رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 2.9 بالمئة خلال العام الحالي، من 2.7 بالمئة كانت قد توقعها في أكتوبر الماضي، ما يمثل زيادة بـ 0.2 بالمئة، ومع ذلك لا يزال هذا النمو المتوقع أقل مما حققه في 2022 عند 3.4 بالمئة.
وبحسب تقرير صندوق النقد عن آفاق نمو الاقتصاد العالمي الصادر، فإن إعادة فتح الصين لاقتصادها، وتخليها عن تدابير سياسة صفر كوفيد مهدت الطريق لانتعاش أسرع من المتوقع.. لكن في المقابل، خفض الصندوق توقعه لنمو الاقتصاد العالمي في 2024 إلى 3.1 بالمئة، من 3.2 بالمئة كانت متوقعة في أكتوبر الماضي.
وقال بيير أوليفييه غورينشاس، مدير قسم الأبحاث في صندوق النقد الدولي، في منشور على مدونة: "سيظل النمو ضعيفًا بالمقارنة مع المعايير التاريخية، إذ تؤثر محاولات كبح التضخم والحرب الروسية في أوكرانيا على النشاط الاقتصادي".
وأوضح أن مخاطر الركود تراجعت وأن البنوك المركزية تحرز تقدمًا في السيطرة على التضخم، لكن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لكبح التضخم وقد تأتي الاضطرابات الجديدة من مزيد من تصعيد الحرب في أوكرانيا.
وتوقع الصندوق تراجع معدل التضخم العالمي المسجلة في 2022 عند 8.8 بالمئة إلى 6.6 بالمئة في عام 2023، و 4.3 بالمئة في عام 2024، وهي نسبة أعلى من مستويات ما قبل كوفيد المسجلة بين عامي 2017 و 2019 عند 3.5 بالمئة.
وقال غورينشاس، "لقد أثبت النمو الاقتصادي مرونة مدهشة في الربع الثالث من العام الماضي، مع أسواق العمل القوية، والاستهلاك الأسري القوي والاستثمار في الأعمال التجارية، والتكيف الأفضل من المتوقع مع أزمة الطاقة في أوروبا" ، مشيرًا أيضًا إلى أن الضغوط التضخمية إهدأ.
ورأى الصندوق بداية ثمار تشديد السياسات النقدية في البنوك المركزية الكبرى حول العالم، إذ بات واضحًا تراجع الطلب والتضخم، لكنه استبعد في الوقت نفسه أن يتحقق التأثير الكامل للسياسة النقدية قبل عام 2024.
وأظهر تقرير الصندوق أن التضخم العام العالمي بلغ ذروته في الربع الثالث من العام الماضي، وقد تراجعت أسعار الوقود والسلع غير النفطية، ما أدى إلى انخفاض التضخم الرئيسي، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية ومنطقة اليورو، لكن التضخم الأساسي لم يبلغ ذروته بعد في معظم الاقتصادات، ولا يزال أعلى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة تحت تأثير ارتفاعات الأسعار السابقة وتشديد أسواق العمل مع نمو قوي للأجور.
كما لفت إلى أنه رغم إعلان البنوك المركزية عزمها تشديد السياسة بشكل أكبر، مع ذروة التضخم العام في الولايات المتحدة الأميركية والتسارع في رفع أسعار الفائدة من قبل العديد من البنوك المركزية غير الأميركية، ضعف الدولار منذ سبتمبر، لكنه لا يزال أقوى بكثير مما كان عليه قبل عام.
وأوضح الصندوق أن نمو اقتصاد أوروبا في عام 2022 كان أكثر مرونة من المتوقع في مواجهة صدمة معدلات التبادل التجاري السلبية الكبيرة من الحرب في أوكرانيا.
انخفضت أسعار الغاز بأكثر من المتوقع، في أوروبا، وسط ارتفاع ضخ الغاز من المصادر غير الروسية وتدفقات الغاز الطبيعي المسال، وضغط الطلب على الغاز، وشتاء أكثر دفئًا من المعتاد.
ومع ذلك، فإن الصورة ليست إيجابية تماما. إذ حذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في وقت سابق من هذا الشهر من أن الاقتصاد لم يكن سيئًا كما كان يخشى البعض "لكن أقل سوءًا لا يعني جيدًا بعد".
كما حذر صندوق النقد الدولي في تقريره الثلاثاء من عدة عوامل قد تؤدي إلى تدهور التوقعات في الأشهر المقبلة. ومنها إعادة إغلاق الاقتصاد الصيني بسبب كورونا؛ احتمالية بقاء التضخم مرتفعا، طول أمد الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد يؤدي إلى زعزعة تكاليف الطاقة والغذاء بشكل أكبر؛ وقد تتحول الأسواق إلى حالة من الفوضى نتيجة لمؤشرات تضخم أسوأ من المتوقع.
الاقتصادات المتقدمة
زاد الصندوق توقعه لنمو اقتصادات الدول المتقدمة إلى 1.2 بالمئة خلال 2023، بزيادة 0.1 بالمئة عن المتوقع في أكتوبر الماضي، بعد أن نمت بنسبة 2.7 بالمئة في 2022 و5.4 بالمئة في 2021.
ومن المرجح أن يزيد معدل نمو الاقتصادات المتقدمة 1.4 بالمئة في عام 2024.
وبحسب التقرير، من المتوقع أن يتراجع نمو 90 بالمئة من الاقتصادات المتقدمة خلال العام الجاري، مقارنة بالعام الماضي، إذ سينمو اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية في عامي 2023 و2024 بنسبة 1.4 بالمئة و 1 بالمئة على التوالي، بالمقارنة مع نمو بنسبة 2 بالمئة في 2022.
وكان الصندوق قد توقع في أكتوبر الماضي، نمو اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية بـ 1 بالمئة.
وبعد أن سجل نموا بنسبة 3.5 بالمئة في العام الماضي، رجح التقرير نمو اقتصاد منطقة اليورو 0.7 بالمئة في عام 2023، مقابل 0.5 بالمئة في توقعات أكتوبر، قبل أن يرتفع إلى 1.6 بالمئة في عام 2024.
كما توقع انكماش اقتصاد بريطانيا بنسبة 0.6 بالمئة في 2023، وهو ما يمثل تراجعًا من توقعات أكتوبر بمقدار 0.9 بالمئة.
الاقتصادات النامية
رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصادات الناشئة والنامية بنسبة 0.3 بالمئة إلى 4 بالمئة في 2023، وتوقع أن تنمو 4.2 بالمئة في عام 2024، وذلك بعد أن نمت بنسبة 3.9 بالمئة في 2022.
من ناحية أخرى، خفض الصندوق توقعه لنمو اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بواقع 0.4 بالمئة إلى 3.2 بالمئة خلال 2023 مقارنة مع 3.6 بالمئة كانت متوقعة في أكتوبر، لكنه رفع توقعه لمعدل نمو 2024 بنسبة 0.2 بالمئة إلى 3.7 بالمئة.
يأتي ذلك بعد أن نمت اقتصادات المنطقة بنسبة 5.3 بالمئة في 2022 و4.1 بالمئة في 2021.
وهبط نمو اقتصاد الصين إلى 3 بالمئة في 2022، وهي المرة الأولى منذ أكثر من 40 عامًا التي يقل فيها نمو الصين عن المتوسط العالمي، وتوقع الصندوق أن ينمو اقتصاد الصين 5.2 بالمئة في عام 2023، بعد أن تخلى عن الإجراءات المشددة لمكافحة انتشار كورونا، ومن ثم سينخفض إلى 4.5 بالمئة في العام 2024، قبل أن يستقر عند أقل من 4 بالمئة على المدى المتوسط وسط تراجع ديناميكية الأعمال وتباطؤ التقدم في الإصلاحات الهيكلية.
يذكر أنه تم تعديل توقعات النمو لعام 2023 لثاني أكبر اقتصاد في العالم صعودًا من التقدير السابق في أكتوبر الماضي عند 4.4 بالمئة.
في الوقت نفسه، لا تزال النظرة المستقبلية لـ الهند قوية، مع توقعات دون تغيير لتراجع النمو في عام 2023 إلى 6.1 بالمئة ولكن انتعاشًا إلى 6.8 بالمئة في عام 2024، بما يتناسب مع أدائها في عام 2022 إذ سجلت نموا بـ 6.8 بالمئة.
وقال غورنشاس إن الاقتصادين الآسيويين القويين (الصين والهند) سيساهمان بأكثر من 50 بالمئة من النمو العالمي في عام 2023.
اقتصاد السعودية
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي 1.1 نقطة مئوية إلى 2.6 بالمئة في 2023، وتوقع أن تحقق المملكة نموا 3.4 بالمئة في 2024.
وقال المستشار الاقتصادي ومدير إدارة البحوث بالصندوق بيير–أوليفييه غورينشا إن المراجعة الخاصة بالمنطقة تعكس بشكل أساسي "التخفيضات الخاصة بكل من مصر والسعودية، وهو ما يعود لأسباب منها تأثير الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على أسعار السلع الأساسية".
وأضاف أنه بالنسبة للسعودية، فإن تراجع إنتاج النفط الخام في إطار من اتفاق أوبك+ له أثر أيضا.
وقالت نائبة مدير إدارة البحوث بصندوق النقد الدولي بيتيا كويفا بروكس "الوضع صعب للغاية بالنسبة لمستوردي النفط في المنطقة، وكثير منهم من المثقلين بالديون، وبالتالي فإن أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة التي لا تزال مرتفعة تشكل عبئا كبير... أزمة غلاء المعيشة لا تزال قائمة ومؤثرة في تلك المنطقة، لذلك هناك أيضا خطر الاضطرابات الاجتماعية".