الفساد السياسي وخوف النخبة الحاكمة

حجم الخط

بقلم جهاد حرب

 

 

 تخشَّى عادة النخب السياسية الحاكمة ومؤسسات الدولة ومسؤوليها، حتى تلك المكلفة بمكافحة الفساد، من البحث والحديث عن الفساد السياسي سواء كان في تحديد المفهوم أو تطبيقاته أو طرق التصدي له؛ خاصة أنّ الاعتقاد السائد لديها أنّها تصبح بالضرورة تعارض النخبة السياسية، أو تظن أنّها توسم النظام السياسي برمته بالفساد وتجرمه. وهي تخاف من توسيع أدوات التفكير وإعمال العقل، أو تنحرف عن مهمتها الأساسية في مكافحة الفساد بمعناه التقليدي الاصطلاحي "استغلال السلطة الممنوحة للحصول على منفعة خاصة" أو بمعناه الاجرائي الأضيق من خلال تجريم بعض الأفعال بتحديدها في قانون مكافحة الفساد أو القوانين الجنائية؛ أي تجريم الانحراف القانوني لأفعال بعض المكلفين بالخدمة العامة سواء كانوا معينين أو منتخبين، وسواء كانوا موظفين أو سياسيين. كما يهرب البعض منهم في الحديث عن الجرائم الانتخابية باعتبارها فساداً سياسياً أو أحياناً يصف البعض جرائم الفساد التي يرتكبها بعض السياسيين بأنها فساد سياسي وفي كلا الحالتين هما جزء من أفعال الفساد "بمعناه التقليدي الانحراف القانوني أو أفعال مجرمة في القانون الجنائي؛ أيّ ما يطلق عليه فساد الطبقة السياسية.

بالتجربة فإنّ انطباق هذا التعريف التقليدي للفساد يذهب بالضرورة لملاحقة صغار الموظفين وفي الوظائف الدنيا، أو أولئك الذين ترغب النخبة السياسية التخلص منهم بطريقة فجّة أو تنتقم منهم باعتبارهم معارضة باستخدام القانون الجنائي بالتصفية السياسية.

يرتكز مفهوم الفساد السياسي إلى الاتجاه المتعلق بالصالح العامة؛ أيّ أنّ كل فعل "سياسة أو تشريع أو قرار أو إجراء "بالضرورة ينبغي أن يكون للصالح العام أو لخدمة المصلحة العامة ومخالفتها يعني بالضرورة انحراف  عن المصلحة العامة "يتنافى أو يتعارض معها"، أي ينطبق عليه وصف الفساد السياسي بالمعنى القيمي. أما من المفهوم الإجرائي في هذه الحالة فإنّ القائم بهذا الفعل هو من المسؤولين الذين لديهم أو يمتلكون سلطة اتخاذ القرار؛ أيّ من عليّة القوم كما يقال بالدارجة، باستخدام سلطته التقديرية الممنوحة له بحكم وظيفته بطريقة غير معقولة لمصلحة شخصٍ أو فئة أو مجموعة أو حزب "فصيل سياسي" أو طائفة، لتعزيز الولاء للنخبة الحاكمة ومكانتها، أو لحماية بعض الموالين لها من الملاحقة القانونية وتجريمهم بكف يد العدالة في أيّ مرحلة من مراحلها للإفلات من العقاب. هذا الفعل قد لا يكون مجرماً بالمعنى الجنائي أيّ أنّه ليس انحراف قانوني بالمعنى الضيق لكنه لم يأتِ لخدمة المصلحة العامة.

إنّ النظر للفساد السياسي من ناحية اصطلاحية لا ينفي النظر إلى الفساد السياسي وماهيته من خلال المنهج "الإمبريقي" أيّ من منظور الرأي العام خاصة أنّ رضا المواطنين وثقتهم بالنظام السياسي أو مؤسسات الدولة أو المسؤولين عنها مسألة أساسية بشرعيته والقبول بمشروعية أعماله وبتفسيراته للسياسات والقرارات والإجراءات التي تتخذها النخبة الحاكمة. بالضرورة أنّ تعي النخبة الحاكمة بأنّ انفراط عقد الطبقة الاجتماعية الحامية من حولها وانخفاض ثقة المواطنين بالنظام السياسي وزيادة عدم رضاهم عن أداء المؤسسات العامة ومسؤوليها، أخطر بكثير من الفساد التقليدي على خطورته على النظام وجسم المجتمع.

تتعدد مناهج معالجة الفساد السياسي سواء من الناحية الإجرائية؛ بأنّ تأتي المعالجة من خلال استراتيجية وقائية بتحصين أركان الحكم سواء من خلال تقوية مناعة نظام الحكم وتحصينه سواء بإجراء الانتخابات العامة بنزاهة أو عبر ممارسة الحكم بشفافية ومشاركة مجتمعية وتعزيز مؤسسات الرقابة السياسية. أو من خلال استراتيجية مواجهة الفساد السياسي عبر تعزيز التحالف الشعبي المناهض للفساد والفساد السياسي وبناء حركة شعبية قادرة على استنهاض الفعل الشعبي لمواجهة حالات الفساد السياسي  سواء عبر حملات في الفضاء العمومي الافتراضي أو الفضاء المكاني الحقيقي وتوسيع المشاركة الشعبية بآليات وسائل مجتمعية بتحويل سلوك الشجب والانتقاد "السلبي" المعبر عنها في استطلاع الرأي العام تجاه أفعال المسؤولين إلى انتقاد "إيجابي" من خلال المشاركة في مناهضة هذه الأفعال على الأرض بإطلاق وتنظيم وتحشيد وتأطير الأجسام الشعبية والمجتمعية وأدواتها.