هل تُغيّر «ليوبارد» مجرى الحرب في أوكرانيا؟

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

أخيراً وبعد مماطلات وتهرّب من إلحاح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تزويد بلاده دبابات ألمانية، وافقت برلين على هذا الطلب، وأعلنت تسليم كييف 14 مجنزرة حديثة من نوع "ليوبارد 2"، مع التعهد بإرسال القطع التشغيلية وتفعيل الصيانة الدورية لها.
المستشار الألماني أولاف شولتس الذي امتنع لأشهر عن إرسال الدبابات؛ بسبب التخوف من تصعيد الحرب وتوسيع رقعتها الجغرافية إلى أبعد من الحدود الأوكرانية، قرّر بعد ضغوط أميركية الموافقة على الطلب الأوكراني، والاستعجال في مد كييف بهذا النوع المهم من الأسلحة الثقيلة.
لكن ما الذي يجعل واشنطن التي تمتلك دبابات حديثة ومجهزة من طراز "أبرامز" تضغط على ألمانيا لتسليم دبابات "ليوبارد"؟ الجواب مرتبط بأكثر من عامل. أولاً: تبحث الولايات المتحدة الأميركية في توريط الاتحاد الأوروبي أكثر فأكثر في هذه الحرب، وجعله طرفاً في الصراع الحالي. ثانياً: لا ترغب واشنطن أن تتحمل وحدها كل العبء في تقديم كل أنواع المساعدات إلى أوكرانيا، وتدفع باتجاه أن تشارك الدول الأوروبية في دفع تكاليف تمويل الحرب. ثالثاً: ترى المؤسسة العسكرية الأميركية أن تسليم مجنزرات "ليوبارد" الألمانية إلى كييف هو الحل الأمثل، لسهولة توفير القطع اللازمة وإمكانية الصيانة المنتظمة لها، وكذلك سهولة إمدادها بالمقذوفات وتوفيرها على نطاق واسع في ساحة الحرب.
يوجد لدى الدولة المصنعة ألمانيا، وحوالى 12 دولة تنتمي إلى حلف "الناتو"، نحو 3500 دبابة "ليوبارد"، ويبدو أن إعلان برلين فتح شهية العديد من الدول الأوروبية لتزويد كييف مثل هذا النوع من الدبابات، إلى درجة أن أوكرانيا وجدت في هذه الإعلانات "حلف الدبابات الكبير".
مجرد أن أعلن المستشار الألماني نيّة بلاده إرسال "ليوبارد 2" إلى ساحة المعركة في أوكرانيا، هرع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تقديم 31 دبابة حديثة من طراز "إم 1 أبرامز"، تزامن معه إعلان بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وبولندا إرسال مجنزرات حديثة.
موسكو التي توعدت الغرب بحرق جميع دباباته، اعتبرت الأخير منخرطاً بشكل مباشر في هذه الحرب. غير أنه من المستبعد أن تتخذ روسيا إجراءات عسكرية تتجاوز الجغرافيا الأوكرانية، وأغلب الظن أنها ستتعامل مع هذا التغير العسكري بزيادة تسليح القوات ورفع وتيرة القتال.
الكثير من الآراء تتحدث عن قوة المجنزرة الألمانية "ليوبارد 2" واحتمالات أن تغير مجرى الحرب في أوكرانيا، وكل التقارير العسكرية أيضاً أعطت علامة عشرة من عشرة لهذه الدبابة التي تعتبر الأقوى في العالم، والأكثر تدرعاً وسرعةً، والأقل أعطالاً وصيانة وقدرة رهيبة على التصويب الدقيق خلال المناورات العسكرية.
بصرف النظر عن كل الغزل الجاري بهذه المجنزرة، ومعها أخواتها من المجنزرات الأميركية "أبرامز" والبريطانية "تشالنجر 2"، إلا أن أوكرانيا لا يمكنها تغيير مجرى الحرب دون الحصول على مختلف العتاد العسكري من مدفعيات ثقيلة ورادارات وأنظمة الدفاع الجوي وطائرات حديثة توازي قوة وحداثة الطائرات الحربية الروسية.
قد تحدث الدبابات الغربية اختراقاً في خطوط التماس مع الروس، لكن ثمة عوامل عديدة تجعل موسكو في موقع أقوى من أوكرانيا. أول هذه العوامل يتعلق بجاهزية وتدريب الجندي الروسي على قيادة المجنزرات من طراز "تي 72" و"تي 80" والحديثة منها "تي 90".
الجندي الأوكراني يحتاج إلى تدريبات مستمرة للتعامل وقيادة أكثر من نوع دبابة غربية، ثم إن كييف بحاجة إلى ورشات صيانة موجودة داخل أراضيها، وتشمل قطع عسكرية وقذائف متعددة الأحجام وتستوعب بعض الدبابات وليس جميعها.
في المقابل، ليس بحوزة روسيا حالياً عدد كبير من مجنزرات حديثة مثل "تي 90"، ولم تدخل بعد مجنزرة "تي 14 أرماتا" فخر الصناعة الروسية الخدمة العسكرية، وأغلب مجنزراتها تعود للحقبة السوفياتية، ولا يمكنها منافسة نظيراتها الغربية بسبب صغر محركها وقلة تسارعها وكذلك قلة تدرعها.
العامل الثاني مرتبط بالقدرات التسليحية الروسية، إذ على فرض أن روسيا التي تمتلك أكبر مخزون من الدبابات في العالم بأكثر من 12400 مجنزرة خسرت على الأرض معركة الدبابات، فقد تحسم المعركة في الجو وعلى الأرض باستخدام طائراتها الحربية الحديثة وكذلك أنظمة الاستشعار والرادارات.
ثالثاً وهو عامل الوقت، إذ قد تستعجل روسيا تعزيز قواتها العسكرية شرق وجنوب أوكرانيا قبل وصول الدبابات الغربية، لتفادي أي ضربة محتملة من قبل كييف تهدف إلى استعادة أراضيها، وكذلك قد تلجأ موسكو إلى التشويش على أوكرانيا بتوسيع رقعة فتح النار على طرق رئيسة وجسور وبنى تحتية إستراتيجية، مثل المطارات والمصانع والموانئ، لمنع أي هجوم عسكري يطال قواتها وتحديداً في شبه جزيرة القرم.
نعم قد تحدث المجنزرات الغربية بعض الخسائر في القوات الروسية، لكنها لن تُغيّر مجرى الحرب باستثناء إطالة عمرها وزيادة نسبة الحساسية والعدائية بين روسيا من جهة ودول أوروبا الغربية، وقبلها الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.