منذ فترة طويلة، أتلقى رسائل من أشخاص أعرفهم، وممن لا أعرفهم، يشكون حالهم، وما آلت إليه ظروفهم القهرية، بعد أن تمكنوا من ركب المخاطر، والوصول إلى دول اللجوء، في أوروبا.
القاسم المشترك الأعظم في تلك الرسائل، هو حالة الضياع، والخوف من مستقبل مجهول، ينتظرهم، وينتظر أبناءهم.
الكثير من تلك الرسائل، أصحابها ممن عايشوا الثورة، بل وكانوا أبطالاً فيها، ولهم من الذكريات الكثير، ومعظمهم لم يختر الهجرة طواعية، بل إن الظروف القاهرة هي من أرغمته على ركوب البحر والهجرة، أو اللجوء للمهربين، عبر البر.
الآن، هناك عشرات آلاف الهائمين على وجوههم، تتحكم بهم قوانين الدول الأوروبية، يكدون ويجتهدون، لكسر حاجز اللغة، والبحث عن عمل يقوتهم، ذلك أن ما تدفعه الدول الأوروبية - بالمتوسط - لا يفي لعيش كريم، ولا يزيد عن ثلاثمائة يورو.
يعيش اللاجئ الفلسطيني في أوروبا، غريباً بمعنى الكلمة، يتابع أخبار شعبه ووطنه عن بعد، ويتساءل بينه وبين نفسه على الأقل سؤالاً وجودياً عميقاً: من أنا؟ .. وكيف لي أن أحدد علاقتي بوطني وشعبي وتاريخي.
هذا السؤال الوجودي العميق، قد يجد بعضهم بأن الجواب السلبي، وهو كيل الاتهامات بل والشتائم، على ما هو قائم، سلطة و»م. ت. ف»، هو الخلاص من الإجابة... لكن ذلك الأسلوب هو أسلوب عدمي لا يجيب على السؤال، بل إن من شأنه تعقيد الأمور.
لا أرغب، ولا أحب، المقاربة بين وضع الفلسطينيين، المشتت والمبعثر في أوروبا، وغيرها من دول العالم، وضرورة قيام وكالة عالمية، تشبه الوكالة اليهودية، التي لعبت دوراً مهماً ومميزاً، في تأطير يهود العالم، رغم تشتتهم الواسع، في إطار عمل موجه وموحد، لإقامة دولة إسرائيل.
وبين حالتنا الفلسطينية. للفلسطينيين تاريخ واحد، ولغة واحدة. صحيح أن تشتتهم الراهن - في حال ترك الأمور على غاربها، ودون اللجوء لأساليب هي سهلة ويسيرة - يؤدي إلى تأطير جهودهم، في إطار وطني عام، هو «م.ت.ف»، من الممكن أن يتعرض معظمهم للضياع، وذوبان الجيل التالي للانصهار في الدول الأوروبية، وضياع الهوية الوطنية الفلسطينية.
ما هو قائم الآن، لا يساعد، ولا يفي، بغرض الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، بل يعمقها في دول اللجوء الأوروبية - تحديداً.
أتحسس وأتلمس وأشعر بعمق المأساة، من خلال قراءة ما يصلني من رسائل، وأشعر بواجبي الوطني تجاههم لكن ذلك لا يكفي.
على الجاليات الفلسطينية، وبها طاقات علمية وسياسية وفكرية مهمة، أن تمارس ضغطاً على صاحب القرار، وهذه مهمة وطنية بناءة.
أن تخاطبه، وأن تراسله وتطالب بضرورة تشكيل مرجعية، قادرة على التأطير والتفعيل. هنالك دول لديها وزارات، تحمل اسم وزارة المغتربين.
ما تتطلبه أحوال الفلسطينيين، هو أوسع وأعمق وأشمل، لكن تحقيقه ممكن، بل ويسير في حال توافر النية الصادقة والعزم.
-