بقلم / عباس الجمعة
عندما نقف امام الذكرى الواحدة والثلاثون لمحاولة اغتيال القائد مصطفى سعد رمز المقاومة الوطنية اللبنانية ، الذي ابى الا ان يكون في مواجهة العدو الصهيوني في قلعة المقاومة في صيدا ، فأننا ندرك ان هذا المناضل الذي آمن بفكر جمال عبد الناصر ، تحفظ ذكراه ، و قد يمضي الزمان ، ولكن مبادئه ومواقفه تبقى هي طريق الصمود والتضحية ، والتحدي ، والإصرار والعزيمة ، والثبات والمبادئ .
لقد جسد الشهيد القائد مصطفى سعد الخط الثوري بدمائه الطاهرة مع ابنته ناتاشا ،وكان حريصاً على استمرار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ، لأن محاولة الاغتيال لم تثني من عزيمته ، ضد الاحتلال الاسرائيلي، فأعطى للبنان والعروبة والمقاومة وفلسطين ما تستحق ، ورغم أن ابو معروف عندما رحل كان يرى أن غياب الديمقراطية كان سببا من أسباب الهزيمة فلسطينيا وعربيا وغيابها سبب التخلف الاجتماعي الذي يحيط بالأمة العربية ، لانه كان يري بأن الديمقراطية ليست القادمة عبر البوابة الأمريكية بل عبر الوعي العربي والإحساس العربي بأهمية إطلاق الحريات والإبداعات وطاقات الشعوب على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية وغيرها .
مصطفى سعد ابن لبنان وفلسطين وابن العروبة ، عشق المقاومة التي اقترن بحبها ودفاعه عنها وعن فلسطين باعتبارها القضية المركزية للامة العربية ، وها هو اسامة سعد الرفيق والاخ يحمل امانة ،من حمل فلسطين وقاتل على ارضها يحمل امانة معروف سعد ، ومصطفى سعد الذي وهب حياته وهو يدافع عن لبنان وفلسطين والامة .
صحيح ان مصطفى سعد غاب وبقيت ذكراه العطرة، ذكراه الوطنية والقومية ، فكان عربيا بامتياز ، بقدر ما كان فلسطينيا بامتياز اعظم، لانه آمن بان انجاز مهام التحرر من الاستعمار والامبريالية بشكليها القديم والجديد، مرتبط بنهوض حركة التحرر بقواها واحزابها المختلفة.
مصطفى سعد كان مشدودا الى ابعد مما يتصور العقل، لعامل الوحدة،وكان دائما يطالب كافة الفصائل الفلسطينية بضرورة تصويب مسار الوحدة هذه هي بعض سمات مصطفى سعد، الذي ولد مجبولا بالوطنية الصادقة، واستشهد وهو مسكون بها، لم تفارقه للحظة.
واليوم بعد مرور واحد وثلاثون عاما على محاولة اغتيال القائد الشهيد مصطفى سعد نقول ان انتفاضة فلسطين تتجدد بشبابها وتمضي في طريقها، ولم تنكسر الإرادة، بل تواصل كسر التوقعات والمقاربات والخيارات المشوهة وخلط الأوراق وطرح الأسئلة والتحديات بلا هوادة، من خلال إصرارها ووضوحها وعزيمتها المقاربات السياسية ، حيث تحاصر زوايا اليأس والاحباط وتواجه المشاريع الامريكية الصهيونية، وهي تمتد على كل الارض الفلسطينية ،إنها حركة شعبية موضوعية وذاتية في مواجهة مشاريع التسوية البائسة التي تجاوزت حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة.
وامام هذه الذكرى لرمز من رموز النضال القومي ، لم نتفاجأ بما تحدث به رئيس حكومة العدو من علاقة مع السعودية في ظل الفوضى والحروب المذهبية وتدمير الدول الوطنية القائمة ، علما ان مدافع العدو ما زالت مصوبة نحوهم ، وستبقى العدو الرئيس ليس للفلسطينيين فقط بل للأمة العربية ، وان تحالف الكيان الصهيوني مع دول جديدة ستظهر على الساحة العربية كإفراز لفوضى ما يسمى الربيع العربي ، مما سيزيد من التحديات التي تواجه كل محاولة لتوحيد العرب أو استنهاض المشروع القومي العربي ، وستكون واهمة اية دولة عربية تعتقد أن إسرائيل ستسمح لها بالتقدم والازدهار والاستقرار حتى وإن كانت ملتزمة باتفاقية سلام معها.
من هنا نرى أن تخاذل بعض العرب المنضوين تحت راية القوى الامبريالية تسعى بنأيها عن فلسطين وهذا تشجيع للعدو الصهيوني على مواصلة مخططه الاستيطاني والتهويدي للقدس المحتلة وكل فلسطين وعلى مواصلة العدوانية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين لا سيما الأسرى الذين يقاسون العذابات في سجون العدو وهذا ليس له تفسير إلا أنه استجابة لإرادة استعمارية صهيونية ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية، في ظل ما يجري في المنطقة من محاولات تفتيت وتمزيق وشرذمة ،وهي أبشع وأخطر من سايكس بيكو ومفاعيله وأشد تأثيرا لأنه يقوم على الشحن المذهبي والطائفي الذي يطلق العنان للغرائز الوحشية المسؤولة عن أعمال التفجير والإجرام والقتل اليومي ضد الشعوب العربية من القوى الارهابية التكفيرية ، وهذا يستدعي اتخاذ المواقف الجذرية والجريئة في آن معاً وتأكيد أولوية تقديم النموذج الذي آمن به مصطفى سعد وكل الشهداء الذين استشهدوا من اجل حرية فلسطين وكل دول المنطقة.
لذلك نحن نقول في ذكرى محاولة اغتيال القائد الشهيد مصطفى سعد ، لا بد من تصويب وتمتين العلاقات الفلسطينية العربية ولكن على أسس جديدة وعلى قاعدة الالتزام بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إطار القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، لاننا على ثقة بالاهتمام العربي الشعبي بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية ، رغم المحاولات التي تجري عبر عملية ممنهجة لفك الارتباط التاريخي والمصيري والاستراتيجي ما بين فلسطين والأمة العربية .
وامام كل ذلك نقول ان الشهيد القائد مصطفى سعد وكل القادة الشهداء وهبوا انفسهم لحرية الاوطان وتحرير الارض والانسان ، وفي سبيل الدفاع عن القضية القومية، حيث شكلت سيرتهم المليئة بالمؤثرات منها التاريخي ، ومنها النضالي ، ومنها الإنساني .
ختاما : مصطفى سعد ، مثل مدرسة فكرية وثورية ، ورسم تاريخ مشرق مع قادة تعملقوا نجوما في سماء الامة ، لم يعشقوا سوى فلسطين القضية والانتماء ، قائد ثوري وطني وقومي عربي. كرس حياته كلها للقضية القومية، بل لعب دوراً أساسياً في النضال التحرري العربي، حيث ناصر ودعم نضال الشعب الفلسطيني في كافة المحطات من أجل العودة والاستقلال والحرية.