"تعليق العلاقات مع "دولة اسرائيل" ومؤسساتها بما في ذلك اتفاقيات التوأمة مع تل ابيب عاصمة اسرائيل حتى تضع هذه الأخيرة حداً لمنظومة الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني والامتثال للالتزامات التي يفرضها عليهم القانون الدولي ... لا يمكننا ان نقف صامتين" هكذا كتبت "أدا كولاو" عمدة مدينة برشلونة/ عاصمة إقليم كتالونيا في اسبانيا الى نتنياهو .. قرار تاريخي أصاب الجاليات اليهودية والمتنفّذين اليهود في أسبانيا بالصدمة والذهول للمرة الثانية .. كولاو اليسارية والناشطة السياسية في حقوق الانسان والمجتمع، أول امرأة تصل الى هذا المنصب في تاريخ المدينة منذ العام 2015 واعيد انتخابها في العام 2019 .. وبالمناسبة تاريخ التوأمة بين برشلونة وتل ابيب هو جزء من اتفاقية ثلاثية بين برشلونة وتل ابيب وغزة في العام 1998 اثناء ازدهار عملية السلام في ذلك الوقت.
أما الصدمة الاولى ليهود أسبانيا فكانت في يونيو من العام الفائت، حين صوّت البرلمان الكتالوني لصالح قرار يدين إسرائيل لأنها ترتكب جريمة الفصل العنصري ودعا كلا من حكومة كتالونيا وحكومة مدريد إلى استخدام جميع الجهود الدبلوماسية لإجبار السلطات الإسرائيلية على العودة للقوانين الدولية، ليصبح أول برلمان في أوربا يعترف علنًا بأن النظام الإسرائيلي الذي تطبقه على الأراضي الفلسطينية المحتلة يتعارض مع القانون الدولي ويجب معاقبته بناء على اتفاقية روما.
كالمعتاد جاء رد الفعل العلني للجاليات اليهودية في اسبانيا بأنّ القرار معاد للسامية ولا يعبر عن طبيعة المجتمع في برشلونة مناشدين المواطنين العمل من "أجل التعايش ومكافحة معاداة السامية"!! أما ردود الافعال الحقيقية الخفيّة فقد بدأت منذ سنوات ضد رئيسة البلدية كولاو التي تتعرض للتشويه المستمر لشخصها ونزاهتها وسياساتها التقدميّة في المدينة. ولاشك أنّ هذه المسألة تعد من أبرز الأمثلة التي تتضح فيها الولاءات المتعارضة لاسرائيل.
من منّا لا يذكر الاحتجاجات الضخمة في اقليم كتالونيا في العام 2017 المؤيدة للانفصال عن حكومة اسبانيا بعد استفتاء شعبي جوبه بقوة من الحكومة الأسبانية ... اسرائيل لها علاقات طويلة الامد مع كتالونيا وأسبانيا منذ العام 1986 .. ويقال أنها دعمت ماديًّا واستخباراتيًّا حركة الانفصال عن اسبانيا عقابًا للسلوك الاسباني في الامم المتحدة الذي يدعم قرارات الشرعية الدولية للفلسطينيين . أثناء استقبال احد قادة الانفصاليين اليمينيين وصف شمعون بيريس الكتالونيين بأنّهم "الشعب المصمم على التحرر كما اليهود!" .. لكن مع تغير المشهد السياسي في الاقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي بات الراديكاليون اليمينيون هم أنصار اسرائيل .. أدا كولاو عمدة المدينة يسارية ضد الانفصال على الأقل في المرحلة الحالية.
هناك أسباب أخرى يعزى اليها الفضل في القرارات التاريخية الكتالونية لدعم القضية الفلسطينية أبرزها توسع نشاطات حركة المقاطعة PDS، والحملات الشعبية للمنظمات الحقوقية والمدنية المحلية والتي بدورها ترتكز على تقارير المنظمات الدولية لحقوق الانسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش . وربما يعد تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي" الذي صدر في فبراير من العام 2022 وتم التأكيد عليه هذا الشهر هو المرجعية الأكثر قوة ومنهجية ومصداقية، حيث جاء في اطار حملة واسعة للمنظمة تعتمد على شهادات ومشاهدات في الأراضي المحتلة حول نظام الفصل العنصري.
التقرير يبرهن على أنّ اسرائيل تنتهج بشكل مؤسساتي ومنظم جريمة الفصل العنصري في سياساتها ضد الفلسطينيين . وما حدث في الموقف الكتالوني سواء في البرلمان أو في موقف بلدية برشلونة دليل على نجاح هذه التقارير في إحداث فرق، ودلالة على وزنها وقيمتها كونها تعزز الالتفاف والاجماع في مجتمع حقوق الانسان بشأن الحقيقة البشعة للكيان الاسرائيلي وسياساته القمعية .
مرة أخرى تحية لعمدة برشلونة ولجميع الناشطين في مجتمع حقوق الانسان في الاقليم وللتقارير الدولية التي تنصف الحق الفلسطيني