بالامكان الذهاب إلى "الطابو". واذا تم سنه فما الذي ننتظره من الائتلاف الحالي، الذي قلوب معظم الاعضاء فيه فظة تجاه حقوق الانسان، والذي مفهوم المساواة يثير فيه القشعريرة؟. يمكن فقط محاولة تخيل أي تحطيم للاعضاء سيقوم به غير الليبراليين في الجسم الناقص والمعيب للقانون القائم.
أيضا ستتم مناقشة توسيع الحق في المثول أمام المحاكم، وهي خطوة مشتركة ومرحب بها للرؤساء شمغار وبراك، رغم أن الرئيس المحافظ لنداو كان يعرف أيضاً كيفية فتح باب المحكمة عندما يكون هذا مبررا، مثلما هي الحال في قرار حكم بيرغمان الذي تناول عدم المساواة في تمويل الحزب، وتوسيع الحق في المثول أمام المحاكم تتمتع به بالأساس مجموعات ضعيفة في المجتمع مثل النساء، اللواتي فقط بفضل الالتماس العام حصلن على تمثيل مناسب أكثر في مجالس ادارة شركات حكومية، وأيضا الجمهور العربي الذي بفضل الالتماس العام حصل على أن تمول الدولة بصورة متساوية نفقات الدفن للعرب واليهود وما شابه. لذلك، ليس من الغريب أن المقاربة النيوليبرالية والذكورية العالية التي تحكم الائتلاف لا تظهر أي حساسية تجاه النساء. تقليص حق الصمود سيغلق أبواب المحكمة أمام التماسات محقة وحيوية.
من ناحية نتنياهو والمجرمين والمتهمين الآخرين فان الهدف الاول هو المستشار القانوني للحكومة. اذا اعطي لهم ما يريدونه فلن يبقى أي شيء من هذا الحصن لسلطة القانون. النائب العام أو الرئيسي سيتم تعيينه سياسيا، حيث سيتم خصي قدرته على محاربة الفساد في الحكومة. سيعرف المستشار القانوني فقط كيفية هز الرأس، وستختفي كلمة "لا" من قاموسه.
في الجهاز المعياري الجديد الذي ستأتي به خطة لفين لن يكون هناك أي ذكر لسلطة القانون والمساواة أمام القانون. يبدو أن قادة هذا الانقلاب لم يتأخروا بسبب قصر النفس في الاسراع والتدمير. ولم يتأخروا في طرح سؤال هل سيكون في هذا الجهاز للدولة الحق في مطالبة المواطنين بالامتثال للقانون؟ اذا كان الجواب "لا" فالى أين نحن ذاهبون؟
تعدد الخطوات وطبيعتها المتطرفة تبعدها عن عالم العقلانية. يبدو أن ما يشرحها هو العداء والمعاداة لقضاة المحكمة العليا التي زرعها لفين عندما عاد وسماهم، خلافا للحقيقة، يساريين ومناهضين للصهيونية. وُجه العداء والمعاداة أيضاً للمستويات المهنية في وزارة العدل، التي وصفها نتنياهو بأنها قامت بحياكة مؤامرة سياسية للافتراء عليه، وهو الضحية العاجزة، من أجل إبعاده عن الحكم. يعرف نتنياهو بشكل جيد أن الأمر يتعلق بمناورة، لكن الكثير من مؤيديه تم إغراؤهم من اجل تصديق ذلك. ولكن مثل هؤلاء القضاة والمستويات المهنية هم النخبة التي تصنفها أي حكومة شعبوية بأنها عدوة الشعب.
من الخطأ الاعتقاد أن هذا هو جوهر الانقلاب على المستوى الإداري والقضائي. سيتم بذل جهود من اجل تغيير الطريقة القضائية لإعادة درعي وزيرا في الحكومة. في موازاة ذلك ستستمر جهود بن غفير لتحويل الشرطة الى جسم سياسي خاضع لإمرته. وسيستمر سموتريتش في السعي الى تقويض وحدة القيادة في "المناطق". في وزارة الثقافة والإعلام ستكون هناك معركة ضد حرية التعبير الانتقادي (بما في ذلك بكل ما يتعلق بالحقائق) بغطاء الدفاع عن كرامة الدولة والجيش. سيتم نزع الشرعية عن كل من يعارض الدولة الدينية القومية – المتطرفة، اتي يريدون أن تكون هنا وتسيطر على حياتنا. ستواصل وزارة التعليم خط غالنت وشاشا بيتون في قضية "غولدرايخ" – ملاحقة من يعارضون سياسة إسرائيل في "المناطق". ومثلما في كل طريقة للانتقال من الحرية الى العبودية، ستعمل الوزارة على تطبيق شعار "أنت لا تنتمي لنا ولكن أولادك سيكونون مثلنا".
حتى الآن لم يقل أي شيء عما ينتظرنا في مجال الإعلام: سيتم فعل أي شيء كي لا يسمع أي انتقاد ضد الحكومة من أجل أن تسيطر الرواية الحكومية ومن أجل استغباء الجمهور. في أعقاب هذه العملية المنظمة لن يكون بالإمكان عملياً تغيير الحكومة. لن يتمكن الشعبويون من السماح لأنفسهم بالفشل في الانتخابات. لذلك، هم سيفعلون كل شيء لإدامة حكمهم. وبعد كل شيء لن يخطر ببالهم، مثلا، أن يعطوا صلاحية تعيين القضاة الى الخصم السياسي الذي هو خصم غير شرعي بالنسبة لهم. على هذه الخلفية يظهر من يقترحون تقديم تنازلات للائتلاف مثيرين للشفقة بشكل خاص ومقطوعين عن الواقع. هل هذا الاستعداد بالفعل هو رفع للراية البيضاء؟ ما هو الحل الوسط الذي يمكن توقعه بين الأسد والخروف؟

 عن "هآرتس"