لا بوادر مطلقاً على أن ادارة بايدن تنوي الضغط على اسرائيل فيما يتعلق بالمسائل الفلسطينية الملحّة.. بل العكس تماماً، من الواضح أنها قررت التعامل مع الائتلاف المتشدد في اسرائيل بأريحيّة، حيث بنيامين نتنياهو هو العنوان الرئيس للتشاور معه في الولايات المتحدة . كل شيء يبدأ وينتهي عند بيبي.
لا بأس من منحه مساحة وفرصة بدلاً من الضغط عليه ، ولا داعي لخلافات أو مسارات تصادمية علنية. هكذا يفكرون في واشنطن . كل الأمور يمكن أن تحل بهدوء وحذر بشكل شخصي. الأمريكان يعتقدون أنّهم يمتلكون النفوذ عند نتنياهو في مسألتين: الأولى، رغبته الشديدة في إتمام انجازاته "التاريخية" بالتطبيع مع السعودية. وكيفما اسرائيل باب الدخول للبيت الابيض، فإن إدارة بايدن تؤمن أنّ البيت الابيض هو باب الدخول للسعودية . والثانية ايران: نتنياهو يحتاج الدعم الأمريكي لعملياته المستمرة في العمق الايراني لتقويض النظام هناك. لكن الأهم يأتي بناء على قناعاتهم وسنوات الخبرة مع حكم نتنياهو والتي تقول أن الضغط عليه لا يجد نفعًا ولا يلق آذاناً صاغية، وعليه فإن مسألة الصدام معه غير واردة بتاتا.. تأمل الادارة الامريكية / ولا اشك أنها طلبت/ في أن يتجنب نتنياهو اتخاذ اجراءات تجعل الوضع أكثر غليانا في الضفة الغربية، وفي نفس الوقت أشك أيضاً أن الحكومة الاسرائيلية ستتبع التوصيات الامريكية الهزيلة ..هذا ما كشفت عنه سلسلة الزيارات الامريكية عالية المستوى مؤخراً والتي اختتمت بجولة وزير الخارجية أنطوني بلينكن .
كان من المتوقع ان تكون سنوات بايدن في الحكم تقليدية للغاية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية على وجه التحديد ، بمعنى عودة لحدود السياسة الأمريكية قبل ترامب ... لكن مع تقدم الوقت يبدو أنها تراجعت عن التقليدية لتصبح فارغة ومملة. حتى أن شخوص الادارة أنفسهم يتصرفون بآلية بطيئة كالرجل الآلي .. يتحركون بتحفظ وحذر مبالغ فيه ... يردّدون نفس الكلام .. الحل الأسهل والأسلم في نظرهم هو دفن الرأس في الرمال وغضّ النظر عن اعتداءات اسرائيل والكلام.. الكلام .. دون شرح كيف ومتى ؟
من غير المتوقع ان نحصل على شيء ذو مغزى سياسي واستراتيجي من ادارة بايدن، لأنها اختارت عدم الضغط على نتنياهو وذلك يعود لثلاثة اسباب رئيسية:
1. خبرات الرئيس بايدن وثقافته وقناعاته الراسخة تلعب الدور الاكبر في هذا المجال . ورغم أنه يصنف من ديمقراطيي الوسط وربما كان يفضل التعاون مع نخبة الوسط في اسرائيل، إلا أن الالتزام بأمن اسرائيل وبالرواية الاسرائيلية عقيدة ثابتة لديه، فهو مفتون بها. حتى طريقته في حلّ الاختلافات بينهما لا تكون علنية بل تتم وراء الكواليس وبهدوء.
2. تعلم ادارة بايدن أن أية مواجهة مع اسرائيل يمكن أن تكون بواسطة سلاح المساعدات المشروطة وهو أمر يتطلب وقتًا وجهدًا هي في غنى عنه وخارج اهتماماتها الحالية التي تنصب على تداعيات الحرب الروسية الأمريكية وحركة الأسواق المالية والتحركات البعيدة في الشرق الآسيوي.
3. آخر ما يرغب به بايدن في السنة الثالثة له والبلاد على اعتاب حملات انتخابية، الدخول في مناكفات حول اسرائيل بين حزب جمهوري يدعمها وبشدة وحزب ديمقراطي فيه الاغلبية تؤيدها وأقلّية تقدمية تدفع الى محاسبتها، فضلاً عن مواجهة الايباك والمسيحيين الانجيليين.
وعلى العموم، لن تهتم تسونامي اليمينية المتشددة في الحكومة الاسرائيلية بأية ضغوطات أمريكية / هذا إذا وجدت/ وإنّما ستكون اكثر وقاحة وجرأة في التحديات والاعتداءات .