على مرّ العقود الماضية كان البعض يدّعي أن هناك صفقات بيع يقوم بها فلسطينيون لجلاّديهم وسارقي أرضهم من أجل حفنة من المال... وعلى الرغم من كثرة هذه الإشاعات والأقاويل فإن غالبية القصص التي كانت تُحاك ثبت أنها غير صحيحة، وأن الهدف منها إثارة البلبلة بين الفلسطينيين، إضافة إلى أن هناك من إخواننا العرب من حاول إزاحة العبء تجاه القضية الفلسطينية والمقدسات عن كاهله بالادعاء أن هناك من الفلسطينيين من يبيع العقار والأرض للقتلة من المستوطنين وغيرهم. نحن لا ننكر وجود نفر غرست في نفسه الخيانة، ولم يعد الوطن يعني له سوى حفنة من المال قَلّت أم كثُرت. ولكن النسبة الأكبر من عمليات الاستيلاء على الأرض والعقارات الفلسطينية جاءت بالتزوير والتدليس... فكم من عجوز وقّعت أو بَصمت على أوراق بيع وهي لم تعرف أنها ضحية لعصابات إجرامية وأفراد خانوا أنفسهم من أجل المحتل. ولا شكّ في أن سلطات الاحتلال شجّعت كثيراً من عملائها ومن لفّ لفّهم من الساقطين للعب دور الوسيط، بالوسائل المتاحة كافة، تزويراً أو تهديداً أو إغراءً من أجل تسريب العقارات والممتلكات، وخاصة في البلدة القديمة من القدس من أجل حصارها وتهويدها. ومنذ حزيران في العام 1967 والفتاوى الشرعية تتلاحق في هذا الاتجاه محرّمةً تسريب العقارات إلى الاحتلال، بل أكثر من ذلك فإن الفصائل الوطنية والإسلامية كانت، أيضاً، أعلنت موقفها من خلال إهدار دم كل من يخون الوطن والشعب، ويساهم في تحويل الممتلكات والعقارات للاحتلال، وخاصة في القدس المحتلة. وعلى مدار السنوات الماضية، نشطت جمعيات استيطانية إرهابية مسلّحة بعشرات ملايين الدولارات يمولها رجال أعمال يهود في الخارج، بشكل خاص، من أجل دفع أي مبالغ لقاء العقارات الفلسطينية، ما شجّع حفنة من معدومي الضمير على التعاون مع هذه الجمعيات من خلال البحث عن أصحاب العقارات، سواء أكانوا داخل فلسطين أم خارجها... وكثيراً ما كانت تتم هذه العمليات الإجرامية من خلال طرف ثالث لإقناع البعض، وخاصة منهم في الخارج بأنهم يبيعون إلى طرف فلسطيني من أجل المحافظة على هذه العقارات أو الممتلكات، ولكن سرعان ما ينكشف الأمر بأن الطرف الثاني هو من يقوم بتسريب ما تم شراؤه إلى الجمعيات الاستيطانية. في الانتفاضة الأولى كانت الأحكام الثورية قاسية على هؤلاء الخونة فتمت تصفية مجموعة منهم، بل أكثر من ذلك تم تحريم الصلاة عليهم أو دفنهم في مقابر المسلمين... حتى أن البعض منهم قبر في صحراء أريحا... نفتح اليوم صفحة هؤلاء السماسرة بعد تقرير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أول من أمس، والتي أكدت فيه أن سلطات الاحتلال ترفض منح اللجوء السياسي أو الإقامة لمسرِّبي العقارات والأراضي... وأن من بين مئات الملفّات الموجودة على طاولة ما يسمّى منسّق المناطق المحتلة، فإنه لم يوافق خلال العامين الماضيين سوى على خمسة ملفات لخونة بذريعة أن حياتهم مهدّدة بالخطر. علماً أن كل المتقدمين من الخونة يقدّمون ملفّاتهم على أساس أنّ حياتهم مهدّدة بالخطر. إذن هذه هي مكافأتهم الحقيقية من الأعداء الذين ألقوا بهم خارجاً... فكيف يثقون بمن خان وطنه وشعبه... أما نحن الفلسطينيين فقد آن الأوان لإجراءات حقيقية تجاه هذه الزمرة الفاسدة والمفسدة من خلال تفعيل إلقائهم إلى مزابل التاريخ بوسيلة يستحقونها... بل أكثر من ذلك.
صلاح على موعد مع التاريخ في صدام نيوكاسل
31 ديسمبر 2023