ينبغي علينا أن نفكر في مدى تحكم الهواتف والإغراءات الرقمية الأخرى في أفكارنا واهتماماتنا.
لقد كتبت مسودة هذه الكلمات على الورق في أحد المقاهي. وأنا الآن أطبعها على ما يشبه ورقة أصلية على شاشة، وأبذل قصارى جهدي كي لا أدع رسالة إلكترونية أو أيا من وسائل الإعلام الاجتماعي تقطع تدفق أفكاري.
عفوا، فقد فشلت في الفترة ما بين هذه الجملة والجملة الأخيرة. والخطأ من سمات البشر. فعندما يكون الإغراء موجودا دائما، فإنني استسلم في مرحلة ما.
وهذه مشكلة؛ لأن قدرتي على الإنتاج وربحي وصحتي الذهنية متشابكة مع آلات لا تتطابق أجنداتها دائما مع أجندتي.
صوت أي تحديث جديد يصلني (من تلك الأجهزة الإلكترونية) يكسر سكون لحظاتي، فهناك أشخاص أذكياء يحصلون على الكثير من المال مقابل أن أستمر في النقر (مستخدما تلك الأجهزة).
وهناك أشخاص أذكياء آخرون- وأشخاص ليسوا بذلك الذكاء أيضا- لا يخططون كي يجعلوني أواصل النقر، بل يتمكنون من ذلك عن طريق إصدار تحديثات لا متناهية، ومراسلات، واستفسارات، وأعمال مكثفة.
وفي مكان ما وسط هذا، أتعاون وأتعلم وأشارك وأنتج بطرق لا يمكن تصور وجودها في عصور أخرى.
وضعي جيد جدا. فكل لحظة تعد بالمزيد من الأمور المدهشة والمهمة والمثيرة للاهتمام، أو الصادمة أكثر مما يمكنني التعامل معه على مدى الحياة.
الكاتب الراحل ديفيد فوستر شبه ذات مرة الفعل الانفرادي لمشاهدة التلفزيون بالتسكع مع الأثاث. وقال، ببساطة أنظر خارج الشاشة للحظة- أنظر إلى نفسك كما لو كنت تنظر بعيون شخص آخر- وستدرك أن ما كنت تفعله في الساعات القليلة السابقة يمكن أن يفسر على أنه أمر غريب جدا في الواقع.
كم مرة في الساعة تتفحص هاتفك ولا تجد أي رسائل إلكترونية أو نصية؟
لقد فكرت في هذا كثيرا وأنا أراقب ابني البالغ عامين وهو يراقبني. وعلى وجه التحديد، فكرت في ذلك وهو يراقبني وأنا أتابع شاشة هاتفي المحمول.
لقد أخبرني أحد علماء النفس ذات مرة أن الأطفال ينجذبون للشاشات التي تعمل باللمس، ليس لأنها بديهية ومثيرة، بل لأن آباءهم مهووسون بها بكل وضوح.
وبالنسبة للأطفال، فإن الجهاز المحمول هو كل ما تقع عليه أعينهم، بغض النظر عن مكان وجوده: في عالم العمل للكبار، أو وقت الفراغ أو العلاقات؛ وهي الأشياء التي لا يمكن حتى للكبار التوقف عن تسديد نظراتهم إليها.
وبالتالي جاءت زيارتي تلك للمقهى، وكان قلمي يتصارع مع الكلمات والمعاني، ومحاولتي المستمرة لإبقاء الشاشات والهواتف بعيدة عن النظر والعقل لبضع ساعات كل يوم.
أريد تضييق الخيارات، والتركيز أكثر؛ أريد مساحة لأكون أفكاري الخاصة. عندما يرمقني ابني بنظرة، أريد أن يكون لدي بعض الوقت لأبادله النظر على الأقل.
هناك الكثير من الأدلة على أنني لست الوحيد الذي يرغب في فعل ذلك. إن برنامج العقل البشري، إذا جاز لنا استعارة ذلك التعبير المجازي من التكنولوجيا، قد يكون قابلا للتكيف بشكل مدهش، إلا أن الجهاز المسؤول عن تشغيله قديم.
أن تكون إنسانا هو أن تكون عقلا داخل جسد، تستوعب العالم في إطار اندماج حازم: وهو شيء لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا من مراقبتك لإنسان صغير السن وهو يخطو أولى خطواته التجريبية نحو القراءة.
كيف سيكون شعوري لو لم يمسك ابني نهائيا بكتاب ورقي؛ وإذا كانت المعلومات في عالمه شيئا على الشاشة فقط ودائما؟ هل يختلف هذا الشعور عن كاتب يقلق إزاء عدم ملاطفة طفله للورق أبدا؟
أعتقد ذلك، لأسباب ليس أقلها ما يعنيه ملء غرفة صبي صغير بكتب يمكن لي أن أقرأها معه، ليلة بعد ليلة، وهو يقلب ويستوعب ويثني صفحاتها. كان بالفعل قد بدأ استكشافها كأشياء، ككلمات تعيش في العالم، وهي دائما الكتب ذاتها.
أحب التكنولوجيا. وما هي الكلمات المطبوعة سوى تكنولوجيا؛ ما هي الكتابة؟ مع ذلك، فإن كان هناك درس ينبغي على الكلمات والكتب إيضاحه، فهو أن حب أي شيء يتطلب نوعا من التمييز.
فنحن لا نقتصر على تعليم أطفالنا الحروف والكلمات وحسب، بل قراءة ما بين السطور؛ للتمييز بين النصوص؛ وللمجادلة والرفض إضافة إلى الاقتناع والنقل. عندما يتعلق الأمر بمجموعة غنية من التكنولوجيا الرقمية، فإن التمييز مهم على حد سواء.
أحتاج وقتا بعيدا عن شاشاتي كي أتفهم ما يجري عليها بشكل أوضح. أحتاج وقتا بعيدا عن جماهير الفضاء الإلكتروني كي يكون لدي شيء يمكنني أن أقول إنه لي حقا.
أتناول القلم والورق ليس لأنني عالق في الماضي، ولكن لأن ذكرياتي عن طريقة مختلفة في القراءة والكتابة هي من أفضل الأدوات التي أمتلكها لمعرفة ما أريده وأعنيه حقا- وأن يكون لدي حياة تستحق العيش كما تستحق المشاركة.
لا تعجبني البساطة المرتبة المتعلقة بنصائح التعامل مع وسائل التكنولوجيا المنتجة، ولكن لدي واحدة من تلك النصائح كي تجربوها: إذا كنت قلقا على وقتك من متطلبات التكنولوجيا، ابدأ برفض تلك الوسائل على نطاق ضيق، ثم توسع شيئا فشيئا. ابتعد عن الشاشة، وليكن لديك سبب وجيه للعودة إليها.
ففي نهاية المطاف، يعد تركيز الاهتمام أمرا ذا قيمة كبيرة، وتصطف شركات التكنولوجيا من أجل تحويل وقتك إلى أموال لها. فلا تقع في خطأ أن تبيع نفسك لها بثمن بخس.