هارتس : تسخين تدريجي في الجبهة الفلسطينية: على أعتاب مواجهة عسكرية؟

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


منذ سنتين تقريباً، منذ انتهاء عملية "حارس الأسوار" في القطاع، الأجواء في الضفة الغربية وفي شرقي القدس آخذة في السخونة بالتدريج. منذ آذار الماضي بدأ ارتفاع واضح في عدد العمليات، وفي أعقابها أعلن الجيش الإسرائيلي عن عملية "كاسر الأمواج"، التي في إطارها وسع جداً نشاطاته في شمال الضفة. والآن مع العمليتين الأخيرتين في القدس، نهاية الأسبوع الماضي، اللتين قتل فيهما سبعة إسرائيليين وأصيب خمسة أشخاص، فإن ذلك يعتبر في جهاز الأمن انعطافة محتملة. استمرار التصعيد في الأسابيع القادمة ونحن نتجه الى شهر رمضان، الذي سيبدأ قبل نهاية آذار، يمكن أن يضع إسرائيل والفلسطينيين في بداية مواجهة عسكرية لم يُشهد لها مثيل منذ سنين.
وجد كبار ضباط القيادة العامة أنفسهم، أول من أمس، مثل أسلافهم في الانتفاضة الأولى، التي تجندوا فيها هم أنفسهم فقط للجيش، يرسلون نظرة عصبية الى توقعات النشرة الجوية. واذا امتد الشتاء فقط الى نهاية الأسبوع ورُدع الشباب الفلسطينيون من الخروج والبحث عن مواجهات، ومرت صلاة يوم الجمعة في الحرم بهدوء، فربما سيكون بالإمكان البدء في التحدث عن تهدئة النفوس. ولكن اذا سجل المزيد من أحداث العنف فإن التوتر يمكن أن يطول، وحتى أن يرتدي طابعاً دينياً صاخباً كلما اقترب شهر رمضان. في إسرائيل يصفون هجوم التحريض الذي تشنه "حماس" في وسائل اعلامها، وبالاساس في الشبكات الاجتماعية، بأن هدفه ضعضعة استقرار السلطة في الضفة وتشجيع المواجهات العنيفة.
الأكثر من كل ذلك هو أن الأمور ترتبط بالميزان الدموي: المزيد من القتلى الإسرائيليين وبدرجة معينة أيضا قتلى فلسطينيين سيحث على المزيد من العنف. كل نجاح في قتل إسرائيليين ينتج عنه بصورة واضحة ظاهرتان كامتداد فوري – محاولة تقليد لفلسطينيين ومحاولات انتقام من قبل إسرائيل. بعد عملية نفيه يعقوب سجلت على الفور محاولات أخرى. ولكن في هذا الأسبوع قام مستوطنون متطرفون بأعمال شغب، واحرقوا سيارات لفلسطينيين في عدة قرى في "السامرة". الارتفاع في هجمات المستوطنين، بالمناسبة، سجل في بداية كانون الثاني قبل العمليات الأخيرة. أيضا حول البؤرة الاستيطانية، أور حاييم، التي أخليت في السابق وتم عرضها كبادرة حسن نية مثيرة لذكرى الحاخام حاييم دروكمان، خرج "شبيبة التلال" لاحراق سيارات الفلسطينيين في المحيط.
حسب اقوال رجال الاستخبارات في إسرائيل فإن هناك بؤرة احتكاك أخرى يمكن أن تشعل كل المنطقة، غير القدس، وهي المس بظروف السجناء الأمنيين في إسرائيل. يسعى عضو الكابنت، وزير الامن الوطني ايتمار بن غفير، حازماً إلى ذلك. هذا الأسبوع بادر الى تقديم بادرات حسن نية فارغة حول السجون. ومثلما عرف كل من عمل في ذلك في السابق فان بيانات علنية عن تشديد ظروف السجناء الأمنيين هي لعب بالنار.
في روح النضال المسلح الفلسطيني يوجد للسجناء مكان محترم. لا يوجد تقريبا أي عائلة في "المناطق" ليس لها أو على الأقل كان لها في السابق، ممثل قضى سنوات كثيرة في السجون الإسرائيلية. ليس بالصدفة أنهم في "الشاباك" وفي مصلحة السجون تحفظوا دائماً على مبادرات شعبوية استهدفت تشديد حياة السجناء الأمنيين. الوزير الجديد، الذي كما يبدو لا يستوعب معنى دوره ومسؤوليته، كانت لديه الوقاحة ليهاجم، أول من أمس، علناً سياسة رد الحكومة في غزة، والاعلان بأنه سيطالب بنقاش مستعجل في الكابنت لتشديد الردود.
في ظهيرة الأربعاء ساهم التوتر في السجون كما يبدو في اطلاق صاروخ من القطاع نحو سديروت، للمرة الثانية في غضون أسبوع. عندما هاجم سلاح الجو أهدافاً لـ "حماس" في القطاع في الليل أطلق الفلسطينيون تقريباً 12 صاروخاً وقذيفة مضادة للطائرات، لم تلحق أي أضرار.
بدأ يتضح أن غزة هي أقل استقرارا وأكثر تأثيرا من الأجزاء الأخرى في الساحة الفلسطينية أكثر مما كانوا يريدون تصديقه في إسرائيل. يبدو أن "حماس" ما زالت حذرة خوفاً من أن تفقد المكاسب الاقتصادية التي راكمتها في السنة والنصف الأخيرتين. ولكن سيكون من الصعب عليها أن تتبع انضباطاً في القطاع لفترة طويلة اذا خرج الوضع في السجون عن السيطرة – يبدو أن خطوات بن غفير تسعى بالضبط الى ذلك. طوال سنين كتبت هنا بأن إسرائيل بشكل عام لا تسعى الى تصعيد في القطاع، بل تُجرّ وراء الاحداث. في حالة بن غفير وشريكه سموتريتش لست على ثقة بذلك. أيديولوجياً، ربما يريان في التصعيد في كل الجبهات الفلسطينية بالتحديد فرصة.

إحراج وخيبة أمل
وزير الخارجية الأميركي، انطوني بلينكن، الذي زار البلاد، هذا الأسبوع، أوقع مستضيفيه في عدة إحراجات غير سهلة. كان من الواضح منذ البداية بأن الإدارة الأميركية غير راضية عن خط الحكومة الجديدة في إسرائيل في الساحة الفلسطينية، وسيطالب بضبط خطواتها أحادية الجانب. ولكن بلينكن لم يكتف بتحذيرات في مجال العلاقات الخارجية، بل تطرق أيضا الى المعركة على الديمقراطية الإسرائيلية. بعد أن انتقد علناً خطوات الحكومة حرص على الالتقاء مع رئيس المعارضة، يائير لبيد، حتى أنه بادر الى لقاء استثنائي مع منظمات مجتمع مدني، تعمل على وقف الانقلاب القضائي الذي يريد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، القيام به.
وكان هناك خيبة أمل معينة أخرى لنتنياهو، ذكرت بصعوبة في وسائل الاعلام، وربما بسببها سارع الى الذهاب، أول من أمس، الى باريس في زيارة لدى الرئيس الفرنسي، عمانوئيل مايكرون. قبل نحو أسبوع من زيارة بلينكن سرب مكتب رئيس الحكومة للمراسلين بأن نتنياهو يتوقع أن يسافر الى واشنطن في نهاية شباط أو بداية آذار. زيارة بلينكن، كما تم الادعاء، هي فرصة للرئيس الأميركي كي يرسل لرئيس الوزراء دعوة رسمية. ولكن الزيارة انقضت وحتى الآن لا يوجد أي نشر عن مثل هذه الدعوة. لا الأميركيون ولا الإسرائيليون يسارعون الى تقديم تفسيرات لذلك، لكن هاكم تخمينا معقولاً: الإدارة، التي هي غير راضية عن الانقلاب القضائي الذي يريد تغيير قواعد طريقة الحكم هنا، معنية بضبط نتنياهو أو على الأقل إبعاد نفسها عن التماهي مع نتائج الخطوات الاستثنائية لرئيس الحكومة. كان نتنياهو يريد زيارة واشنطن في موعد قريب من تمرير الانقلاب بالقراءة الأولى في الكنيست.
ربما أن الرئيس الأميركي ورجاله غير متحمسين لأن يوفروا له هذه الفخامة، وربما أن قبول الدعوة المأمولة مشروط بحسن سلوك من جانب الضيف. مقابل نتنياهو، هبط بالتحديد الملك عبد الله في واشنطن، أول من أمس، للالتقاء مع بايدن. في الإدارة يشخصون وجود إشارات ضائقة من عمان، والخوف من أن مواجهة مركزها الحرم ستنزلق الى داخل المملكة، وستعرض استقرارها للخطر. في زيارته في رام الله توسل بلينكن لكبار رجال السلطة الفلسطينية لاستئناف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وأن تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية أخيراً بأعمال استباقية في جنين ونابلس. في هذه الأثناء السلطة مترددة في التدخل. عملت قوة من حرس الحدود في جنين أيضا ظهر أول من أمس لاعتقال مطلوبين بذريعة أن الفلسطينيين يخشون من العمل بأنفسهم. في هذه المرة مرت العملية بدون إصابات. عملية اعتقال مشابهة، جرت قبل أسبوع، انتهت بتبادل اطلاق كثيف وموت عشرة فلسطينيين، من بينهم تسعة نشطاء مسلحين وامرأة مسنة.
بدون وجود الكثير من الخيارات اتخذ رئيس السلطة، محمود عباس، خطوته المعتادة وأعلن عن وقف التنسيق الأمني مع الجيش و"الشاباك". فعلياً هذا دائماً أكثر خطوة تكتيكية جوهرية. خلف الكواليس العلاقات الأمنية مستمرة وإن كان بقوة ادنى من المعتاد. أيضا مؤخرا استعان ضباط إسرائيليون وفلسطينيون ببعضهم من أجل تبريد اشتعالات محلية بسرعة.
الآن في إسرائيل يخافون من انقطاعات محلية في الاتصالات التي يمكن أن تؤدي الى احتكاك زائد. الخطر الأكثر ملموسية هو أن رجال الشرطة الفلسطينية يخرجون لمواجهة جنود الجيش الإسرائيلي الذين يدخلون الى مناطق أ لأن أحداً في قيادة السلطة سيقرر عدم إعطائهم أوامر بالبقاء في المعسكرات أثناء عملية إسرائيلية، كما هو متفق عليه بين الطرفين منذ 2007.

مليشيات محلية
الى جانب تعزيز القوات والتأهب فإن قيادة المنطقة الوسطى كانت منشغلة، هذا الأسبوع، في قضية غريبة ومحرجة. ما كان يبدو للوهلة الأولى بأنه حلقة أخرى في الشبكة من النوع الذي يثير برامج تلفزيونية مثل "الانبوب"، كشف عن مشكلات خطيرة في الجيش تتعلق مباشرة بالتوتر الأمني. في قلب القضية كانت معركة بالسلاح الناري في قاعدة للجيش الإسرائيلي في الخليل، سجلها الجنود النظاميون بحماسة، حيث نشروا القصة في الشبكات الاجتماعية. ولكن ما حوّلها الى قضية مهمة هو تدخل عدد من الضباط النظاميين.
بدأت القضية عندما قام ضابط اتصال في اللواء القطري يهودا بإهانة نائب قائد الكتيبة 51 في لواء غولاني، الذي يخدم جنوده في الخليل. نائب قائد الكتيبة المهان، ضابط الاتصال كما يبدو، سماه بـ "غولاني صغير عرص" ومنع جنوده من إدخال الضابط الذي قام بالإهانة الى معسكر الكتيبة. عندما وصل ضابط الاتصال، سوية مع نائب قائد اللواء القطري، اندلع شجار جماعي عنيف ضرب فيه نائب قائد اللواء وضباط وجنود بعضهم وهددوا بعضهم.
في الأسابيع الأخيرة وقعت سلسلة أحداث أشارت الى مستوى مهني وانضباطي متدنٍ، الى جانب الشجار في الخليل: موت جندي كفير في انفجار سقوط قنبلة أخذها خلافاً للتعليمات الى غرفته في القاعدة، وقتل بدون مبرر لفلسطيني ابن 45 الذي وجد نفسه في نقاش مع الجنود قرب مستوطنة عوفرة، وإطلاق النار من قبل جنود في كتيبة نيتسح يهودا، وأيضا هؤلاء من لواء كفير الذي قُتل نتيجة نشاطه صياد سوري اقترب من الجدار في هضبة الجولان.
على طاولة رئيس الأركان ستوضع قريباً سلسلة من التحقيقات العملياتية، وسيتعين عليه أن يفحص اذا ما كان لن يستغل هذه المناسبة من اجل إيقاظ الجيش مع تحسين القواعد والمتطلبات المناسبة التي يضعها للقادة مثلما فعل رؤساء الأركان في بداية فترة ولايتهم. أول من امس ناقش هليفي الخطوات التي يجب اتخاذها ضد المتورطين في حادثة الخليل... وتعرف هيئة الأركان جيدا أن أي قرار يتم اتخاذه سيثير ضجة في الوحدات القتالية.

عن "هآرتس"